"في البدء كان الحوار" هو عنوان اللقاء الذي نظمه في صنعاء "مركز الدراسات والبحوث اليمني" مستضيفاً الكاتب الألماني الفائز بجائزة نوبل غونتر غراس. وشارك في المؤتمر كتّاب ألمان وعرب وفي مقدّمهم الشاعران أدونيس ومحمود درويش. أمضى غراس في اليمن أياماً حافلة بالنقاش والنزهات وتعرّف خلالها الى بلاد طالما قرأ عنها. في الخامسة والسبعين من عمره لكنّ حماسة الشباب ما زالت متوقّدة فيه، روحاً وجسداً. تظنّه للوهلة الأولى قاسياً وصارماً، ولكن ما ان تتكلّم معه حتى تكتشف وداعته وطفولته الأبديّة. وجهه قليل التجاعيد وأذناه كأنّهما مكويتان، شعره الأسود يثير الحيرة وشارباه يخطهما بعض البياض ودخان الغليون الذي قلّما يتركه. في عدن رفض غونتر غراس استقلال المارسيدس الحديثة الطراز وأصرّ على أن يركب الباص مع مواطنيه الألمان ورفاقه العرب، يمنيين وعراقيين ولبنانيين... وعندما التقى رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح الذي منحه وسام الثقافة والأدب، أصرّ على إثارة قضية الكاتب وجدي الأهدل الذي منعت الرقابة اليمنية روايته فغادر وطنه خوفاً من المحاكمة وسواها. لم يعنه الوسام الرفيع مقدار ما عنته قضيّة الحرية. وكم أثار أيضاً قضية المعارضة اليمنية وإن كانت تتمتّع بحقها السياسي والمدني وكذلك قضية الكتّاب العراقيين المنفيين. وعندما كان يطمئن الى الأجوبة كانت تعاوده البهجة في بلاد يزورها للمرّة الأولى بعدما قرأ كثيراً عن تاريخها العريق وآثارها وطرازها الهندسيّ الفريد. عندما وصل غونتر غراس الى صنعاء آتياً من حضرموت لم يستطع ان ينسى تلك اللوحات الأثرية البديعة. قال في حفلة الافتتاح انّ روحه ما زالت هناك وسط "ناطحات السحاب" الأولى في التاريخ، المبنية بالأجرّ والطين والحجارة الصخر. ولم يتوان عن القول أنّه شعر أنّ تلك الأرض الآمنة هي أشبه بحضن ابراهيم بحسب الكتاب المقدّس والقرآن. ومن فرط اعجابه بالهندسة التي تتميّز بها البيوت الطين والأزقة والحارات قرّر التبرّع بمبلغ عشرة آلاف يورو لإنشاء مدرسة حرفيّة تعلّم الجيل الجديد مهنة البناء والتزيين على الطريقة القديمة. وفي اللقاء مع رئيس الجمهورية وعد الرئيس بإرساء هذا المشروع وتأسيس هذه المدرسة صوناً للتراث اليمني. لم يبالِ غونتر غراس والوفد الألماني الذي تألّف من كتّاب وصحافيين ألمان بما حذّرتهم منه وزارة الخارجية الألمانية قبيل سفرهم الى اليمن. لم يهمّه الارهاب الأصولي ولا أتباع بن لادن. أصرّ على المجيء الى بلاد قرأ عنها الكثير ورسم لها صورة شبه مطابقة واقعياً - كما عبّر - في مخيّلته الروائية. لكنّه رفض أن يأتي سائحاً عابراً. وخلال جولاته في السيارة أو مشياً على القدمين راح يدوّن في ذاكرته انطباعاته وكانت عيناه مذهولتين دوماً بما يرى. وظلّ يسأل عن الأسرار التي لم يفقه لها حلاً. ومن عدن الساحلية الى حضرموت الأثرية فإلى صنعاءالمدينة القديمة الرابضة على هضبة شاسعة ترتفع نحو ألفي متر عن البحر، اجتاز غونتر غراس عالماً