تفتح الشابة المغربية فاطمة باب غرفة قيادة مترو الأنفاق لتتأكد من ان جميع الركاب المتجهين الى ضواحي الخط الأخضر في العاصمة السويدية استوكهولم صعدوا الى العربات، ثم تنذر عبر مكبر الصوت ان "ابواب القطار ستغلق" وقبل ان تقود القطار في انفاقه المظلمة يلوح حجاب فاطمة الأبيض في عتمة غرفة القيادة، وبهذا يتأكد الجميع ان من يقود هذا القطار الذي يحمل المئات فتاة مسلمة. تقول فاطمة انها لا تواجه مشكلات كثيرة بسبب الحجاب، "وإنما هناك من يقصد غرفة القيادة ويسألني عن شعوري كشابة مسلمة تقود قطاراً في استوكهولم؟ فيكون جوابي دائماً انني مسلمة سويدية ولدت وترعرعت في السويد والحجاب جزء من هويتي الدينية وأرتاح بارتدائه". اثيرت قضية الحجاب في السويد في السنوات العشر الأخيرة، بخاصة من منظمات نسائية ومعظمها ينتمي الى تيارات يسارية والقاسم المشترك بينها انها ليست سويدية بل تتوزع بين ايرانية وكردية. نجحت تلك الجمعيات بتكريس معادلة تفيد ان "الحجاب رمز لاضطهاد المرأة" ولكن هذا الرأي بقي رأياً خاصاً بها ولم تتمكن من تعميمه على الشارع السويدي الشعبي بقناعة تامة. فالمواطن السويدي يحب بطبعه الاطلاع على قضايا الأديان والحضارات. وأساليب محاربة تلك المنظمات الأجنبية ظاهرة الحجاب في السويد قاسية وعنيفة ما يجعل غالبية المواطنين السويديين يتساءلون عما اذا كانت تلك طريقة صحيحة لإقناع مناصري ارتداء الحجاب بالعدول عنه. وتتبع تلك المنظمات اساليب تحقيرية منها حرق الحجاب في الساحات العامة في مناسبات مختلفة اهمها عيد العمال في الأول من ايار مايو او يوم المرأة العالمي في الثامن من نيسان ابريل. وفي الفترة الأخيرة اخذت تلك الأساليب تستغل جرائم تسمى "جرائم الشرف" لارتباطها بالثقافة الإسلامية والحجاب لإقناع المجتمع السويدي بأن الحجاب من الأسباب الرئيسة ل"احتقار" المرأة و"استعبادها". وفي الثامن من نيسان الماضي اثارت بعض النساء الكرديات والإيرانيات المنتميات الى جمعيات نسائية قضية مقتل الشابة الكردية فاطمة شاهندال التي قيل أن والدها قتلها لإقامتها علاقة "غرامية مع شاب غير كردي"، ورفعت الجمعيات شعارات تلقي اللوم على الحجاب والإسلام لمقتل تلك الشابة الكردية، وبعد إحراق الحجاب قامت ناشطة بحلق شعرها كلياً. والجدير ذكره ان الشابة شاهندال لم تكن محجبة ولم تجبرها عائلتها على ارتداء الحجاب كما لها اخوات غير محجبات، اضافة الى ان الفتيات اللواتي قتلن في السويد بذريعة الشرف لم يكنّ يرتدين الحجاب يوماً. ولكن بعض علماء الاجتماع الذين ناقشوا قضية الحجاب واحتجاجات المنظمات الأجنبية غير السويدية عليه يعزون السبب الى ان اولئك النسوة ربما عشن في مجتمعات تحتقرهن لانفتاحهن غير المقبول. ولكن على رغم تلك الاحتجاجات ومحاولة فرض قانون يمنع ارتداء الحجاب في اماكن العمل والمدارس تسلك السويد الطريق المعاكس لمطالب تلك الجمعيات الأجنبية. وأثيرت اخيراً قضية الحجاب في التلفزيون السويدي شبه الرسمي عندما كانت شابة فلسطينية تتدرب للظهور في احد البرامج التلفزيونية وهي ترتدي الحجاب فحاول القيمون على برنامج موزاييك وهو برنامج للأجانب ويشرف عليه اجانب منع تلك الفتاة من الظهور على الشاشة بحجابها فأثير النقاش واحتجت جهات ثقافية وإعلامية سويدية على منع الفتاة من الظهور بحجابها ما دفع المديرة العامة للتلفزيون السويدي الى اتخاذ قرار رسمي بالسماح للمحجبات بالظهور على الشاشة في البرامج التلفزيونية كافة باستثناء برامج الأخبار. وبعد اثارة ذلك الموضوع ارتفع عدد الشكاوى المرفوعة الى الهيئة الحكومية لمكافحة التمييز العنصري من مسلمات يرتدين الحجاب ويشعرن بالعنصرية بسببه. ومن الواضح ان السويد التي اقرت اخيراً بأن الإسلام هو ثاني اكبر دين فيها بعد المسيحية تسير بعزم نحو الانفتاح المستمر على الإسلام والمسلمين لخلق مناخ متجانس في المجتمع لمكافحة العنصرية ضد الحجاب والتي غالباً ما تأتي من منظمات اجنبية وغير سويدية. تجلس الشابة المغربية - السويدية فاطمة على مقعد القيادة في غرفة قطار الأنفاق وتغلق بابها مطمئنة الى ان الركاب اخذوا اماكنهم وأن حجابها اصبح اكثر شرعية في السويد التي تضم نحو 300 ألف مسلم سويدي من بينهم الكثير من المحجبات اللواتي يعملن في مصلحة النقل المشترك والمستشفيات والمكتبات العامة والمحال وبهذا تطمئن فاطمة الى ان السويدي لن يرشقها بالبيض بسبب حجابها مع انها تخشى العنصرية اسوة بغيرها.