بعد "الموجة الهائلة" من "برامج المعرفة" التي تعتمد الربح المادي أساساً والتي ضربت شاشاتنا اللبنانية، بدأت هذه الموجة أخيراً بالأفول وأخذت برامجها تتوقف الواحد تلو الآخر، إذ سرعان ما انطفأ وهجها وراحت اعداد جمهورها تتضاءل يوماً بعد يوم على رغم إقباله الكبير في بادئ الأمر، لكنه ما لبث ان سئم منها فهجرها من دون تردد. ولو قمنا اليوم بجولة على التلفزيونات اللبنانية لتبين لنا ان معظم البرامج التي جاءت كرد فعل على نجاح برنامج "من سيربح المليون؟" أضحت من الماضي. ويلاحظ المراقبون سقوط البرنامج تلو البرنامج بالسرعة نفسها التي ظهرت فيها، فالنتيجة لم تكن على مستوى الآمال وكان لا بدّ من اتخاذ قرار ايقافها. أما بالنسبة الى "من سيربح المليون" وعلى رغم استمراريته، فإن ذلك لا يعني محافظته على النجاح نفسه الذي حصده في بدايات عرضه. إذ ان "الإرهاق" الذي سببته برامج المسابقات بفعل كثافتها، ترك آثارها السلبية على البرنامج الذي كان احتلّ المرتبة الأولى على الشاشات الصغيرة وشكّل منعطفاً مهماً في توجه المحطات، بعد ان بات الحدث والحديث في المجالس والمجتمعات العربية. اختلاط إن اختلاط الحابل بالنابل والروتين الذي أحدثه تراكم هذه البرامج أديا الى ابتعاد المشاهد عنها مع الوقت، فسقطت مراهنات كل من خُيّل إليه يوماً ان الإدمان على برامج المسابقات سيصعب معالجته في ما بعد. وهكذا بعد ان أصبح التنافس على أشدّه في مرحلة لاحقة بين برامج المسابقات، وحتى داخل المحطة التلفزيونية الواحدة تحت راية مواكبة الموجة السائدة، تداركت هذه المحطات شيئاً فشيئاً الوضع، فتمّ ما كان في الحسبان وتوقفت معظم هذه البرامج. أولى المحطات التلفزيونية التي تداركت الأمر هي MTV التي تنبهت لضرورة ايقاف "لمين الملايين" الذي يقدمه سيرج زرقا. فالبرنامج، وعلى رغم كونه نسخة مشابهة لبرنامج "من سيربح المليون" بقي خارج دائرة المنافسة مع برنامج جورج قرداحي لأسباب عدة أبرزها الإنتاج الضخم الموضوع في خدمة "من سيربح المليون" فضلاً عن حصر المشتركين في برنامج الMTV باللبنانيين ما أفقده عنصر الانتشار. ولئلا يبقى البرنامج كمن يدور في حلقة مفرغة جاءت فكرة تحويله الى برنامج للأطفال. وهكذا أبصر النور "لمين الملايين جونيور" من تقديم كارول صقر وإعداد ميشال نجيم واخراج كميل طانيوس. وعن فكرة تحوّل "لمين الملايين" الى "لمين الملايين جونيور" يجيب القيمون عليه: "كان لا بدّ من ايقاف "لمين الملايين" وايجاد فكرة جديدة خصوصاً بعد تكاثر برامج الألعاب في شكل كبير على الفضائيات العربية، وهكذا بعد نجاح التجربة في ايطاليا من خلال حلقات خصصت للأطفال، وبما ان البرامج التي تهم هذه الفئة من الأعمار غير موجودة، برزت الفكرة". فشل وانسحاب من جهتها سارت LBC على خطى زميلتها MTV بعد فترة من الوقت، فكانت ثاني المحطات التلفزيونية التي تداركت فشل التجربة والتسرع في ايجاد برنامج منافس "ل"من سيربح المليون" والدليل ايقاف برنامج Greed بداية و"مين بزيد" لاحقاً. الأمر الذي طرح علامات استفهام عدة. والسبب ان الاجماع الذي رافق ضرورة ايقاف Greed حلّ محله ارباك لجهة ايقاف "مين بزيد"، وبرزت تساؤلات خصوصاً بعد النجاح اللافت الذي حققه برنامج طوني بارود واستقطابه نسبة مهمة من الجمهور. ف"مين بزيد" استطاع ان يضع نفسه بين الكبار على رغم ضآلة إنتاجه وعدم توقع حتى القيمين عليه في بدايات عرضه وصوله الى ما وصل اليه من نجاح وذلك نتيجة لتنفيذه السليم وشخصية مقدمه المرحة، الذي استطاع ادخال فسحة من الفكاهة الى البرنامج من دون الخروج عن الإطار التثقيفي، إضافة الى العفوية والبساطة وسرعة البديهة التي يتمتع بها والتي لا بدّ من ان تتوافر في مقدمي البرامج المباشرة. ويضاف الى ذلك كله فكرة البرنامج الجديدة وغير المسبوقة. وفي هذا الاطار لا بدّ من ان نذكر ان برنامج بارود هو الوحيد الذي جرى تقديمه مباشرة على الهواء وهي نقطة إضافية تسجّل لمصلحته. أما برنامج Greed "يا قاتل يا مقتول" من تقديم مارسيل غانم، فمع أنه خصَّ بموازنة كبيرة لم تتوافر لبرنامج بارود