ليس وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان ديبلوماسياً وسياسياً فاعلاً فحسب، وليس ماكينة سياسية فحسب بحكم أنه أقرب المقربين من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وإنما هو لعارفيه المزمنين ولمن باتوا يعرفونه مولع أولاً وأخيراً بالشعر والأدب والتاريخ. يتناول دوفيلبان موضوع الشعر في كتاب 800 صفحة يصدر غداً في باريس عن دار "غاليمار" وهو بعنوان Eloge de voleurs de feu "إشادة بسارقي النار" ويشي العنوان فوراً بولع دوفيلبان بالشاعر ارتور رامبو. والكتاب الجديد ليس عملاً أنجزه الوزير الشاب أثناء توليه منصبه وإنما هو بحث بدأه منذ سنوات عدة، وسبق تأليفه للكتابين اللذين نشرهما سابقاً، وهما "مئة يوم" الذي يتضمن سيرة لنابليون بونابرت وLe cri de la gargouille الذي يتناول فيه موضوع السلطة. دوفيلبان يعشق الشعر وكثيراً ما يأتي في سياق خطاباته على ذكر الشعراء العرب الذين يحبهم، من محمود درويش إلى أدونيس وناديا تويني وصلاح ستيتييه وغيرهم. وخلال زياراته إلى الدول العربية المختلفة، من الرباط إلى بيروت أو القاهرة ودمشق، ردد دوفيلبان في خطاباته أبياتاً للشعراء العرب. وفي مقدمة الكتاب يتحدث دوفيلبان عن حبه للشعر، يقول إن هذا العشق ليس وليد الصدفة، بل انه اختمر لديه منذ الصغر، إذ كانت الأبيات الشعرية تملأ كل ما هو حوله بما في ذلك جيوبه التي كانت دائماً بداخلها قصاصات صغيرة من الورق عليها مقتطفات شعرية. ويتناول في المقدمة الارتياح الذي وجده في الشعر عند وفاة شقيقه الشاب، يقول: "اذكر اليأس والألم لغياب شخص غالٍ ولصمت شقيقي المتوفى"، كان يجد المواساة بين الكلمات الشعرية. ويعدد دوفيلبان في كتابه الشعراء الذين أحبهم من ريلكه ورامبو ومالارميه الى سان جون بيرس ونيرودا وسيغالين، وينطوي الكتاب عموماً على اشادة بالشعر مع اشارة الى الدور الذي لعبه شعراء عديدون والى موقعهم التاريخي. كان أحد الوزراء العرب وصف دوفيلبان بأنه "نجم" الأممالمتحدة، عبرت خطاباته بشأن العراق له، على غرار الشعراء، عن شخصية استثنائية بحرارتها وانفعالها وعمقها وتألمها. وعلى رغم الصداقات التي انشأها دوفيلبان في عالم الديبلوماسية وفي وقت قياسي، إلا انه يحب عموماً عشرة الأدباء والكتاب من مختلف أنحاء العالم. قبل الحرب على العراق كان يعقد اجتماعات مع أدباء ومثقفين عرب في فرنسا للاستماع الى آرائهم. ومن بين أصدقائه الأديبة اللبنانية فينوس خوري غاتا والشاعر أدونيس والكاتب المغربي محمد بنيس، وهو من محبي شعر محمود درويش ويجد دائماً الوقت للقائه عندما يزور باريس. حرص دوفيلبان على ان يكون صدور الكتاب مقتصراً على الأوساط الأدبية، بعيداً عن أي ضجة اعلامية، كما حرص على ابقاء وزارة الخارجية بمنأى عن "الترويج" الاعلامي له. صحيح انه ادخل الشعر الى خطاباته الديبلوماسية، لكن الكتاب ينتمي الى هوايته، اما الديبلوماسية فهي موقتاً العمل الذي نجح فيه وقد يدفع به عالياً.