تاريخياً قديماً، بعضه ما زال على قدامته كما لو كان في القرن الميلادي الأول أو ما قبله، وبعضه يذكّر بأيام الإسلام الأولى. وكم كان يحلو لبعض الذين رافقوا غراس في رحلته أو في نزهاته الأثرية أن يشاهدوا المناظر التاريخية من خلال عينيه وعبر اندهاشه الجميل. إلا أنّ الكاتب المتواضع واللطيف، الذي زادته جائزة نوبل 1999 تواضعاً ونبلاً، كان حاداً وجريئاً كلّ الجرأة سواء في الجلسات الرسميّة أم وراء طاولة الحوار الثقافي والحضاري الذي جرى طوال أيام ثلاثة. كانت آراؤه قاطعة وأجوبته واضحة تمام الوضوح. وعرف كيف يدافع عن مواقفه الأصيلة بهدوء وبراعة بغية اقناع الآخرين الذين كان بعضهم "أصوليّ" الثقافة وبعضهم ليبراليّ الانتماء وبعضهم ديموقراطيّ الهويّة أو اشتراكي النزعة. عندما قال غونتر غراس في احدى الجلسات انّه صديق العرب وصديق الاسرائيليين في الوقت نفسه، اعترض بعض المشاركين اليمنيين والعرب واعتبروا أنّ مَن يكون صديق اسرائيل لا يستطيع ان يكون صديق العرب. لكنّ غراس ذكّر الحاضرين أنه كان في طليعة المندّدين بجرائم شارون وسياسته العنيفة وقد طالب اسرائيل مراراً بالتخلّي عن مفهوم الاحتلال وعن خطة الاستيطان وعن العنف الذي يجرّ الى المزيد من العنف. لكنّه قال أيضاً انه ضدّ العمليات الانتحارية الفلسطينية التي تحصد الأبرياء، أطفالاً ونساء ورجالاً. وعندما احتدم السجال أشار غراس الى أنّ الحلّ لن يكون إلا في قيام دولتين: اسرائيلية وفلسطينية، وهذا الحل تقع تبعته على اسرائيل والفلسطينيين معاً. "في البدء كان الحوار" كان عنوان المؤتمر الذي دعا اليه "مركز الدراسات والبحوث اليمني" الذي يترأسه الشاعر والأكاديمي عبدالعزيز المقالح بالتعاون مع "ديوان شرق - غرب" الذي تديره في برلين الشاعرة العراقية أمل الجبوري. وكان ضيف المؤتمر الكاتب غونتر غراس يرافقه وفد من الكتّاب والصحافيين الألمان إضافة الى بعض الكتّاب العرب المقيمين في المانيا ومنهم: نجم والي، سليمان توفيق، فارس يواكيم. أما الكتّاب العرب الذين حضروا للمشاركة في المؤتمر فهم: أدونيس، محمود درويش، عباس بيضون، حاتم الصكر، فخري صالح، صبحي حديدي، علي الشلاه، وكاتب هذه السطور. وغاب عن المؤتمر بعض المدعوّين العرب: جابر عصفور، جمال الغيطاني، كمال أبو ديب، أمجد ناصر وحضرت في اليوم الأخير الروائية المصريّة سلوى بكر. مداخلات حرة لم تخضع جلسات النقاش لمنهج محدّد بل كانت مثاراً لأسئلة عدّة ومداخلات حرّة. وقد افتتحها الشاعر أدونيس مديراً الجلسة الأولى. وجلس هو الى يمين الطاولة ومحمود درويش الى يسارها وفي الوسط غونتر غراس. وكعادته أصاب أدونيس في تحديد مفهوم العلاقة بين الشرق والغرب إذ اعتبر انّ عليها أن تكون ثقافية وبين حضارتين تختلفان اختلافاً طبيعياً مماثلاً للاختلاف بين الأنا والآخر. على أن الاختلاف لا يعني العداء والافتراق بل التحاور والتبادل المعرفيّ. ثمّ تكلّم غونتر غراس ارتجالاً واعتبر أنّه بعد فوزه بجائزة نوبل أضحت لديه مهنة جديدة