إلا أنه توقف قبله بمدّة، والسبب عدم قدرته على استقطاب النسبة المرتجاة، لا بل لم يستطع حتى الوصول الى ما حققه برنامج "مين بزيد"، وعلى العكس رافقت Greed حملة واسعة من الانتقادات أهمها الانتقاد الموجّه الى مقدم البرنامج مارسيل غانم الذي وإن كان بارعاً في مجال البرامج السياسية، فهو بنظر البعض "أضعف من رصيده بتقديمه برامج الألعاب"، إذ "لم يكن على المستوى المطلوب". فتمنّى له الكثيرون لو بقي في عالم السياسة ولم ينجرّ الى عالم الألعاب والمسابقات، فكان لهم في النهاية ما أرادوه إذ توقف Greed وتوقف غانم معه عن تقديم برامج الألعاب متابعاً تألقه في "كلام الناس"، البرنامج السياسي الذي يقدّمه كل أسبوع. وإضافة الى عدم نجاح غانم في تجربته الجديدة، ينسب الكثيرون فشل البرنامج في شكل عام الى قلة الجوائز المالية المقدمة للفائزين ما أفقد البرنامج أحد عناصر الجذب الأساسية في هذا النوع من البرامج. وهكذا من دون أي سابق إنذار وعلى رغم ان خبر ايقاف البرنامج لم يكن ليفاجئ أحداً نتيجة عدم اجتذابه للمشاهد. توقف Greed ولحقه "مين بزيد" فتوقفت برامج الألعاب على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال بعد ان تأجل عرض برنامج "المميزون" الذي يصور حالياً ويعدّه رمزي نجار، أما التقديم فرسا أخيراً على كاتيا خوري مندلق بوجود لجنة تحكيم من أهل الاختصاص عن كل فئة يتقدم إليها المشترك. وبانتظار دورة البرامج الجديدة تخلو الساحة في LBC من برامج المسابقات بعد ان تبين أنها لم تعد عملة تلفزيونية رابحة. تخمة زائدة أما تلفزيون المستقبل الذي كان سباقاً في عرض "من سيربح المليون" بالتعاون مع MBC، فقد واكب بدوره هذه الظاهرة من خلال انتاج برنامجي: "الحلقة الأضعف" و"الفخ". فوقع بدوره في فخ المبالغة بتكثيف هذا النوع من البرامج حيث لا يمرّ يوم في الاسبوع من دون عرض أحدها. وهذه البرامج وإن كانت مختلفة في الشكل والأداء إلا ان تخمتها أضرّت بها ولم تخدمها إطلاقاً. ولا يتوقف الأمر هنا على تكثيف برامج المسابقات بل يتعداه الى تكثيف حلقات البرنامج الواحد. فبرنامج ابراهيم أبو جودة مثلاً وإن كان عرضه اليومي من صلب رؤية البرنامج كما يقول صاحبه "كونه جاء ليأخذ مكان المسلسلات الدرامية بالتوقيت الذي يعرض فيه والتشويق الذي يستتبعه والذي يحث المشاهد على متابعة الجولة الى النهاية". إلا ان البعض رأى في تكرار ظهور المشتركين أنفسهم أياماً عدة، نقطة ضعف تسجّل على البرنامج، ما أدخل المشاهد والبرنامج في دوامة الروتين. وينطبق الأمر نفسه على برنامج "الحلقة الأضعف" من تقديم ريتا خوري والذي قابلته عاصفة كبيرة من الانتقادات مع بدء عرضه نتيجة الأسلوب "الفظ" المعتمد في التقديم، والغريب عن عاداتنا الشرقية في ادارة الحلقات. ولعلّ هذا الأسلوب نفسه كان الدافع الأساس في تحريك حشرية المشاهد وحثّه على متابعة البرنامج في حلقاته الأولى، إلا ان التكرار واستهلاك الألفاظ والتعابير نفسها أدخلا البرنامج في حلقة مفرغة، فغاب الخلق والتطور وأضحت الحلقات تستنسخ نفسها. وحده New TV سار عكس التيار فلم يعمه التسرع في ضرورة ايجاد برنامج يواكب الموجة السائدة. وحول هذا الأمر يجيب القيمون على المحطة: "كان لا بدّ من أخذ الوقت الكافي لدرس البرنامج بكل تفاصيله، وهكذا حصل إذ لم نتسرع في استقدام أي برنامج ألعاب يعرض علينا لمجرد مواكبة ما يحدث، بل على العكس أخذنا وقتنا ما فيه الكفاية ولذلك نعد المشاهدين ببرنامج ألعاب مميز يبدأ عرضه في شهر تشرين الأول أكتوبر المقبل". بذلك نرى انقسام برامج الألعاب الى قسمين: من الذي توقف في شكل دائم الى الذي يأخذ فترة استراحة ليعود من جديد بحلّة متطورة. والمؤكد في كل ذلك ان برامج الألعاب المعدّة لدورة البرامج الجديدة تسير بخطى ثابتة مستفيدة من التجربة السابقة. وعلى هذا، حسناً فعلت محطاتنا التلفزيونية في ايقافها بعض برامج الألعاب إذ ان البناء على نجاح تجربة معينة وتعميمها من دون التأكد من أسباب النجاح، لا بدّ من ان يدخلنا في معمعة الروتين والتقليد، فكل ما زاد بالمعنى نقص.