تشهد الاوساط الاقتصادية في مصر جدلاً ساخناً جداً هو الاول من نوعه منذ عقود في انتظار اقرار رئيس الجمهورية قانون البنوك الجديد الذي سيلغي العمل بقانون سابق صدر عام 1957. وكان البرلمان احدى الجهات الرئيسية التي تلقت قسطاً كبيراً من الانتقادات، كون القانون سيخرج بصورته النهائية من البرلمان ليعرض على مجلس الوزراء تمهيداً لاقراره نهائياً من رئيس الجمهورية، اذ ترسخ في أذهان البعض خطأً ان البرلمان سيُقر القانون من دون النظر بجدية الى بنوده. "الحياة" التقت رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان سعيد الألفي ليلقي الضوء على القانون وخصوصاً على المواد المثيرة للجدل مثل المادة الرقم 133 والرقم 111 وهما معنيتان بالتصالح مع المتعثرين الفارين وما يتعلق بتوريد نسبة من حصيلة النقد الاجنبي للبنوك. وفي ما يأتي نص اللقاء: ما موقف اللجنة الاقتصادية من الجدل الدائر حالياً في شأن قانون البنوك الجديد؟ - انا لم اصرح بشيء وما يُنقل على لساني نحن مسؤولون عنه وما يكتب ويُقال في وسائل الاعلام مسؤولية آخرين وأنا لست مسؤولاً عن وجهة نظر غيري. المادة 133 من القانون هزت الاوساط الاقتصادية، ماذا تم في شأنها؟ - هذه المادة خاصة بالتصالح في قضايا البنوك وهو عرف قائم في العالم نسعى الى تطبيقه في مصر على قدر المستطاع لمصلحة الاقتصاد والمتعثر والبنك عموماً، لايماننا بأن المتعثر نوعان، الاول خارج ارادته والثاني بسبب فشل ادارته، وغالبية المتعثرين من النوع الاول ومن هنا بدأنا الحديث عن مبدأ التصالح. والفقرة القائمة في القانون لا تتصالح مع المخطئ بقصد، بل اقترحنا على العميل المتعثر والبنك في آن التصالح وما يتفق عليه يتم تنفيذه وتُحسم المشاكل. هكذا تقول الفقرة، ما يعني أنها ليست ملزمة لبنك ان يتصالح مع العميل والعكس، وكما قلت ذلك عرف عالمي. ما مدى التغيير من تطبيق القانون الجديد عما كان سابقاً؟ - إحقاقاً للحق، في السابق كان النظام في البلاد هو بنوك عامة ومشتركة تُقرض شركات قطاع عام، ما يعني ان العلاقة المشتركة كانت محددة ولم تكن هناك المشاكل الخاصة بالعميل والمتعثر، اما القانون الراهن فهو يخلق فكراً جديداً في مجال ومناخ جديدين. وقد يكون الرأي العام متأثراً بالفارين من دون سداد ما عليهم لكن حينما تضع قانوناً جاداً وحاسماً ينبغي ان تخرج من سيطرة أي تأثير لحظي او وقتي في هذا الموضوع، والنظر الى مستقبل القطاع المصرفي في ظل تنفيذ القانون. ثم أن القانون السابق وضع عام 1957 وحان الوقت لتجديده لمواكبة التطورات العالمية والاقتصادية، فالبنوك هي العمود الفقري لأي بلد، والقانون الجديد نظم العلاقة بين البنوك والبنك المركزي من جهة وبين المنشآت والبنوك من جهة اخرى. ذلك يعني ان الجدل القائم في شأن المادة 133 هو من دون اساس؟ - انا استغرب ذلك، الجدل كان بسبب سوء فهم المادة المذكورة التي تخضع طبيعياً للحوار قبل اقرارها، وللاسف روج البعض ان البنوك في ظل القانون الجديد تسهِّل للمتعثرين في الداخل الهروب واطلاق عنان الفارين في الخارج وبالتالي ضرب القطاع المصرفي. ما يتردد غير صحيح بالمرة، نحن نطلب توفيق اوضاع المتعثر والبنك بارادتهما من دون الزام. واتساءل: إذا كان البنك يرغب في التصالح مع عميله، لماذا اقف حجر عثرة لعدم تحقيق ذلك؟ البنك يعرف مصلحته اكثر من الاخرين طالما لا تُمس حقوق المودعين، وهذا ما يتضمنه القانون. هل البنوك آمنة في البلاد؟ - تماماً ومن دون شك، حجم الودائع في البلاد نحو 380 بليون جنيه. وإجمالي حجم التعثر 15 بليون جنيه ولو تم بيع اصول المتعثرين يبقى حجم التعثر عند ستة بلايين فقط بنسبة لا تتجاوز اثنين في المئة من حجم الودائع. حصيلة النقد الاجنبي المادة الرقم 111 وما تردد عن إتاحة القانون الفرصة لسيطرة حكومية عليها، ما هو تعليقك؟ - هذا بند ايضاً اثار الجدل. لا شك ان حصيلة النقد الاجنبي حرة تماماً، وعندما يتعلق الامر بتحصيل نسبة من الصادرات بالنقد الاجنبي وتدخل عن طريق الجهاز المصرفي فهذا طبيعي، فتلك سلع وخدمات خارجة من مصر والذي يبيعها يحصل على النقد الاجنبي الخاص بها من البنك، أنت مُصدّر وهناك مواد خام تستوردها وتقترض من البنك للحصول عليها وعند رجوعها تورِّد جزء منها العملة الاجنبية للبنك مقابل الجنيه المصري وبقية النسبة توضع في البنك باسم المصدِّر بالعملة الاجنبية. ما هو نص المادة في صيغتها النهائية؟ - هي تنص على أن يحق لكل شخص طبيعي او اعتباري الاحتفاظ بكل ما يؤول اليه او يملكه او يحوذه من نقد اجنبي، وله الحق في القيام بأي عملية من عمليات النقد الاجنبي بما في ذلك التحويل للداخل والخارج والتعامل داخلياً، على ان تتم هذه العمليات عن طريق البنك المعتمد للتعامل بالنقد الاجنبي تجنباً لعمليات غسل الاموال. ويحق للشخص الطبيعي او الاعتباري ايضاً التعامل في النقد الاجنبي عن طريق الجهات المرخص لها بهذا التعامل طبقاً لاحكام القانون ووفقاً لما تبنته اللائحة التنفيذية شركات الصرافة والتمويل العقاري وشركات التمويل التأجيري. ويُنشأ في المركزي سجل لقيد هذه الجهات وتُبين اللائحة كيفية عمل السجل. ويكون التعامل داخل البلاد شراء او بيعاً في مجال السلع والخدمات بالجنيه المصري، ما لا ينص على خلاف ذلك في اتفاقية دولية او في قانون آخر او في اللائحة التنفيذية لهذا القانون واللائحة تضم بنوداً عدة مثل السفارات وشركات تتعاطى بالدولار. وهناك فقرة في المادة 112 تقول انه يصدُر بالقواعد والاسس المتعلقة بسوق النقد الاجنبي عرضاً وطلباً قرار من رئيس الوزراء بناء على اقتراح من مجلس ادارة المركزي ويحدد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الاجنبية بتفاعل قوى العرض في سوق النقد الاجنبي في ضوء القواعد والاسس المشار اليها، واعتقد أن تلك المواد بعد مناقشتها نهائياً، ستلبي حاجة القطاع وتحسم الجدل الدائر. ألست معي أن ذلك قد يُقوض فرص جذب الاستثمارات الاجنبية؟ - لا… هو يشجع جذب الاستثمارات ونحن حريصون على جذب البلاد الاستثمارات الاجنبية وتشجيع التصدير لزيادة الدخول وبالتالي لا تتعارض هذه المواد مع ما في الداخل والخارج. البعض يرى ان القانون، نظراً لخطورته على الاقتصاد القومي، كان لزاماً مناقشته على نطاق اوسع قبل مناقشته في البرلمان، ما تعليقك؟ - لا ينبغي السير وراء ما تكتبه الصحف. هذا القانون هو تحت الإعداد لمدة عامين وعُرض على اللجنة الاقتصادية في الحزب الحاكم، اتحاد البنوك، البنك الدولي، جميع الوزارات المعنية والبنك المركزي، اتحادات الغرف، الشعب المصرفية في الغرف، شركات الصرافة، ثم عُرض على مجلس الدولة بعد مناقشة تلك الجهات، ونظراً لأهمية القانون تحدَّث كل الاعضاء في البرلمان لإبداء وجهة النظر وتلقيت تعليقات على القانون من غالبية المؤسسات وعقدنا 13 جلسة في اللجنة الاقتصادية فقط في إطار مناقشات طوال اليوم، وعندما تمت مناقشته في المجلس أبدى الجميع اقتراحات بتعديلات، ولا اعتقد ان هناك قانوناً يضم 135 مادة اعتمدت ونوقشت مثل ما نوقش هذا القانون نظراً لخطورته. هل أنت راض عن الصيغة النهائية للقانون؟ - القانون يخضع لرأي الغالبية وليس لفرد مهما كان موقعه، وكثيرون من اعضاء اللجنة الاقتصادية تقدموا بتعديلات لم يأخذ بها المجلس على رغم قناعتي بهذه التعديلات. لكن عندما يصدر القانون احترمه فهو رأي الغالبية التي اتفق معها. هل هناك مواد بارزة تقدمت بها ولم يؤخذ بها؟ - نعم، اللجنة الاقتصادية تقدمت بتعديلات عدة ولم يؤخذ ببعضها. تردد ان هناك تناغماً بين الحكومة والبرلمان لإقرار قانون البنوك الجديد لتحقيق مصلحة اشخاص متعثرين بعينهم؟ - اطلاقاً… وأتحدى أي شخص في ذلك، وأؤكد انه لا مصلحة لفئة من دون اخرى. القانون لمصلحة مجتمع بكامله، وهو اكتمل نهائياً الاربعاء الماضي وسيقرّه رئيس الجمهورية قريباً. هل عالج القانون الاخطاء السابقة؟ - هو يواكب تطورات العصر في العمليات البنكية ويعالج غالبية الثغرات، لكن يمكنني القول أن ما حدث في السابق سُلط الضوء عليه اكثر مما ينبغي واعتقد أن الادارة المصرفية تغيَّر غالبيتها سيكون عليها عبء كبير جداً في الفترة المقبلة، إذ أن علاج الافراد من دون قانون مُنصف لا جدوى منه والعكس. ما ابرز هذه الثغرات؟ - طالبنا بتطوير العلاقات بين البنك والعميل، الشفافية المطلقة في التعاملات البنكية والرقابة الصارمة للمركزي على العمليات المصرفية، تطوير العقوبات التي زادت بصورة لافتة وتم تغليظها، اضافة الى تطوير العقوبات المالية التى زادت مثلاً من 500 الى عشرة آلاف جنيه وحد اقصى 50 الف جنيه. هل جمع القانون الجديد القوانين السابقة؟ بمعنى هل سيلغي التضارب السابق بين جهات عدة؟ - نعم، فهو جامع لقوانين عدة مثل قانون المركزي، قانون النقد الاجنبي، وألغى بنوداً كانت معمولاً بها سابقاً مثل ملكية البنوك العائلية، فيما تم رفع رأسمال البنك الى 500 مليون جنيه، فروع البنوك الاجنبية الى 50 مليون دولار وشركات الصرافة الى حد ادنى مقداره 10 ملايين جنيه. بالنسبة لشركات الصرافة، كيف ترى وضعها في اطار القانون الجديد؟ - شركات الصرافة برأسمالها المدفوع 10 ملايين جنيه ستحجّم في العدد وسيُضفى عليها طابع من الجدية. الا تعتقد أن 10 ملايين جنيه كرأسمال لتأسيس شركة صرافة مبالغ فيه؟ - لا أعتقد ذلك، هناك شركات عدة وفَّقت اوضاعها في إطار القانون الجديد وستحسم الاوضاع للافضل، فرأس مال في السابق كان 20 مليون والعقوبة غرامة بمقدار ربع رأس المال وبات رأس المال حالياً 10 ملايين والعقوبة حد أقصى نصف مليون جنيه وهذا ثمرة المناقشات التي تم الأخذ بها. هل وجهة نظرك الشخصية تتفق مع وجهة النظر القانونية بالنسبة للقانون؟ - بالتأكيد، أنا مع القانون قلباً وقالباً. فيما يتعلق بغسيل الاموال كيف تم معالجة هذه الفقرة؟ - العالم حالياً يخضع للعمل باتفاقية بازل واتفاقية التجارة العالمية وسيخضع لقواعدهما وبالتالي يأتي غسيل الاموال بما يتفق مع المعمول به في العالم.