هي "مهنة نوبل". ودعا الحاضرين الى عدم الاهتمام بالجائزة. وقال: "نحن حين نتحدث عن الأدب فإنما لأنّ الأدب هو الذي يجب الاهتمام به. وقد أصبح اليوم يعاني من الرقابة الكثيرة: رقابة الصحف، رقابة الصناعة الإعلامية، رقابة المؤسسات الدينية، الرقابة السياسية. أما الرقابة الأسوأ فهي رقابة الأدباء لنفسهم. ولعل القائمين على الرقابة هم في معظم الأحيان أناس لا علاقة لهم بالأدب". وأضاف: "إنني أرغب في أن يتحدّث أصدقائي المثقفون العرب عن الرقابة في بلدانهم. فأنا أستطيع أن أتحدّث عن الرقابة في المانيا وتحديداً في العهد النازيّ الذي دام اثنين وعشرين عاماً. وقد هرب حينذاك أدباء كثيرون خوفاً من النازية. وعندما عادوا بعد زوال الحكم النازيّ وجدوا أن الألمان ما عادوا يذكرونهم. حتى أعمالهم زالت في المانيا. وقد أرغم الكثيرون من المثقفين اليهود على هجرة المانيا وهم كانوا ساهموا في بناء الحضارة الألمانية. ولعلّ المانيا النازية ارتكبت جرائم كبرى في قتلها اليهود وفي تهجيرهم وساهمت هكذا في بناء اسرائيل". وقال غراس في كلامه المرتجل: "اعتقد انّ على الكاتب ألا يقف الى جانب المنتصر بل الى جانب الضعيف والمقهور. عليه أن يكون عابراً للحدود وهذه مهنة خطيرة. إنني أعتبر نفسي مواطناً في المانيا أما في الأدب فإنني لا أمالئ أبداً. أصعب أمر يقوم به الكاتب هو أن يمالئ. ومهنة الأدب لا تفرض على أحد أن يلتزم بها، فإذا لم يكن المرء قادراً على الالتزام بها فلينتقل الى مهنة أخرى... ليعمل حلاقاً مثلاً". وعندما انتهى غراس من كلامه المرتجل تحدّث محمود درويش انطلاقاً من بعض الملاحظات التي كان دوّنها، وقد أعاد كتابتها وخصّ "الحياة" بها وننشرها هنا كاملة. ثمّ كانت مداخلات عدّة من الحاضرين، يمنيين وعرباً وألمانيين ودارت في معظمها حول السياسة: القضية الفلسطينية، العنف الاسرائيلي، الانحياز الأميركي... وتوجّه الجميع الى غونتر غراس كونه هو الضيف ومحور اللقاء. وكان عليه أن يجيب بجرأة وعمق وهدوء. ومما قال: "لا أحبّذ الكلام عن صراع بين الحضارات، هناك صراع بين أصوليّتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. وفي المانيا مثلاً ثمة مواجهة بل مقاومة لهذا الصراع وهو قائم بين المحافظين واليساريين". وأشار الى ان الثقافة العربية أثرت في الكثيرين من الغربيين. وقال: "أنا كاتب ربع عربي نظراً الى تأثري ببعض الكتابات العربية القديمة". وعندما احتدم النقاش حول الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي أوضح غراس موقفه قائلاً: "أنا صديق العرب، مثلما أنا صديق الاسرائيليين. لكنني إذ ندّدت بالعمليات الانتحارية التي يقوم بها الفلسطينيون وجهت نقداً شديداً الى سياسة شارون القائمة على العنف والقتل والهدم. وانتقدت أيضاً السياسة الأميركية. وهذه عادتي. وأستطيع أن أقول انني اعترضت في المانيامرات عدّة على النزعات العنصرية والقومية التي حاول اليمين الألماني أن يوقظها في النفوس". وبعد النقاش طالب