سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ندوة "الحياة" مع الخبير والمحاضر في اللجنة الأولمبية الدولية حول الفرص المهدورة وضعف الوعي لأهمية التسويق . عمار : الرياضة العربية لا تعرف كيف تستفيد من المال الاولمبي !
484،209 ملايين دولار، هي موازنة صندوق التضامن الأولمبي لتنفق على 21 برنامجاً في أربعة مجالات خلال فترة أولمبياد كامل، أي للسنوات الأربع الممتدة من 2001 الى 2004... الرقم مغرٍ جداً من دون شك، ويؤشر الى "بحبوحة كبيرة" إذ نظر اليه سطحياً من دون الدخول في تفاصيل فقراته المتعلقة بالرياضيين والمدربين وادارات اللجان الوطنية وحلقات التطوير والندوات الخاصة... لكن الامعان في بواطن الأمور والسؤال عن مدى الافادة من هذا "الكرم الحاتمي" في الدول النامية وهي الغالبية ومن بينها، حُكماً، الدول العربية، يصيبان بالإحباط من دون شك، لا سيما متى كان المولجون بهذا الملف الحساس والحيوي غير مدركين لأهميته، ويفضلون إبقاء القديم على قدمه لغايات شتى... يأتي في مقدمها المصالح الشخصية طبعاً. "الحياة" إستقصت جوانب عدة من خلال متابعتها الدائمة للشؤون الأولمبية وشجونها، ووضعت نقاطاً على الحروف في ضوء الندوة التي عقدتها مع الخبير والمحاضر المصري في اللجنة الاولمبية الدولية زهير عمار الذي حضر الى بيروت للمرة الثانية في غضون ستة أشهر في اطار برنامج الرعاية والتسويق الذي تُعد له اللجنة اللبنانية استعداداً لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2009. لم يقف الحوار مع الخبير الدولي زهير عمار عند كل القضايا المطروحة في مقدمة هذا "التحقيق" المهم، فإضافة الى قضايا التسويق وتطور النظرة الى مفهومها ودخول التنويع العصري المنشود... لفت عمار الى أهمية برامج صندوق التضامن الأولمبي لا سيما ان امواله المخصصة للدعم والمساعدة والارتقاء باللجان المحلية ادارياً وفنياً، هي من عائدات حقوق النقل التلفزيوني للألعاب الأولمبية التي تتصاعد لتبلغ أرقاماً فلكية دورة بعد أخرى. ولأن اللجنة الدولية وعت الحاجة الى ضرورة ان يترافق اتساع أفقها مع وضع أسس راسخة عصرية للجان المحلية، خرجت الى النور هذه البرامج التي تعنى بالشؤون الرياضية كافة ومحيطها الاجتماعي والبيئي والثقافي من الألف الى الياء... لكن تبقى العبرة طبعاً في كيفية الافادة من الفرص الذهبية الكثيرة المتاحة وتوظيفها خير توظيف في الداخل والخارج. وحين يتشعب الحديث مع الخبير عمار يلمس محاوروه تمرسه وضلوعه في شتى المواضيع التنظيمية من خلال الدورات الدراسية وورش العمل التي اقامها واشرف عليها وتعدت المئة حلقة في مختلف أنحاء العالم، لذا فإن العصارة تكون منوعة وغنية بالأمثلة الميدانية والوقائع الملموسة، ولا سيما ان البطولات والمسابقات لم تعد مجرد فقرات تسلية وترفيه بل هي قطاع انتاجي مثمر قائم بذاته، يعكس الاتجاهات المعاصرة. ومن يدقق في تشعبات هذه المشاريع، يتردد سريعاً الى ذهنه بضعة أسئلة: اين هي الدول العربية عموماً من المنح الأولمبية ودورات التأهيل والصقل؟ وكيف تتطور مدارك القائمين على الشؤون الرياضية فيها؟ وهل يستفاد من المشاركة والمتابعة في نقل الرسالة والدروس المفيدة؟ أما انها تبقى محصورة في أوقاتها الظرفية ومناسباتها المحدودة، لا سيما ان "مسؤولين" رسميين وأهليين كثراً يحصرون الافادة بأشخاصهم، وفي أحيان كثيرة لا يكونون مؤهلين لهذه المسؤولية، فتهدر الفرص وتستمر مسيرة الحياة في دورانها فترتفع الأصوات مطالبة بكشف التقصير والمقصرين؟ لكن يبقى دائماً السؤال الأكثر أهمية: لماذا نحن العرب في آخر الركب؟ فباستثناء حالات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، أو ظواهر جيدة لا تؤسس لأجيال ولقاعدة راسخة تنمي المواهب والكفايات وتأخذ بيدها وتوفر لها سبل التقدم... لا نعرف كيف نستفيد مما هو مطروح علينا. فهناك عشرات البرامج والمنح التي توفرها اللجنة الأولمبية الدولية من خلال مشروع التضامن الأولمبي الذي يوزع ملايينه من الدولارات على اللجان الأولمبية الدولية، لأننا لا نعرف كيف نستفيد منها على رغم انها تتضمن برامج لتطوير وتحسين الأداء الاداري والفني وتطوير الحس التدريبي وقدرات اللاعبين، فضلاً عن اكتشاف المواهب ورعايتها وتوفير بعثات تدريبية متخصصة للبارزين منهم من اجل تحقيق التواجد في المحافل الأولمبية... من دون ان ننسى طبعاً تلك المنح التي تؤهل دارسيها للحصول على درجة الماجستير من أرقى الجامعات السويسرية. وفي سياق "الأخذ بيد" اللجان الوطنية عبر آليات التطوير المنوعة، كشف عمار عن دور التسويق وبرامجه والاعلام وأهميته لا سيما حين يتخلى عن التقليدية في طرح الأمور وينفذ الى الأجيال الصاعدة في المدارس والجامعات... و"لعل ما يثير الدهشة والتأمل بأسف في الوقت عينه ان التقصير العربي في هذا القطاع ينسحب على سابقه الإداري - الفني. فمثلاً مصر الدولة الكبرى رياضياً في المنطقة لم تبدأ معالجة الشؤون التسويقية وطرحها وفق النظرة المعاصرة قبل العام 1999، والدول الخليجية الغنية لطالما نظر اركانها الرياضيون الى الرعاية والاعلان من خلال الرياضة على انهما مساعدة أو تبرع آني لا يتأثر بانعكاسات السوق والحركة التجارية. وغالباً ما تولى المسؤولية القيادية في الاتحادات والأندية أشخاص اختيروا لملاءتهم المالية من دون الأخذ في الاعتبار ان برامج المسابقات هي سلعة يمكن تسويقها والافادة من عائداتها على المدى الطويل. وأضاف "فأصيبت هذه الهيئات بانفصام في الشخصية بين "الحاجة المعيشية" والمتطلبات الفنية. واذا تحمّس بعض الإداريين للسير في ركب العصر وقعوا في مطب القوانين والشروط المبطنة، لأنهم غير ضالعين اساساً بما يحاك بين السطور فأصبحت الفرصة التسويقية هماً يكابدوه، وأزمة كانوا في غنى عنها... ومن اسباب "الاخفاق" من دون شك اهمال الاستعانة بالمتخصصين". المهم أن يدرك هؤلاء المسؤولون ان زمن الهبات والمنح ولّى، وهو عصر البداية في مفهوم الدعم الذي "تطوّر" الى الرعاية، وأصبح حالياً اختصاصاً بحد ذاته أساسه الشراكة والعلاقة المتبادلة إذ باتت المنافسات الرياضية نافذة ترويج للعلامة التجارية، وهو ما أكده عمار "فالعمل الخيري الذي يقوم به التاجر أو المتمول تبقى آثاره محدودة، بينما الشراكة القائمة على الواجبات والحقوق من خلال ادارة ساهرة وصدقية في التعاطي تحفّز الطرفين، ما يجعل المنتج في الرعاية لا يستغل المناسبات ليعرض سلعه بل ليوصل رسالة مواكبة خاصة بالنشاط بحد ذاته. الرعاية بالأمس كانت من خلال تبرعات وهبات، واليوم أصبحت تهدف الى ترويج علامة تجارية معينة... وفي الغد ستعتمد على استقطاب أكبر عدد ممكن من المستهلكين الاضافيين، فمن يمنح الجهات الراعية هذه الميزة ويحقق لها هدفها المنشود هو الذي سيحصل على حقوق واموال الرعاية". وفي عرض سريع للحسّ التسويقي عند الهيئات الرياضية في المنطقة، أبدى عمار ارتياحه الى خطوة اللجنة الأولمبية اللبنانية التي وعت هذا العنصر الحيوي، وتتحرك بحماسة كبيرة على رغم ضعف امكاناتها من منطلق ايمانها بأن الموارد الصغيرة تمهد لحصص توفر "بحبوحة ما" للاتحادات والأبطال المجلين والوجوه الواعدة. وفي هذا الاطار، تعدّ لبرنامج اكتشاف المواهب الذي يحظى أساساً برعاية صندوق التضامن الأولمبي، وتحضّر لاطلاق الجوائز السنوية وتعتبره محطة تكريم وتقدير ولفتة تسلّط الضوء على المستحقين لتتوافر لهم أبواب "الرعاية الشريكة" وهذا هو الأهم. الحوار مع هذا الخبير العالمي كان شيقاً لدرجة أننا تمنينا أن تمتد الساعات الأربع التي جمعتنا معه في مقر الجريدة في بيروت، أكثر وأكثر... لكن موعد السحور كان قد أقترب، وحلو كلام عمار انسانا ان نقدم له حلو ما بعد الإفطار، لكنه تقبل بدلاً منه وبكل رحابة صدر جزيل شكرنا عما قدمه لنا من معلومات قيمة وشيقة، نأمل بأن تحرك المسؤولين عن الحركة الأولمبية في وطننا العربي الكبير نحو خير الرياضة العربية التي تعيش "أتعس" أيامها في هذا الزمان الأغبر.