تجلس على "الكرسي"، في الاستوديو تحت الأضواء الكاشفة، قبالة بوب أبو جودة. تغمز عينك لقلبك. يرفع القلب قبعته ثم يكسر عنقه علامة الطاعة: "لا تقلق يا سيّدي سأكون عند حسن ظنك، ان شاء الله وسمعت أسئلة بوب. سأهدّئ من روعي. سنربح الدولارات، حينها هل يكون بوسعي أن أهتزّ طربا وأرتجف فرحاً كما أشاء؟". تتمنى ان يفي قلبك بوعده. ألاّ يخيّب ظنونك حقاً ويحيد عن الخطة المرسومة. ألا يغافلك ويغفل عن حلمك بالعملة الخضراء. الآن، في هذه اللحظة وأنت على كرسيّ البرنامج، تصلّي، كما لم تفعل ربما من قبل، لأن يمنحك الله قلباً من حديد. تتمنى لو كنت فارساً من قرون وسطى يملأ جيبه بمفاتيح كثيرة لأعضاء حبيبته المحصّنة بالصفيح والمحميّة بالأقفال. تطمح الى قلب لا يخطئ. لا يتنفّس على هواه. لا يغنّي بصوت عال. لا يتفلّت عن حبال سلطتك ويغدرك منطلقاً كبوهيميّ أرعن. لا يشاغب. مهذّب. هادئ على هيئة طفل رافق أبويه في زيارة رسمية. أجلساه على الكنبة، فيما أهل البيت منهمكون في المطبخ، وهمسا في أذنيه للمرة الألف عن العقاب الذي سينتظره ان شاغب او "نقّ". هنا، على كرسي أبو جودة، لا أحد يبدو مستعداً لأن يغفر لك الأخطاء الصغيرة. لا أحد يتستر عليك. فذلك "التارمومتر" المعلّق على الشاشة، ليقيس ارتجاجات قلبك بحماسة ريختر، لن يتردد للحظة عن اذاعة "فضيحة" تسارع ضربات قلبك على مرأى الملايين المهللين لانقبضات شريانك التاجي ومسمعهم، حسداً وغيرة و"ضيقة عين". وتمضي الدقائق ثقيلة موجعة. ال"أدرينالين" عندك حائر كيف يتصرف وأين يتدارى. جهازك العصبي في ورشة طارئة، جريان دمك في سواقي مستحدثة لمرة واحدة وأخيرة. دمك من القلب دافق الى الجيب. "بيع قلبك". اختبر متانته. حصّل بفضله الثروة. نعم، من قال انه لا يصلح لأكثر من كلام الاغاني الساذج الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟ بوسع القلب ان يكون ايضاً عضواً مادياً. لكنها، في المحصلة، ثقافة القوة تلك التي باتت تقوم عليها برامج "المنوعات" التي تحتل شاشات تلفزتنا العربية. كي تستقبلك "الكرسي"" عليك ان تحمل قلباً جامداً. كي "تربح المليون" عليك أن تحمل ذاكرة تنكش المعلومات بسرعة "حفّار القبور"، وبديهة تتنطط برشاقة كنغار برّي مسّه جنون. وأن يكون لك أصدقاء خبراء حاضرون على "أم بي سي" برنامج يعلّق الاوسمة على صدر أكثر المتسابقين كذباً. فحولة الكذب باتت تجازى بالعملة الصعبة. منذ فترة كان هناك من يحرضك على ان تكون الأشد "طمعاً" مع مارسيل غانم في GREED المؤسسة اللبنانية للارسال. اليوم، لن "تحلّها وتحتلها" الا ان كان لك زندان مفتولان ولم يكن لديك أي استعداد فطري للاصابة بأي "فتاق" فجائي قد يداهمك وأنت معلّق في حلقة الحديد المثبتة في سقف القلعة. لك الجحيم وقسوة ريتا خوري ان كنت "الحلقة الأضعف". شاشاتنا لا تعترف بالاضعف، بالهامشي ولا "المعقول". شاشاتنا.. للأقوياء فقط!