الشاعر أدونيس أن يتحوّل الحوار الى حوار ثقافي وأدبيّ بعيداً من السياسة. وطلب غونتر غراس ان تطرح قضية الرقابة التي عانى هو منها مثلما يعاني منها الأدباء العرب. وكانت مداخلات عدّة في هذا الصدد شارك فيها الحاضرون ومنهم: أدونيس، محمود درويش، فخري صالح، حاتم الصكر، نجم والي، عباس بيضون وكاتب هذه السطور الذي تحدّث عن تجربته مع الرقابة اللبنانية غداة منع كتابه "حديقة الحواس". وطرحت في جلسة النقاش قضية الكاتب اليمني وجدي الأهدل بعدما أثارها غونتر غراس مع رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح في اللقاء الذي أقيم في القصر الجمهوري وقلّد غراس خلاله وسام الثقافة والأدب. وأوضح الشاعر عبدالعزيز المقالح قضية وجدي الأهدل، مشيراً الى أنّ معظم المثقفين اليمنيين دعموا موقفه وندّدوا بالرقابة، لكنّ الأهدل هو الذي آثر مغادرة اليمن هرباً من بعض الجهات المحافظة التي كانت ضدّه. أما أدونيس فطرح حلّين لقضية الرقابة العربية: فصل الدين عن الدولة وترسيخ الديموقواطية الحقيقية في المجتمعات العربية. وأثنى غراس على هذين الحلين اللذين اقترحهما أدونيس معتبراً أنّ الغرب لم يستطع أن يتطوّر إلا بعد فصل الدين عن الدولة. وقال إن الفصل بين السلطتين تمّ قانونياً في المانيا. وتحدّث محمود درويش عن الرقابة التي عاناها في اسرائيل عندما نشر كتبه الأولى. حينذاك كانت الرقابة عسكرية وقد علمته، على رغم ما فيها من اعتداء على حريّة التعبير، أن يحسّن شعره وأن يستخدم المجازات والرموز عوض الشعر المباشر. وقال: "علّمتني الرقابة فنّ الشعر وأنّ القصيدة التي يمنعها الرقيب هي قصيدة سيئة ومباشرة. فالقصيدة التي يفهمها الرقيب ويمنعها ليست قصيدة جيّدة. ولكن لا تفهموا من كلامي أنني أمجّد الرقابة. أما الآن في فلسطين فليس عندنا رقابة لأننا ليس عندنا سلطة حقيقية". وأشار الى ما يسمّيه "الرقابة العشوائية" في العالم العربي التي تمنع الكتب تبعاً لأسماء مؤلفيها. وتطرّق الى الرقابة الدينية التي لا تستند الى مقاييس ولا الى مرجعية والتي تمتلك سلطة معنوية قوية. "وكثيراً ما شهّرت هذه الرقابة بي وبأدونيس ونزار قباني وعبدالعزيز المقالح. وهذه رقابة خطرة لأنّها قد تبيح دم الكتّاب وتحرّض الناس على تكفيرهم وعلى الاعتداء عليهم وهذا ما حصل مع نجيب محفوظ". وإن كان يصعب اختصار المداخلات والشهادات التي قدمت في جلسات الحوار فإنّ المؤتمر لم ينحصر في هذه الجلسات فقط بل ان الجمهور تعرّف الى غونتر غراس شاعراً ورساماً. وفي حفلة الافتتاح قرأ غراس مجموعة من قصائده بالألمانية وتبعته الفنانة نضال الأشقر قارئة القصائد نفسها مترجمة الى العربية بقلم الشاعرة أمل الجبوري ورافقها عزفاً على العود وغناءً الفنان خالد العبدالله. ومنحت نضال الأشقر قصائد غراس الحافلة بالسخرية والفانتازيا ايقاعها الصوتي المناسب، فقرأتها بصوت خفيض وأداء ممسرح. ويستحقّ غونتر غراس الشاعر وقفة خاصة، نظراً الى إصراره على إظهار صورته شاعراً. وعندما سألته