استيقظ العالمين العربي والإسلامي فجر الثلثاء الماضي على وقع الانفجارات التي هزت المملكة العربية السعودية وأوقعت عشرات القتلى والجرحى الأبرياء، بينهم كثرة من المسلمين. لست في صدد مناقشة الهدف أو الغاية التي تقف وراء مثل هذه العمليات. فما لهدف مهما سما، وما لغاية مهما ترفعت، أن يبررا قتل الأبرياء وترويعهم. بل أود في هذه القصارة التطرق الى ظاهرة استخدام العنف كوسيلة لتحقيق الدور الذي يلعبه بعض العلماء ورجال الدين المسلمين عبر شاشات الفضائيات، ومواقع "الانترنت"، ويغسلون أدمغة الشباب المسلم ويحشونها بتفسيرات وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان. هؤلاء العلماء ورجال الدين يسهمون، من حيث يدرون ولا أريد أن أكمل وأقول من حيث لا يدرون، في تخريب المجتمع الإسلامي من الداخل، وزرع بذور انهياره في جوفه، بواسطة تفسيراتهم الخاطئة والمخطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وتصويرها على أنها تشرع، لا بل تشجع على قتل النفس، وقتل الآخرين، ويعدون المنفذين بما لا يحصى من المزايا في العالم الآخر، ويتلاعبون بالألفاظ ويستغلون الحس الديني والإيماني العميق لدى الشباب. وها هي تفجيرات الرياض الأخيرة تأتي لكي توضح، بشكل لا يقبل اللبس ولا لتأويل، المخاطر التي تتهدد المجتمعين العربي والإسلامي جراء تبني الشباب المسلم الأفكار المشوهة. فهلا يتكرم أحد هؤلاء، ويتحلى بالشجاعة، ويقف أمام ملايين المسلمين في أصقاع العالم، ويشرح لنا كيف يتيح الشرع والدين قتل مسلمين أبرياء لنفسهم، ولغيرهم، تحت شعار قتال الكافرين؟ إن المجتمعين العربي والإسلامي يملكان الآن، ربما الفرصة الأخيرة، لكي يستيقظا من هذا الكابوس المريع، الذي يتمثل بشخصيات من أمثال أسامة بن لادن، تفسر القرآن والسنّة على هواها، وتبذر الملايين من أجل دفع شباب غر لقتل نفسه، وقتل الآخرين، وضرب اللحمة العربية والإسلامية، في إطار سياسة خرقاء عمياء تتبنى الفوضى والتخريب والقتل والعنف كمثل أعلى، متجاهلة أن الدولة الإسلامية، عبر التاريخ، ما تدهورت وتفككت وحصل لها ما حصل إلا جراء دعوات فوضوية غير مسؤولة على هذا النحو. عود على بدء، فإنه يتوجب علينا نحن العرب والمسلمين أن نفتح عيوننا وعقولنا، ونرى ونعي ماذا يدور من حولنا، وندرك حتمية استئصال شأفة التطرف والغلواء، ونبذ الأفكار المتطرفة التي تتبنى العنف كوسيلة لتحقيق الهدف، وأن نعمل بكل ما نملك لكي نمنع استغلال سذاجة الشباب واندفاعهم من جانب أولئك الذين يدسون السم في الدسم بغية تحويل أجساد الشباب الغضة الى قنابل بشرية. إن ما جرى في الحادي عشر من أيلول سبتمبر في أميركا، وما تلاه من سقوط نظامي طالبان وصدام، والتفجيرات الأخيرة في الرياض، تفرض علينا، كعرب وكمسلمين وكمثقفين وكعلماء، كل في مجاله، العمل على نبذ مبدأ استخدام العنف كوسيلة، وابراز حقيقة كون الشريعة الإسلامية شريعة الحضارة والرحمة والهدى والتسامح، اقتداء بقوله تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" صدق الله العظيم. شتوتغارت - د. كمال أحمد عبدالباقي دكتوراه في التاريخ الإسلامي