نجح الرئيس الأميركي جورج بوش حتى الآن في الإفلات من الغضب الناجم عن أنباء حول تلاعب إدارته بتقارير أجهزة الاستخبارات وتضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير شن الحرب على العراق، في حين فشل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الإفلات من الحملة في البرلمان البريطاني الذي أنشأ لجنة تحقيق في دور بريطانيا في الحرب وتلاعب رئاسة الوزراء بالتقارير عن الأسلحة العراقية، ما يسبب لبلير متاعب كثيرة. ويعود نجاح الرئيس الأميركي في البقاء خارج إطار التحقيق الذي تجريه لجنة شؤون الاستخبارات في الكونغرس بشأن تضخيم خطر أسلحة العراق، إلى أن الحزب الجمهوري الحاكم تجند وراء بوش ونجح في إبقاء التحقيق سرياً خلف أبواب موصدة. على العكس يعاني بلير من انقسام في حزبه أدى إلى تقديم عدد من الشهود أمام لجنة التحقيق البرلمانية المفتوحة لوسائل الإعلام من نواب حزب العمل الحاكم، ومنهم وزراء أدلوا بأقوال تدين حكومتهم. ويقول مساعدو بوش أن استمرار التحقيق في مسألة تضخيم خطر أسلحة العراق لا يقلقهم كثيرا بمقدار ما يقلقهم تزايد عدد القتلى والجرحى من الجنود الأميركيين في العراق حالياً. كما أنهم ليسوا قلقين على مصير بوش لكن مستقبل بلير الحليف الرئيسي لإدارة بوش في العالم وفي أوروبا يقلقهم بشكل خاص. ويرى مساعدو بوش أن بلير سيخرج من التحقيق الجاري في لندن "جريحا" الى درجة ترغمه على النأي بنفسه إلى حد ما عن الرئيس الأميركي في الوقت الذي سيكون بوش بأمس الحاجة إلى حليفه البريطاني لاستخدامه كجسر له مع الاتحاد الأوروبي عندما يحين وقت البحث في قضايا مثل إيران وسورية. ومن المفترض أن تكون مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي كوندوليزا رايس التي زارت لندن أمس قد أفصحت عن رؤية بوش لجدول الأعمال الأميركي - البريطاني للمستقبل. لكن أحداً لا يستطيع القول ما إذا كانت رايس وآخرون داخل الإدارة الأميركية سيواجهون أسئلة محرجة في لجان تحقيق أميركية مثلما حدث مع الوزراء في الحكومة البريطانية، خصوصاً وزير الخارجية جاك سترو ومدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إلستير كامبل. إذ أن أعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي المعارض بدأوا بتوجيه اتهامات وأسئلة كثيرة محددة حول قرار الحرب والدور الأميركي في العراق. ففي الأسبوع الماضي أعلن السناتور الديموقراطي جون كيري، الذي صوّت قبل الحرب لمصلحة منح بوش صلاحية إعلان الحرب على العراق، أن الرئيس الأميركي "خدعنا جميعاً واحداً واحداً"، فيما تساءل النائب الديموقراطي هيوارد دين الذي ينافس داخل حزبه للفوز كمرشح للرئاسة عن دور بوش في الحرب و"المعلومات التي يعرفها ومتى تسنى له ذلك". ويتمهل ممثلو الحزب الديموقراطي في الكونغرس في توجيه الاتهامات إلى إدارة الرئيس بوش موقتا ريثما يعلن عن انتهاء حملة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل الجارية حاليا في العراق ورؤية نتائجها. فيما يحاول النواب الجمهوريون التخفيف من وتيرة التحقيق وزخم الاتهامات الموجهة للإدارة قدر الإمكان تلافيا لإمكان ا ضطرارهم لقبول اجراء تحقيق علني في نهاية الصيف الحالي. ويتحصن مؤيدو بوش في الكونغرس وخارجه خلف المقولة المتداولة حالياً بأن "الناس أدركت أن العالم الآن أفضل من دون صدام حسين". وفي لندن يحاول بلير أن يحمي نفسه بالتشديد على الجانب الإنساني في إسقاط صدام وإبراز طغيانه الوحشي. لكن في النهاية يتوقف الأمر على نظرة الرأي العام في البلدين الى هذه المسألة، وهل يوافق الأميركيون والبريطانيون على اعتبار أن صدام كان يشكل خطراً حقيقياً عليهم. ففي حين يوافق الأميركيون على أن بوش شن الحرب على العراق ليدرأ عنهم كارثة جديدة مثل 11 أيلول سبتمبر 2001، يرى الأوروبيون أنه كان ينبغي إعطاء المفتشين الدوليين مزيداً من الوقت قبل إعلان الحرب.