بالفرنسية عن هذا الاصرار الشعري في زمن يجري الكلام عن "موت الشعر"، قال بفرنسيّته الضعيفة: "الشعر هو الأهمّ. قد تموت الرواية ولا يموت الشعر. وإذا ماتت الكلمة ذات يوم فإنّ الشعر هو آخر ما يموت". غراس الرسام أما غونتر غراس الرسام فتبدّت صورته عبر معرض الرسوم الذي أقيم له في مركز صنعاء الثقافي وهو عبارة عن بناء قديم، يمنيّ الطراز، مبنيّ بالأجرّ والطين في قلب الأحياء الشعبية الصاخبة بالمحالّ والباعة ومخزّني "القات" والمئتزرين بالخناجر اليمنية الجميلة والمرتدين الجلابيب التراثية. ودلّت رسوم غراس وأعماله الحفريّة على عراقته في الرسم الحفري الذي درسه في مستهلّ حياته. وبدت كأنّها تفسّر مشهدياً وبالحبر الأسود نواحي من عالمه الروائي وميله الى الحيوانات الأليفة والبحرية والقارضة كالسمكة والهرّ والفأر وسواها... ولم تخل رسومه من بعض الوجوه والمناظر والأشياء والتفاصيل واعتمد فيها الضربات السريعة والخفيفة التي تختصر الحكايات المرويّة. وخلال افتتاح المعرض أدّت المغنية العراقية - اللبنانية سحر طه قصائد غونتر غراس المترجمة الى العربية بصوت دافئ وجميل ومفعم بالشجو والحنين ورافقتها المستشرقة الألمانية كلوديا أودت على الناي والملحن والمغني اليمني مراد العقربي عزفاً على العود والرقّ. ورحت حيناً تلو آخر أطرح على غونتر غراس بعض الأسئلة بالفرنسية، وعندما كان يعجز عن الاجابة عنها، كنت أستعين ببعض الأصدقاء الألمان الذين يجيدون العربية. وقال لي: "إنني أحبّ الفرنسية. لقد أمضيت فيها فترة التقيت خلالها الشاعر باول سيلان. وهناك شرعت في كتابة روايتي "الطبل". وقد استفدت كثيراً من اقامتي في فرنسا. لكنني الآن نسيت بعض ما تعلّمته لغوياً. وقد أقمت في باريس الدائرة الثالثة عشرة، جادة ايطاليا. وكنت سعيداً وأنا وزوجتي الأولى أنّا، مع أننا لم نكن نملك سوى القليل". وسألته: ماذا يحضّر الآن، فقال: "إنني أرتاح. بعد كتابي الأخير "مشية السرطان" يجب ان أرتاح. إنني أكتب ببطء". وقبل أن ينهي كلامه جاء أحد المرافقين يكلّمه بالألمانية فعرّفني اليه وقال لي إنّه "محرّري". وعندما سألت أحد الأصدقاء العرب المقيمين في المانيا عن هذه الكلمة قال لي: "إنه المسؤول عن تحرير كتب غونتر غراس. هو الذي يراقب المخطوطات قبل أن تذهب الى الناشر. وقد منحه غراس مطلق الحرية في التصرّف، في الحذف والتعديل". وبدا غراس على علاقة وثيقة بهذا "المحرّر"، فهو - كما قيل - يرافقه في أسفاره ويشرف على الترجمات ويدير بعض أعماله. والعادة هذه رائجة جداً في أوروبا وأميركا ولا يسعى الأدباء أبداً الى إنكار "محرّريهم" والدور الذي يؤدّونه في حياتهم الأدبية. لم يكن غونتر غراس يمتنع عن الاجابة عن أي سؤال يوجه اليه، في الباص أو السيارة أو في النزهات المترجّلة أو في فناء الفندق. في صنعاء ائتزر بالزنار اليمني وشكّ في وسطه الخنجر التراثي. وفي "المقيل" الذي دعي المشاركون اليه خزّن قليلاً وأحبّ كثيراً شتلة "القات" وحملها وشمّها مراراً.