دخل مفهوم التسويق الرياضي أبعاداً جديدة في العقد الأخير، عاكساً التطور التدريجي لمبدأ الرعاية وتفاصيلها، والتي بدأت على مر الأعوام كنوع من أنواع المساعدة والدعم المالي للأبطال البارزين، ثم تحولت إلى شراكة بين المؤسسة الراعية والفريق أو الاتحاد الرياضي من خلال اقتران الاسم التجاري بأحداث معينة... وصولاً إلى "الطور الثالث" وهو الرعاية التي تعود بالفائدة على الهيئات الرياضية في مقابل زيادة عدد زبائن وعملاء الشركات الداعمة، ولا مبالغة في القول إن المبالغ المستثمرة في التسويق الرياضي في العالم ارتفعت من 7 بلايين دولار عام 1991 إلى 22 بليوناً عام 2000. سمحت ورشة العمل في مجال التسويق لدعم النشاطات الرياضية التي أقامتها اللجنة الأولمبية اللبنانية وحاضر خلالها الخبيران الدوليان المصري زهير عمار والسلوفيني داميان بينتار في تسليط الضوء على واقع الرعاية والدعم المالي والإعلاني للمسابقات وكيفية مبادرة مسؤولي الاتحادات والمنظمات الرياضية إلى طرق الأبواب وجذب المهتمين لصوغ شراكة مثمرة تروّج للسلعة من خلال الأحداث الرياضية فتنمو موارد القائمين على مقدراتها، وتزدهر أعمال المؤسسات التجارية التي تجد في الدورات والبطولات "منفذاً" خصباً لها. وإذا كانت اللجنة الأولمبية اللبنانية تخطو على طريق توفير الموارد الذاتية ووفق آلية عصرية والتأسيس لخلية إدارية - فنية - تسويقية استعداداً لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2009، فإن "الدروس المستفادة" من هذه الورشة تصلح لكل زمان ومكان، خصوصاً أن المنظمات أصبحت تدرك أكثر فأكثر أهمية الرعاية الخاصة في ظل النضوب المستمر للدعم الحكومي، ولأن هذا "الالتفاف" يؤمن لها مرونة واستقلالية في تنفيذ برامجها إن هي أحسنت الاختيار باعتبار أن المفهوم العصري للرعاية والتسويق، وهذا من صلب الواقع، استثمار مباشر وغير مباشر في آن. فالشركات المحترفة والاتحادات الكبيرة كما يوضح عمار "تشبك أيديها لإعداد برامج وخطط تؤدي إلى الإفادة المشتركة"، على أن يراعى أيضاً ألا "تباع" المنظمات الرياضية بأسعار بخسة لغايات شخصية أو لعدم توافر الخبرات والكفيين في مجالسها الذين يستطيعون الدفاع عنها، وتظهّر صورتها بشفافية وصدق ليبقى الراعي شريكاً دائماً. من هنا، باتت الضرورة ملحة لأن تضمّ مجالس اللجان الأولمبية والاتحادات وحتى الأندية عناصر تفقه بالتسويق وأسراره وخباياه كافة، لتؤمن لمن تمثلهم أفضل الشروط والإفادة الناجعة. وبات المطلوب من الهيئات الرياضية في العرف الميداني للرعاية والتسويق، أن توفر للراعي وسيلة اتصال وتواصل وانتشار ، وإلا فإن البدائل أمامه كثيرة... في المقابل "لا يوجد بديل عن الرياضة للاتصال بالجمهور فهي تحمل دراما الحياة وانفعالاتها، لذا فإنها سلعة ممتازة ينبغي علينا أن نسعى دائماً إلى عرضها بأفضل حلة من أجل استقطاب أكبر"... خصوصاً أن حصة التسويق الرياضي تشكل 80 في المئة مما ينفق على الأنشطة الترفيهية. واقع الحال أخيراً، بدأت الرياضة العربية تدرك أهمية "سلعها" وتسعى إلى التكامل مع المجتمع الاقتصادي حولها، في ظل الكلفة الباهظة للإعداد والتي لا يمكن أن تتوافر مواردها فقط من الدعم الرسمي، لذا فإن التسويق الجيد يؤمن الموازنات ويسد الثغرات. ولم يعد جائزاً القول أو الاعتقاد أن هذه اللعبة جماهيرية وتلك "شهيدة"، بل يجب استنباط الأفكار التي تعزز قواعدها وانتشارها، فلن يكون غريباً إذاً إقامة مباراة سريعة لكرة الطاولة بين شوطي لقاء مهم في كرة السلة، أو إجراء سباق جري 400م ما بين شوطي مباراة لكرة القدم. وفي ظل هذا الواقع وتداعياته، تثار قضية الثقافة والوعي الرياضيين وتتمحور حول كيفية تنشيط الجمهور وتحفيزه، لأن ليس المطلوب دائماً مشاهدين للرياضة بل مهتمين بمزاولتها وهم رأسمالها الذي يدوم وينمو و"الهدف" الذي يصوّب نحوه الرعاة الباحثون عن شراكة متينة، لا سيما أن دور الاتحادات والجمعيات توسيع قاعدة انتشار ألعابها وممارسيها، فضلاً عن ضرورة الفهم الدقيق والاطلاع الجلي للإداريين على توجهات السوق الإعلانية. فإذا كان الراعي يهتم بالاستقطاب الجماهيري من خلال الأحداث الكبيرة، فإنه يفتش أيضاً عن القيمة الفنية، ليقترن اسمه بالحدث المميز. وإزاء هذه الصيغة العملية للمفهوم الحديث للترويج الرياضي، بات من الضروري أن تهتم الأكاديميات والجامعات بإعداد وتخريج المسوّقين المنشطين على غرار تخريجها للإداريين والمدربين، لأن هذا الاختصاص أصبح ضلعاً أساسياً في عملية التنمية. لقد بدأت الاتحادات العربية، وإن بخطوات بطيئة، حصر بطولاتها وتفضيل النوعية على الكمية، ما يحث الفضائيات ويحمسها على الاهتمام بهذه المسابقات وشراء حقوقها، وما يعود بالنفع على الاتحادات الوطنية وأنديتها. غير أن ظاهرة الفضائيات والنقل المباشر للأحداث الإقليمية والقارية والدولية لا يلغي دور اتحاد الاذاعات والتلفزيونات العربية الذي تراجع في الآونة الأخيرة، فالمطلوب تفعيله، كما أنه مطلوب كشف أرقام العقود والاتفاقات وعدم تجاهل اسم الراعي والداعم في الأخبار المنشورة، بل بلورة هذا المفهوم من خلال ثقافة التسويق والرعاية الرياضيين لتعود بالفائدة على أطرافها جميعهم. من جهة أخرى، يؤيد عمار البث التلفزيوني الفضائي المدفوع للأحداث الرياضية "وشراء حقوق البطولات يخضع للعرض والطلب والقيمة الفنية، والتلفزيونات الاختصاصية المدركة لدورها تفتش عن جذب المشتركين والمشاهدين، وبالتالي لماذا رفض مثل هذه الخطوات والعقود والمطالبة بالبث المجاني؟ وهو من دور وسائل الإعلام الحكومية الواجب تحركها خلال مهل العروض وليس التباكي على ما فات"، وسأل "إذا كانت الرياضة صناعة ترفيهية مثل الأفلام وغيرها، تجدر المقارنة والملاحظة هل إن الأفلام السينمائية الجديدة تعرض أولاً في التلفزيونات أو في دور العرض التي يرتادها الجمهور ويشتري البطاقات لمشاهدتها؟... أوليست الاستادات الدولية بمرافقها العصرية كافة مسارح مكشوفة؟ ولماذا لا يهتم أولياء الأمر بجذب القنوات المشفرة إلى صفهم ومحاورتها والحصول على رعايتها؟". ومع تغير الأعراف وتبدّلها باتت المنظمات الرياضية مدعوة للتزود والتسلح بالبيانات الصحيحة والتقارير الدقيقة وأطر البرامج المستقبلية لتحسن عرض سلعها وبيعها بثقة وبالسعر المناسب. ولعل في تجربة الحركة الرياضية في سلوفينيا منذ استقلال هذا البلد عام 1992 خير دليل على اقتران القول بالفعل. فالقائمون على الجانب التسويقي فيها وكما كشف بينتار، اعتمدوا منهج تقديم الفرص والمناسبات للمؤسسات الراعية لتسوّق سلعها من خلالها، و"بالتالي لم تعد الرياضة السلوفينية تطلب أموالاً للدعم بل توفر أبواباً تستثمرها المؤسسات وتجني أرباحاً من خلالها".