منذ سقوط فلسطين في العام 1948 غداة الحرب العالمية الثانية وحتى اجتياح الأميركيين العراق في العام 2003 مع توكيد "المشروع للقرن الأميركي الجديد" والعالم العربي ينحدر في هزائمه ونكساته وخيباته. ولكن بين التاريخين ماذا تغير في الخطاب العربي والمشهد العربي والمجتمع العربي؟ لا تزال القصة عينها، تتردد الأنظمة الفاسدة والأسلحة الفاسدة والزمرة المتآمرة الخائنة والشعارات الفارغة والتماثيل والأنصبة الفارعة. إلا أن الأزمة لا تهبط من السماء أو تنتقل بطريق العدوى بل تبدأ في الوعي واللغة والخطاب. ما أصاب المشروع القومي هو أنه لم يتعزز بالديموقراطية وظل أسير تجاذباته وأزماته ولم يوسع قاعدته على أساس المواطنة والانتماء والتعددية. لذلك لم تظهر الدولة الديموقراطية الحديثة إلا في الشكل التبعي للنظام، وتحول الخطاب القومي الى قناع يخفي التخلف والعجز والعيوب. ولم تتأسس بالتالي العلاقة التعاقدية بين الفرد والمجتمع، الفرد بصفته مواطناً لا شريكاً في النظام أو مستفيداً من خيراته أو عضواً في الطائفة والعشيرة والقبيلة، التي بدورها تقوم بالتعاقد مع النظام. ومن هنا يبدأ خلل المعاني والوظائف والأحوال. لم تعد الدولة المعبِّر الحقيقي عن أهداف وتطلعات وأماني الشعب الذي انبثقت منه. وبدلاً من أن تمارس دورها في تحقيق التغيير لعبت دوراً آخراً في تجميد وقمع وتعجيز المجتمعات العربية. غابت قضية التغيير عن المجتمع فغابت معه الحيوية والتفاعل والتواصل والأولويات والنقد والمحاسبة. وقضية التغيير وتفعيله تردنا الى الديموقراطية من جديد، والديموقراطية لا تأتي من دون ديموقراطيين ومن دون ثقافة ديموقراطية ومن دون سياق أو مسار دمقرطة. وكل ذلك لا يتحقق من دون تفتيت النظام الأبوي المسيطر على مجتمعاتنا خطاباً وسلوكاً ونتائج، ومن دون تحرير المرأة وتفعيل دورها، ومن دون استنهاض وتفعيل القوى الحية الحركات الاجتماعية. ربما السؤال الصعب الذي يواجهنا اليوم هو كيف نعيد المعنى الى قضيتنا ونبني حداثتنا ونثبت الأمل بدل اليأس؟ وأن نبدأ التفكير بأقل ما يمكن من الانفعال وأكثر ما يمكن من العقل ثقافة الكرامة لرسم معالم مشروع نهضتنا الحقيقية. أمام الثقافة العربية اليوم تحدٍ كبير وهو كيف يمكن أن تصوغ فكراً قادراً على انتاج السياسة كقيمة معرفة وقيمة حق وإصلاح. وآن لهذه الأمة أن تنهض من عثراتها ومعوقاتها وأن تقاوم المشاريع المفروضة وتنتقل من هيولى الحلم والأسطورة الى مغامرة الفعل والواقع والتاريخ. * كاتب لبناني.