أيام قليلة ويبدأ نحو 850 ألف طالب وطالبة في مصر امتحانات الثانوية العامة بمرحلتيها الاولى والثانية. وفي الأيام التي تسبق بداية "الماراثون" تزداد دقات قلوب الشباب والفتيات لانه سيتحدد مصيرهم. الكل يعاني التوتر والقلق خوفاً من مفاجآت غير سارة قد تؤدي الى عدم الحصول على المجموع المطلوب لدخول كليات معينة. تحولت البيوت الى "ثكنات عسكرية" تفتقد الحب والتفاهم. فمنعت وسائل الترفيه وحظر الاباء على ابنائهم الطلاب ممارسة هواياتهم، وبات الشغل الشاغل للمدرسين وأولياء الأمور ترهيب الطلاب من الامتحان، وهو أمر يعيق عملية التحصيل والاستيعاب بسبب زيادة الضغط العصبي. ويحاول الطلاب زيادة عدد ساعات الدرس ويكثرون من احتساء المشروبات الساخنة المنبهة رغبة منهم في السهر والتركيز وهو ما لا تتلاءم مع ارتفاع درجات الحرارة في هذه الفترة من السنة. وما زاد الوضع سوءاً أنه بعدما كانت امتحانات الثانوية العامة تقتصر على "السنة الثالثة" من المرحلة الثانوية، خطر ببال وزير التعليم منذ بضع سنوات ان يضع نظاماً جديداً يتم بموجبه تقسيمها الى عامين ومناصفة الدرجات على مرحلتين. كذلك زاد القرار العبء على طلاب القسم الادبي الذين يركزون على حفظ المواد الادبية هرباً من المواد العلمية والرياضيات، باضافة مادتي الرياضيات والجيولوجيا! "فترة الامتحانات من أصعب الفترات التي يمر بها الطالب". هكذا بدأ احمد علي 17 عاماً في المرحلة الاولى للثانوية العامة كلامه. ويتابع "في هذه الايام ينقلب نظام الحياة رأساً على عقب. و اكثرما تجده شائعاً لدى الشباب السهر ليلاً والنوم نهاراً. فهناك اعتقاد خاطئ ان الليل افضل من النهار لنجاح عملية الاستذكار. ولكن هذا النظام لا يتوافق اطلاقاً مع وظائفنا البيولوجية والحيوية فتجدنا نشعر دائماً بالإجهاد والارهاق، لذا اعتمد نمط النوم مبكراً والاستيقاظ مع أولى ساعات النهار وقد وجدت ذلك افضل لانتباهي العقلي ونشاطي الجسدي بل إن الاستيعاب يكون أفضل". ويقول محمد وهو في المرحلة الثانية قسم أدبي "في فترة ما قبل الامتحانات دائما ما يشغل ذهن الطلبة توقع الاسئلة والاختبارات وهو ما يدفعنا الى حل اسئلة امتحانات السنوات السابقة. لكن للأسف يقع الطلبة في خطأ كبير لاعتقاد البعض ان الاسئلة لن تخرج عن هذه النماذج ويحاول ان يحصر مذاكرته في حفظ تلك الاجابات وترك بقية فصول المادة من دون درس او حفظ. وهو اسلوب خاطئ فمن الافضل درس جميع اجزاء المنهج السهلة منه والصعبة". أما عاطف عادل قسم ادبي فيقول "كنت اذاكر بجد واجتهاد في العام الماضي ولكني فوجئت ان مجموعي لا يتناسب مع مجهودي الذي بذلته طوال العام وبسبب ذلك عقدت العزم هذا العام وقمت بتحويل اوراقي من القسم العلمي الى الأدبي وليتني ما فعلت ذلك لأن الأمر ازداد تعقيداً فلكل مادة يتم شرحها داخل الفصل من المدرسين بسرعة ولا يركز المدرس اثناء الحصة في بذل مجهود لكي تصل الينا المعلومة فيتوه الطالب في الحصة ولا يفهم أي شيء واذا حاول بعض الزملاء ان يفهم ما يقوله المدرس ويطلب منه اعادة الدرس او شرحه فإنه لا يلقى ترحيباً. واذا عاود شرحه فسيكون بالاسلوب السابق نفسه، وعلى مضض. وعلى الطالب الذي يريد حل هذه الرموز ان يحجز مكاناً له في الدروس الخصوصية لعله يفهم ويستوعب الدرس". ويتابع عاطف "أما الدروس الخصوصية فأصبحت تفتقد الخصوصية بل وصل عدد الطلاب الذين تضمهم ما بين 11 الى 14 أي فصل مصغر، أضف الى ذلك ان المناهج الدراسية طويلة ولا نستفيد منها في الحياة العملية للحشو الكثير بها والذي لا داعي منه". ويرى جورج ادوارد 17 عاماً أدبي ان "مرحلة الثانوية بالنسبة لي ولجيلي بمثابة مصير غامض والسبب في ذلك أنها لا تحتمل حلاً ثالثاً إما ان نكون أو لا نكون فهي مفترق صعب بين مرحلة واخرى. وحتى الآن نعتبرها بمثابة شبح، ورغم وعود وزير التعليم المصري التي نقرؤها ونسمعها سنوياً عن طرق تحديث التعليم وخاصة الثانوية العامة إلا أننا بالفعل نشعر بالخوف من المستقبل، وهذا بالطبع انعكس على اسرنا التي تعيش سنتين في قلق حقيقي طوال العام بل وطوال سنوات الثانوية". وتمنى ادوار أن يأتي اليوم الذي تتخلص الحكومة من هذه المرحلة وتقضي على شبح الثانوية وان تكون مرحلة عادية مثل باقي المراحل الدراسية. هناك حالة طوارئ لا يخلو منها أي بيت مصري حالياً. يعيشها الآباء اكثر من الابناء وربما يكون بعض الشباب في حالة توازن وسلام إلا أن آباءهم ينقلون اليهم حالة الشد العصبي وكأنهم هم الذين سيؤدون الامتحانات بدلاً منهم... التلفزيون أغلق والزيارات العائلية مُنعت وألغيت المحادثات الهاتفية، والأمهات في اجازة من عملهن لمتابعة الابناء ولا يفكرن إلا في مواجهة المصاريف الزائدة لمراجعة المناهج التي ازدادت الى أكثر من أضعاف الشهور العادية واضطر الآباء الى الاقتراض لمواجهة ايام "الصدمة والرعب"... الكل ينتظر زوال هذه الأيام القاسية. وتنصح خبيرة التربية الدكتورة رضا غنيم الآباء عدم ترهيب الطالب من الامتحان الأمر الذي يعوق عملية تحصيله واستيعابه لدروسه. وتضيف: "المذاكرة ليست معناها الاجتهاد للحصول على المجموع الكبير، كما يتخيل اولياء الأمور، فلا بد من توافر عوامل اخرى اهمها هدوء الاعصاب دائماً والثقة بالنفس والثبات وإعمال العقل حتى في المواد النظرية". وتنصح غنيم الاباء بضرورة تهيئة المناخ النفسي المريح للطالب وعدم إشاعة جو من الحذر والترقب في البيت، مركزة على اهمية تجنب الاخطاء التي تقع فيها الاسرة من منع وسائل الترفيه وحظر ممارسة الهوايات. وتقول غنيم "إن مخ الانسان له طاقة استيعابية ومن غير الانساني أن نكدس المعلومات فيها من دون فهم او معنى، فالطلب ليس آلة لصب ما في الكتاب ووضعه في ورقة الاجابة، فيجب ان يكون هناك وقتٌ للمذاكرة ووقتٌ للراحة وآخر للترفيه".