الإغراء، مفردة مستهجنة، آتية من ثقافة مغايرة، وتحيلك على آليات الإثارة الفجة والغواية المتأصلة في مخيلة التاريخ. وتشتم منها رائحة التفاحة ونوازع الهوى المضلل. هنا، تبدو النفس منفتحة أكثر على عالم الزينة ورائحة التطيب ومفردات التزين كجسر للجمال، فالله يحب الجمال، وكآلية للتعارف ما بين عالمين مختلفين تظللهما خيمة العائلة بظلالها الوارفة... لا أخفي عشقي للون الأسود، ربما كشف عن بعض الحزن الجاثم من تلافيف الصبا أو وجيعة فترة الشباب، ولكنني أعدت اكتشاف سحره ورونقه وإثارته المتميزة في اللباس الوطني للمرأة الإماراتية، العباية السوداء. يقال ان الأسود، لون ملوك أوروبا، وأساطير عالم رجال الأعمال ونجوم المجتمع والتلفزيون. أكثر الألوان أناقة، يحمل سراً غريباً وجاذبية لافتة. رائع في السهرات وله طابعه الخاص خلال النهار. سهل. عملي. لا يحتاج الى الكثير من التأني ولا يحملنا عناء التفتيش في خزانة الثياب. فإذا أضيفت إليه مزاياه في إظهار الجسد أكثر نحافة، لا يمكن مقاومة إغرائه. لا شك في أن الإماراتية في توشحها بالعباءة، لم تتوقف عند معاني الألوان، بقدر ما انسجمت مع بيئتها وتراثها وانتصرت لهويتها الوطنية في ثنايا رياح الحداثة، في موقع العمل أو أمام مقود السيارة... ولكنك تشعر أمام تعدد محال بيع العباءة وفخامتها وأسعارها المرتفعة، برغبة نسوية حقيقية في الزهو بهذا اللباس تتجاوز معاني الغطاء والستر والحشمة المجسدة بالكامل، تحتفل بتلك الأنا النسوية العابقة بالغموض وعدم الكشف. والأهم من ذلك يبعث برسائل مشفرة نحو الرجل تدعوه للبذل والجهد والعناء، ولدخول البيوت من أبوابها، لا من نوافذ مخادعة تبعث عن اللذة عوضاً عن منبعها الدائم. يقال ان في بلاد المغرب ما بين مقهى وآخر، مقهى جديد. وهنا في الإمارات العربية، ما بين محل لبيع العطور وآخر يصادفك محل للطيب والعطور. لا شك في أن ذلك يؤشر الى تقاليد عربية راسخة في القدم في الاحتفاء بالعود والعنبر والطيب. ولكن ذلك الإقبال اللافت على محلات مصففي الشعر اللبنانيين وتزايد أعداد الحمامات المغربية للنساء والطوفان الإعلاني الجارف لمستحضرات التجميل والبشرة، تشعرك برغبة إماراتية بالبحث في معاني الجمال والتزين، تتجاوز الفهم التقليدي للعطر والتطيب. إنه بحث عن التميز والتفرد والإثارة. فيكفي أن تستقل مصعداً في "سوبر ماركت" أو عمارة في المدينة، في أروقة العمل أو ثنايا المحلات التجارية لتأخذك نسمة فائحة ورائقة من عبير عطر نسائي مرّ من هنا. أبرزت دراسة حديثة، ان غالبية النساء تستثرن بعبير الرجل، ويبدو أن الاماراتية بحسها المرهف ومخزونها الثقافي المؤسس عرشه على الماء والنظافة، أدركت ان الرائحة الطيبة والعطر المتميز هما أقرب الطرق الى قلب الرجل. يأسرك الإماراتي، بطوله الفارع، وبنيته الجسدية، وبسحنته المتباينة، فيشكل مع الإماراتية الموشحة بالعباءة والممتلئة بعض الشيء ثنائية جميلة. لا تعد الإمارات سوقاً واعدة لصانعي الأحذية الأوروبية، فطبيعة المناخ تجعل من النعال الحذاء الوطني الأول للرجال. ولكن زيارتك لمحلات بيع الأحذية ودقة النظر في المحلات الترويجية للأحذية النسائية تكشف لك عن إقبال مكثف على ارتداء الكعب العالي. ليست هنالك رغبة في الكعب العالي الطويل والمدبب، كما هي الحال في الضفة الشمالية الأوروبية أو لدى نساء المغرب العربي المتيمات بالذوق الإفرنجي، بل بالكعب العالي المنبسط والممتلئ ما يعطي لصاحبته احساساً بالعلو والراحة في آن واحد. لا يبدو أن للإماراتيات عقدة قصر القامة. ولكن ربما كشف هذا الإقبال والهوس الشبابي عن رغبة دفينة في الارتقاء الى قامات الرجال والبحث عن معادلة المساواة التي لا يمكن أن تحصل إلا عبر التوازن... يقال ان المرأة تختبر بالذهب. وتعد الإمارات السوق الأولى خليجياً في الترويج للذهب والماس. لا تزال الإماراتية تعتز بذهبها كعنوان للزينة والقوة والجاه... ولكن يبدو أن جيل الشابات مع عشقه الدائم للثروة وبريق الذهب اكتشف طريقاً جديداً للإغراء هو التعلم والعمل. أدركت الشابة الإماراتية ان الجسم الحقيقي وكنزها الذي لا يفنى من الزينة والإغراء، يكمن في التمسك بهويتها الوطنية والنهل من معين المعرفة والعلم.