تستعد تونس لاستضافة قمة لبلدان الحوض الغربي للمتوسط العشرة بعدما حققت اجتماعات وزراء خارجية المجموعة تقدماً في تجاوز الخلافات السابقة التي حالت دون عقد القمة التي كانت مقررة للعام 1990. ويرجح أن تحسن العلاقات الجزائرية - المغربية سيلعب دوراً كبيراً في تسريع الاستعدادات للقمة ونجاح أعمالها التي ترمي إلى وضع ميثاق للأمن والتعاون بين بلدان ضفتي المتوسط يركز على مكافحة الهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة. تتكثف الاتصالات بين البلدان المغاربية وكل من ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال ومالطا لتحديد تاريخ عقد قمة 5"5 التي ستستضيفها تونس خلال العام الجاري. وأبدى الرئيس زين العابدين بن علي في تصريحات أدلى بها أول من أوس لوكالة "يونايتد برس انترناشيونال"، عن أمله بأن تعطي القمة دفعة جديدة للحوار بين بلدان الضفتين "على أساس مبدأ التضامن الاقليمي بما يساهم في التقليل من الفوارق في مستويات النمو بين هذه البلدان، وبما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة". وكانت البلدان المشاركة في الحوار الذي انطلق في مستوى وزراء الخارجية في ايطاليا العام 1990 اتفقت على عقد اجتماع في مستوى القمة في النصف الأول من العام التالي في تونس بمشاركة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. إلا أن تفجر أزمة طائرة شركة "يوتا" الفرنسية بين ليبيا وفرنسا أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية، وقاد البلدان المعنية إلى تعليق حوار 5"5 أكثر من عشر سنوات. وكانت باريس حمّلت السلطات الليبية مسؤولية تفجير الطائرة الفرنسية فوق صحراء النيجر العام 1989، ما أسفر عن مقتل 171 مسافراً كانوا على متنها. ودان القضاء الفرنسي ستة أشخاص بينهم رئيس جهاز الاستخبارات الليبي السابق عبدالله السنوسي بالضلوع في الحادثة، لكن البلدين تجاوزا تداعيات الأزمة وتبادلا زيارات مسؤولين حكوميين في السنتين الأخيرتين، في مقدمهم وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان الذي زار ليبيا، وأمين وزير الاتصال الخارجي والتعاون الدولي الليبي السيد عبدالرحمن شلقم الذي زار باريس في الخريف الماضي على رأس الوفد الليبي إلى اجتماعات اللجنة المشتركة. ويمكن القول إن تكريس التطبيع الفرنسي - الليبي هو العنصر الحاسم الذي عَبّد الطريق لتنشيط إطار 5"5. أكثر من ذلك، استضافت ليبيا الاجتماع الأخير لوزراء خارجية المجموعة، ما أكد أنه لم يعد هناك أي مانع يتعلق بالمشاركة الليبية الكاملة في قمة يعقدها رؤساء البلدان العشرة. إلا أن مصادر مطلعة أكدت أن شبح الحرب في العراق يلقي بظلال كثيفة على قمة 5"5 التي يرجح ألا يتسنى عقدها سوى في النصف الثاني من العام الجاري. وأوضحت ان اندلاع الحرب سيعقد الأوضاع الاقليمية ويرجئ القمة إلى الخريف المقبل، أما في حال لم تنشب حرب، فإنها ستعقد في وقت أبكر. ويعتبر الشلل الذي أصاب الاتحاد المغاربي عنصراً سلبياً ساهم في تعقيد الاستعدادات لقمة 5"5 كون الجانب المغاربي لا يستطيع تنسيق مواقفه وطرح رؤية مشتركة للملفات المعروضة على جدول الأعمال، وفي مقدمها موضوع مكافحة الهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة والتي يوليها الأوروبيون أهمية كبيرة. كذلك يحتاج المغاربيون إلى بلورة رؤية مشتركة من فكرة وضع معاهدة للأمن والتعاون في الحوض الغربي للمتوسط على غرار معاهدة الأمن والتعاون الأوروبية. ويعتقد أن الانفراج المسجل أخيراً في العلاقات الجزائرية - المغربية ومباشرة الإعداد لقمة بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والملك محمد السادس لكسر جليد القطيعة القائمة بين البلدين منذ العام 1995، سيسهلان جلوس بلدان الاتحاد المغاربي إلى مائدة واحدة لصوغ موقف مشترك من المسائل المعروضة على قمة 5"5. ورأى مراقبون أن نجاح الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية المغاربيين في الجزائر مطلع العام يدل على أن الإعداد لقمة تونس الأورو-مغاربية يمكن أن يتم في مستوى وزراء الخارجية من دون الحاجة إلى انتظار عقد القمة المغاربية المرجأة منذ أواسط التسعينات، والتي من المقرر أن تستضيفها الجزائر بوصفها ما زالت ترأس الاتحاد المغاربي. لكن مصادر مطلعة أكدت أن العواصم المعنية تعكف على ازالة العقبات من طريق القمة المغاربية حتى يكون عقدها في النصف الأول من العام الجاري مقدمة لقمة 5"5 المرجح عقدها في النصف الثاني منه. وعبر مسؤولون تونسيون عن تفاؤلهم بفرص عقد القمة في الفترة المقبلة في ضوء نتائج الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية المغاربيين. وقال الرئيس بن علي في تصريحات أدلى بها أخيراً ان الاجتماع "جدد في نفوسنا الأمل بعقد القمة المغاربية خلال السنة الجارية حتى يحقق الاتحاد أهدافه". ورأى أن تكريس انشاء إطار 5"5 سيشكل "إطاراً مرجعياً لترسيخ خيار التعاون الأورو-متوسطي". يذكر ان ثلاثة بلدان مغاربية وقعت اتفاقات شراكة مع الاتحاد الأوروبي هي تونس 1995 والمغرب 1998 والجزائر 2002.