بعد اللقاء الشعري الكبير الذي أقيم في برلين في خريف العام الماضي، وضم كوكبة من الشعراء العرب كان على رأسهم أدونيس ومحمود درويش، نظمت إدارة مهرجانات برلين أخيراً أمسية شعرية عربية ألمانية تحت شعار "اعتراض، ولو خافت"، وأحياها الأديب غونتر غراس مع الشاعرة العراقية أمل الجبوري، وصاحبتهما الفرقة الموسيقية بقيادة عازف العود عمر بشير. وإذا كان غونتر غراس اعترض على الحرب على العراق مراراً وبصوت عالٍ قبل الحرب وأثناءها، فهو شاء أن يعترض في هذه الأمسية شعرياً وبصوت خافت. يقول غراس في قصيدة ألقاها للمرة الأولى في الأمسية العربية الألمانية: "آه يا أوروبا القديمة/ بعد كل هذا الفالس/ وتصدير السلاح/ تتفرجين على ما يحدث/ بأعين دامعة". استهل غراس الأمسية الشعرية بقصائد مترجمة إلى الألمانية من ديوان أمل الجبوري الأخير "99 حجاباً" الصادر عن دار الساقي. ثم غنت اللبنانية جاهدة وهبة بصوتها القوي المعبر قصائد لغونتر غراس بترجمة الجبوري، وشاركها الغناء بالإسبانية المغني الأندلسي "مانشور"، فكانت الموسيقى لقاء بين أنغام العود العربية وإيقاع غيتار الفلامنكو الراقص. ومن القصائد التي غُنيت من أشعار غراس "الفيضان" و"لا تلتفتوا إلى الوراء" و"كان يا ما كان". وألقت الشاعرة العراقية من أشعارها قصيدة نشرتها في العراق عام 1992، وتقول فيها: "ضربٌ من الموت/ أن نرحل/ فيما يبقى كل شيء/ ضربٌ من الموت/ أن تكبر المنافي / تصغر الكلمات/ تكبر الجروح، الحروب والندم/ فيما يذهب كل شيء". ومن أشعار الجبوري غنت جاهدة وهبة قصيدة "بغداد"، التي جاءت ألحانها حزينة رثائية تذكر بصوت فيروز في ترانيم أسبوع الآلام، وفيها تقول: "بغداد، بغداد/ أهلك أحبوك حباً بربرياً/ ولأنك الجلاد والضحية/ أبدلوا موتك برحيل الطغاة/ حتى غدوت للغزاة قريبة/ وللعاشقين بعيدة بعيدة". وبهذه الأبيات تعارض الجبوري أحد أبيات قصيدة غوته "زليخة" في ديوانه المشهور "ديوان الشرق والغرب"، ويقول فيها: "للعاشقين، بغداد ليست بعيدة". وألقى الروائي غونتر غراس - الذي بدأ مسيرته الأدبية شاعراً وما زال يحن إلى الشعر - عدداً من قصائده غير المنشورة، دارت حول الرقص، وهي قصائد تميزت بالإيقاع الموسيقي وبالسخرية التي دفعت الحاضرين في بعض الأحيان إلى القهقهة. أما إلقاؤه فكان متمكناً يعرف كيف يوصل كل كلمة إلى جمهور المستمعين. وما يجدر ذكره أن الشاعرة أمل الجبوري كانت سافرت إلى بغداد بعد سقوطها بأربعة أيام، وهناك صورت فيلماً مع الشاعر جواد الحطب عن نهب الإرث الثقافي في العراق. وسيُعرض الفيلم تحت عنوان "من برلين إلى بغداد" يوم الخميس المقبل 5/6 أمام بوابة عشتار المقامة في متحف "بيرغامون" في قلب برلين.