ظاهرياً لا توجد علاقة بين قمة بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة ب"حوار 5"5" والتي تستضيفها تونس نهاية السنة الجارية وزيارة كل من وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر والرئيس التركي احمد نجدت سيزر لتونس اخيراً. لكن كلاً من فيشر وسيزر أشارا في تصريحاتهما الى القمة المرتقبة بوصفها رافداً لتنشيط مسار برشلونة الاورومتوسطي، وشجعا على المضي في هذا المسعى. ومن هذه الزاوية يمكن النظر الى الجهود المبذولة لتطوير "حوار 5"5" على انها محاولة للالتفاف على العثرات المتكررة للمسار الاورومتوسطي الذي كان مرآة انعكست فيها تجاذبات الصراع العربي - الاسرائيلي، مما أدى الى تفجير اطار الحوار السياسي في ندوات وزارية عدة، بينها فاليتا العام 1997، ومرسيليا العام 2000 وفالنسيا اسبانيا العام الماضي. ومن اهم عناصر القوة في "حوار 5"5" كونه يضم بلدانا متجانسة نسبياً، ليس بينها صراع طويل وشائك من نوع الحروب التي اندلعت بين اسرائيل والبلدان العربية. ولكن تفجر قضية "لوكربي" وفرض عقوبات دولية على ليبيا العام 1992 سدد ضربة قوية لمسار الحوار الذي انطلق من روما العام 1990 على مستوى وزراء الخارجية. ولم تتسن معاودته سوى بعد تعليق تلك العقوبات في نهاية التسعينات، اذ عقد وزراء الخارجية اجتماعات دورية للبحث في تطوير التنسيق والتعاون في المسائل المشتركة، وفي مقدمها الهجرة غير المشروعة ومكافحة الارهاب وتكثيف التعاون الاقتصادي الاقليمي. الا ان الحملة الاميركية الاخيرة على العراق القت مجدداً موجة من البرود على العلاقات بين بلدان الضفتين بسبب معارضة البلدان المغاربية للحرب، فيما ساندها كل من اسبانياوايطاليا والبرتغال. رئاسة ايطالية مع ذلك تقول مصادر مطلعة ان العلاقات بين العواصم الثلاث والبلدان المغاربية عادت الى مجاريها واستؤنف البحث في استكمال الاستعدادات لقمة "5"5". وفي هذا الاطار حظي موضوع القمة بقسم معهم من المحادثات التي اجراها اخيراً وزير الخارجية التونسي حبيب بن يحيى في مدريد مع نظيرته آنا بلاسيو ورئيس الحكومة خوسيه ماريا اثنار. ويعلق التونسيون آمالاً كبيرة على تولي ايطاليا رئاسة الاتحاد الاوروبي اعتباراً من مطلع تموز يوليو المقبل، كونه سيساعد في اعطاء دفعة اوروبية للجهود التي يبذلونها لعقد "5"5". كذلك افادت مصادر مطلعة ان تونس تنسق مع باريس في الاتجاه نفسه خصوصاً بعدما استضافت مدينة سان مكسيم الفرنسية الشهر الماضي اجتماعاً لوزراء خارجية بلدان مجموعة "5"5". وكان وزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية رينو موسيليي اكد خلال زيارته الاخيرة لتونس ان حكومته تجري مشاروات مع شركائها الاوروبيين وكذلك مع العواصم المغاربية تهدف الى تنشيط الشراكة الاورومتوسطية والاعداد لقمة "5"5". ويقول الفرنسيون انهم جعلوا من العلاقات مع البلدان المغاربية احدى الأولويات المهمة في سياستهم الخارجية. وفي هذا الاطار زار الرئيس شيراك الجزائر، وهو يعد لزيارة كل من تونس والمغرب قبل نهاية العام الجاري. الا ان المصاعب في طريق قمة بلدان الحوض الغربي للمتوسط تأتي اساساً من الخلافات المغاربية - المغاربية التي شلت الاتحاد المغاربي منذ ثمانية اعوام. ويبدو ان المشاكل المطروحة بين الجانبين الاوروبي والمغاربي، وفي مقدمها مكافحة الهجرة غير المشروعة وتحسين اوضاع المهاجرين القانونيين من ابناء الجاليات المغاربية في كل من اسبانيا وفرنسا وايطاليا، قابلة للتسوية او في الاقل لحلول وسطى وقتية في اطار القمة المرتقبة، على عكس النزاع بين المغرب والجزائر في شأن الصحراء الغربية الذي ما زال يلقي بظلاله الكثيفة على مجموعة "5"5" ويحول دون تكريس علاقات طبيعية بين البلدين، اسوة بالعلاقات القائمة بين البلدان الاوروبية والتي توجد بينها ايضاً خلافات سياسية طفت على السطح لمناسبة الحرب الاخيرة على العراق. اتصالات مغاربية لكن مصادر تونسية اكدت ان اتصالات مكثفة تجري حالياً مع كل من الرباطوالجزائر لفصل موضوع الصحراء عن مسار "5"5". واستدلت في هذا السياق بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى لتونس الشهر الماضي والتي وضع خلالها المسؤولين التونسيين في اجواء زيارتي كل من الوزير الجزائري عبدالعزيز بلخادم والوزيرة الاسبانية آنا بالاسيو للمغرب. كذلك استأثر الاعداد لقمة "5"5" بجانب مهم من محادثات بلخادم الذي زار تونس قبل ايام. ويقول التونسيون انهم ماضون في الاستعدادات للقمة ويشيرون في هذا الاطار الى الاجتماعات الوزارية القطاعية واجتماعات الخبراء التي عقدت في تونس على مدى الشهور الماضية، وأهمها اجتماع وزراء العمل الذي ركز على ايجاد حلول لقضايا الهجرة بالتعاون مع "المنظمة الدولية للهجرة".