امتحانات الشهادة الثانوية هي "الكابوس المرعب" الذي يرافق طلاب سورية حتى بعد سنوات طويلة من اجتيازها، فهي المرحلة الأكثر ضغطاً على الأعصاب والتعرض للاكتئاب والانهيار العصبي ذلك ان خمسة عشر يوماً تحدد مستقبل الشاب لا يحسب ما قبلها ولا ما بعدها. ويشكو الطلاب والأهل والمدرسون من اسلوب امتحانات الشهادة الثانوية. ويقول احدهم: "يجب ان لا يعتمد تقرير ترفيع الطالب وتحديد مستواه على نتائج الامتحان الواحد كما ان عملية قياس مستوى الطالب وتحديد مستقبله لا تتم بأيام قليلة في امتحان سنوي نهائي". وتعتمد امتحانات الشهادة الثانوية في سورية في شكل مطلق على الفترة الزمنية الضئيلة المحددة للامتحان الواحد لتقرير مصير الطالب وتعطي الأسئلة الموجهة للطالب كامل الأهمية للحفظ واسقاط المهارات الأخرى. ويقول احد المدرسين ان الامتحانات الحالية "تؤدي الى تضيق مفهوم التحصيل الدراسي الذي يعتمد على تقرير امكانية الطالب في استرجاع المعلومات من دون احداث التغيرات السلوكية في اتجاهات المتعلمين ومهاراتهم فالامتحانات تقوم فقط على عملية تخزين المعلومات الكمية في ذاكرة الطالب التي غالباً ما تتسرب وتنسى بعد الفحص". ويطالب الأهل والطلاب بضرورة تغير اسلوب الامتحانات التي لا تستطيع اعطاء صورة حقيقية عن مستوى الطالب. ويقول الطالب ماهر "أصبحت الامتحانات هدفاً لذاتها بدلاً من ان تكون وسيلة وهي تقيس في الغالب مدى استعادة الطالب من المواد الدراسية ولا تكشف عن عمق التفكير والنشاط وهي تشجع على الحفظ الصم وتحد من العمليات العقلية احياناً ومن القدرة على الحكم واتخاذ القرار فلا عجب ان نسي الطالب بعيد الامتحان الكثير مما كان قد حفظ". ويتذكر الطلاب حوادث امتحانية أدت ببعضهم الى الرسوب واحياناً الى الحصول على علامات قليلة لا تؤهلهم للدخول الى الجامعات، مؤكدين ان الأسباب بعيدة كل البعد عن قدراتهم ومستواهم. ويقول حسام: "ان جميع المدرسين أكدوا انني من الأوائل في الثانوية العامة فأنا متفوق في المدرسة منذ الصف الأول غير اني في يوم امتحان الرياضيات تأخرت على مركز الامتحان ومنعت من الدخول وبعد رجاء مدير المركز سمح لي بتقديم الامتحان وعندما تسلمت الورقة كانت كل المعلومات تبخرت من رأسي والنتيجة كانت حصولي على علامات لم تؤهلني لدخول كليات الطب أو الهندسة التي كنت احلم بها". وتقول سمر: "الجو الارهابي الذي يفرض عليك قبل وخلال الامتحان يجعل من الصعب على الطالب تذكر اي شيء مما كان قد حفظه سابقاً خصوصاً ان الأسئلة لا تعتمد على الاستنتاج بل على الحفظ الصم". ويرى أحد الموجهين ان "الامتحانات بصيغتها الحالية تخدم الطالب المجتهد وليس الذكي وتقيس الذاكرة وليس التعلم وهي فتحت باباً للارتزاق امام بعض المدرسين الذين قدموا انفسهم كمتعهدين يضمنون النجاح الباهر لطلابهم عبر الدروس الخصوصية التي لا تهدف الى تعميق تعلم الطلاب بل تهدف الى اكساب الطلاب مهارة التعامل مع صيغة الامتحانات النمطية بقصد اجتيازها بنجاح وتحصيل أعلى الدرجات الممكنة". ويقول احد الطلاب "وصفة النجاح تعتمد على تحويل العقل الى شريط تسجيل دقيق تسجل به ما ورد في الكتاب المدرسي المقرر وما عليك في الامتحان الا ان تتقيأ هذه المعلومات وبالتالي تحصل على درجة عالية بقدر ما تكون دقيقاً في نقل المعلومة من الكتاب الى ورقة الجواب". مضيفاً "لحفظ المعلومات اصبح هناك وسائل من التقانة والتكنولوجية ما تنوب عن العقل البشري ويمكن ان تحفظ المعلومات وتقدمها بدقة اكثر من العقل البشري. فلماذا يصرون على قياس الذاكرة لدينا وليس قدرتنا على التفكير والابداع؟". ويشير اخر الى أنه وقبل تغيير اسئلة الامتحانات يجب تغيير المناهج ذلك ان الأسئلة التي توضع في نهاية كل موضوع في الكتب المدرسية هي لقياس مدى التذكر وتخلو من اي سؤال ينمي الجوانب الاستنتاجية والابداعية". ويرى بعض المدرسين ان حل المشكلة يكمن في اعطاء مدرس المادة دوراً أكبر في عملية التقويم وتخصيص جزء مهم من درجة النجاح لأعمال الطالب وجهوده خلال العام الدراسي وبذلك يرتبط الطالب بمدرسته ومدرسه ويبذل جهداً أكبر في التعليم الحقيقي وتنتهي ظاهرة الانقطاع المبكر عن المدرسة والاعتماد الكلي على الدروس الخصوصية. ويقول احد الموجهين "يجب ان يعطى للمدرسة دور أكبر حيث يكون لها الحق في عدد من الدرجات في الشهادة الثانوية لا تتجاوز نسبة 15 الى 20 في المئة تعطى للطالب من خلال مستوى تحصيله في المرحلة الثانوية بكاملها مما يخفف من رهبة الامتحان العام". ويقول آخر "لا بد من الأخذ بنظام الامتحانات التكميلية لطلاب الشهادات اسوة بما هو معمول به في بلاد اخرى لاعطاء فرصة لتلافي التقصير الحاصل في بعض المواد وذلك باجراء امتحان استثنائي يتقدم اليه الطلاب لاعادة الفحص في المواد التي لم يحققوا فيها نسب النجاح". ويرى البعض ان صعوبة تحقيق هذه الحلول تكمن في عدد الطلاب داخل الصف الواحد الذي يزيد على الحد المسموح به اضافة الى وجود نوع من الضعف المهني التدريسي لدى عدد من مدرسي الاختصاصات العلمية والأدبية.