أسقط العراقيون أخيراً تمثال عبدالوهاب الغريري، أحد رموز حزب "البعث" في ساحة وسط بغداد، ورفعوا فوق قاعدة التمثال صورة للرئيس السابق عبدالكريم قاسم، وكتبوا فوق القاعدة الاسمنتية بالدهان الأحمر "سامحنا يا زعيمنا... آن الأوان لنرد لك الاعتبار". ويجري الإعداد لاحتفال شعبي ضخم احياء لذكراه في الساحة ذاتها. وكان الغريري قتل عام 1959 عندما اشترك مع صدام حسين في محاولة اغتيال قاسم في شارع الرشيد قرب جامع أبو شيبة. ويقال ان قاسم الذي جرح خلال العملية أردى الغريري بمسدسه، وأقيم تمثال للأخير إبان حكم "البعث" الذي اعتبر قاسم خلاله خائناً. وشجع صدام بعدما تولى الرئاسة الفنانين والسينمائيين والكتاب على انتاج الأعمال التي مجدت محاولة اغتيال قاسم الذي كان أعفى عن البعثيين الذين شاركوا فيها. ويشكل رد الاعتبار لقاسم نذير شؤم لقوات "التحالف" الاميركي - البريطاني في العراق، نظراً الى انه دليل مادي على صعود شعبية قاسم الذي أسقط الحكم الملكي وأقام نظاماً جمهورياً في العراق وأمم النفط، وأنهى سيطرة شركة البترول البريطانية بي بي على مصادره العراقية. وعادت صور قاسم لتنتشر في أسواق العراق، ونشرت الصحف المحلية مقالات عدة وصف فيها الرجل كشهيد، فيما تنشر اسبوعية "الحقيقة" الجديدة مسلسلاً بعنوان "نعتذر للزعيم"، الذي كان علمانياً. وتحذر الإدارة الاميركية من ان تؤدي فلسفة حكمه الوطنية الى اثارة مشاكل لها في حال نصب حكم موال للغرب في العراق. وكانت خطوتا تأميم النفط وضم الحزب الشيوعي أكبر الأحزاب السياسية في البلد آنذاك الى الحكومة، ولدتا عداوة شديدة لقاسم في بريطانيا والولايات المتحدة، خصوصاً لدى الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور. ويعتقد كثيرون من العراقيين ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي اي كانت وراء اغتياله عام 1963. وعلى رغم ان قاسم لم يشكل حزباً ليواصل دربه بعد مقتله، إلا ان فترة حكمه تعتبر لدى العراقيين ذهبية في التاريخ الحديث للبلد، ومن المحتمل ان تتبنى أحزاب كثيرة شرعية الحكم التي مارسها نظام قاسم. واعرب كريم الشمع زعيم الحزب الديموقراطي الجديد الذي شارك في الحكم في عهد قاسم، عن سعادته باستعادة الرئيس السابق شعبيته، مشيراً الى الرواج الواسع الذي تلاقيه صوره في الأسواق، ومؤكداً ان مؤيديه "سيظلون معادين للامبريالية والاستعمار، ويعارضون الاحتلال الاجنبي". وكان قاسم بادر إبان حكمه بإجراء اصلاحات، فوضع نظام ملكية جديداً للأراضي وحسّن مستوى معيشة الفلاحين واشرك في الحكم للمرة الأولى في تاريخ العراق الشيعة الذين شكلوا غالبية السكان. ويذكّر الشمع بأن قاسم ظل حتى آخر يوم في حياته ينام على سرير عسكري، وبعد اعدامه وجدوا ان كل ما يملكه 15 ديناراً مودعة في حساب بمصرف.