يعيش البيت المصري حالاً استثنائية منذ 20 آذار مارس الماضي تاريخ بدء الحرب الاميركية والبريطانية على العراق. هذه الحال انعكست بصور شتى على المواطن العادي الذي بات مهموماً بالعراقيين أكثر من اهتمامه بأوضاع بلاده التي تمر في حال اقتصادية مجهولة المعالم فرضت نفسها على الجميع منذ شهور عدة. وإذا كان الدولار قبل الحرب هو الشغل الشاغل للبيت المصري وحديث الشارع فإن الحرب على العراق أبعدت المصريين عن الحديث عن مشكلات بلادهم ما أراح الحكومة بصورة أو بأخرى. حتى أن الإعلام المرئي والمسموع قلص اهتمامه بالشأن الاقتصادي المحلي ليركز على الشأن السياسي الاقليمي والدولي، وتحولت صفحات الاقتصاد في الصحف المحلية الى مجرد نشر أخبار روتينية تتعلق فقط بالحرب، وربما اخبار أخرى لها شأن محلي. ويبدو أن الحرب الجارية فرضت نفسها ايضاً على مزاج المصريين الذي تحول الى شغف اخباري، وابتعد البيت من متابعة الافلام والمسلسلات الى متابعة كل ما يخص الحرب خصوصاً بعد سقوط ضحايا مدنيين بينهم أطفال ونساء. ويخشى كثير من المواطنين العاديين أن تنسحب الحرب ضد العراق على الوضع في فلسطين، وتفقد القضية الفلسطينية التعاطف في هذه الأيام. ويزداد هذا الخوف من طول مدة الحرب على العراق ما يضيف الى كاهل المواطن العربي قضايا انسانية لا طاقة له عليها لأن قضاياه المحلية كفيلة بشغله في كل وقت. وتختلف المتابعات المنزلية للحرب باختلاف الوسائل والامكانات المتاحة، فهناك البيوت المحدودة الموارد التي تتابع الاخبار عبر التلفزيون المصري المحدود في تغطياته، وربما المحدود في سياسته، وهذه حال المناطق الشعبية التي يفضل بعض قاطنيها الفقراء الاحتكاك بالشارع لمعرفة جديد ما يدور في الحرب لتزويد البيت بالمستجدات بين الحين والآخر، وهناك البيوت المفتوحة على الفضائيات والمحطات العربية والعالمية، وغالباً ما يسودها السكون في متابعة مجريات الامور التي تتبدل سريعاً، وهذه الفئة معظم اعضائها من الطبقات فوق المتوسطة. أما الفئة المتوسطة فأهلها من الموظفين الذين يتابعون الحال عبر وسائل الإعلام المقروءة، وهناك ايضاً البيوت عالية المستوى التي تتابع اخبار الحرب بالانترنت والوسائل التقنية الحديثة من دون الاهتمام بالأخرى. وهذه الأحوال أسهمت بقدر كبير في تغيير شكل الحياة في البيت المصري، إذ أعادت الى الاذهان ثقافة المقاومة التي كادت أن تنتهي بعد عيشة الرفاهية التي انفتح عليها البعض بسبب التقليد الاعمى للحياة الغربية والاجنبية. ومع تواتر الحديث عن الحرب برزت ذكريات حادث دنشواي لأحمد عرابي في العام 1908، وثورة 1919 لسعد زغلول، والحركة الوطنية لمصطفى كامل، وثورة تموز يوليو لجمال عبد الناصر في العام 1952، وحرب اكتوبر المجيدة في شكل ربما يبعث على الانتفاضة وتحريك السياسات نحو التصحيح. وعلى رغم الاضرار الجسيمة التي خلفتها الاوضاع القائمة، الا ان الحرب افرزت شعوراً طيباً بين الشعوب العربية من خلال التعبيرات غير الكافية في التظاهرات التي انكسرت موقتاً في مصر لاعتبارات امنية. ومن دائرة الحرب الى دائرة التأثيرات الجانبية لها، استطلعت "الحياة" آراء بعض أرباب الأسر المصرية. يقول احمد محمد شبيب إن للحرب الاميركية على العراق آثاراً اجتماعية تتمثل في انعدام الثقة بين الشعب والسياسات، ووجود أزمة قيم بداخل المجتمع بأسره بدليل التفاوت الكبير في الآراء ووجهات النظر حيال الموقف العربي من القضية العراقية وكذلك الفلسطينية، مشيراً الى أن ما تم اليوم يُعد تراجعاً عن التراجع العربي في الدفاع عن القضية الوطنية والهوية والانتماءات العربية. ويؤكد حمدي السيد سليمان أن أشد آثار الحرب خطورة على البيت المصري هي الآثار الاقتصادية التي تأثرت بفعل الظروف السياسية غير المستقرة، والاثنان يمثلان عوامل ضغط على متطلبات الحياة الضرورية عند الموظف الفقير الذي يتعثر راتبه امام الزيادة المطردة في اسعار السلع التي ترتفع من دون توقف تبعاً لتقلبات الظروف الاخيرة المتمثلة ايضاً في أزمة الجهاز المصرفي تحرير سعر الصرف - التعويم، وتراجع الاحتياط النقدي وعدم نمو الصادرات وتزايد الانفاق الحكومي والكساد. وهذه الاوضاع تؤثر سلباً في خصوصية الاستهلاك ومستوى معيشة المواطنين في شكل يضعف دور الاسرة المصرية. وفي الاطار نفسه يؤكد علي عبدالمقصود عزب أن الحرب منذ اندلاعها تركت أثراً غير طيب في البيت المصري تمثلت في اصابة النفسيات في شكل اثر في طبيعة العلاقات، سواء الأسرية منها ام الزوجية، وحال احباط وحزن وترقب يتخللها الخوف على المصير.