بعض المعلقين العرب يعود في الحديث عن ماضي ريتشارد بيرل في العنصرية ضد العرب والمسلمين والعداء للسلام في الشرق الاوسط الى سنة 1996 عندما اصبح بنيامين نتانياهو رئىس وزراء اسرائىل، وأصبح بيرل ودوغلاس فايث ينصحانه برفض اتفاقات اوسلو، ويطالبان بشن حرب على العراق، فقد كان رأي بيرل دائماً ان تخفض اهمية القضية الفلسطينية، ويشغل العرب بتحديات اكبر لمصيرهم تجعلهم في النهاية يستسلمون لارادة اميركا واسرائىل. انا افضل ان اعود بتاريخ بيرل الى اوائل الثمانينات عندما كنت اقيم في واشنطن، وحدث ما لفتني الى وجود هذا الصهيوني الليكودي المتطرف. والقصة ليست سراً، فالصديق مايكل سابا كان في مطعم فندق ماديسون وسمع حديثاً بالانكليزية والعبرية على طاولة مجاورة، فكتب على ورقة ما سمع منه، وبحث بعد ذلك في الموضوع، ووجد ان موظفاً في وزارة الخارجية الاميركية هو ستيفن براين كان مع اعضاء وفد اسرائىلي زائر، وقد اعطاهم صوراً للقواعد السعودية. وبلّغ مايكل سابا الوزارة بما سمع، فلم تفعل شيئاً في البداية، ورفع مايكل قضية فأوقف براين قيد التحقيق، الا ان بيرل الذي كان في حينه مساعد وزير الدفاع لسياسة الأمن الدولي ضم براين اليه في الوزارة، وكأنه يعطيه فرصة لتجسس اوسع على المملكة العربية السعودية وغيرها. والسعودية تتردد باستمرار في عمل بيرل وفكره، وهو كتب في فصلية "ناشونال ريفيو" الصيف الماضي "ان من المعيب ان هناك ناساً يستضافون على التلفزيون، ويكتبون مقالات صحافية... ان السعودية مصدر اساسي للمشكلة التي نواجهها مع الارهاب. وكان هذا سيبدو اكثر وضوحاً لولا مجموعة الديبلوماسيين السابقين الذين يعملون لهذه الحكومة الاجنبية". اريد من القارئ ان يلاحظ معي شيئاً يتكرر في عمل انصار اسرائىل، هو نقل التهمة الى الآخر، فاسرائىل بلد ارهابي خالص، وحكومته تضم مجموعة من مجرمي الحرب، فلا يتحدث عنها امثال بيرل، وانما عن السعودية، وربما سورية او ايران او غيرها، وبما ان بيرل وفايث وبقية العصابة يكتبون دفاعاً عن اسرائىل، وقد تسربوا الى الادارة كسرطان خبيث لخدمتها، فإنهم يتحدثون عن ديبلوماسيين سابقين يعرفون الشرق الاوسط. وليست لهم مصلحة ذاتية معه، وانما يكتبون الحقيقة كما يرونها من منطلق خبرتهم، ومن دون ان يعانوا من مشكلة الولاء لإسرائىل لا يوجد ولاء مزدوج مزعوم، فعصابة اسرائىل موالية لإسرائىل وحدها. الصيف الماضي ازال بيرل اقنعته، ومجلس سياسة الدفاع الذي استقال من رئاسته الاسبوع الماضي، وبقي عضواً فيه، استضاف باحثاً فرنسياً في مؤسسة راند هو لوران مورافيك وصف المملكة العربية السعودية بأنها عدو الولاياتالمتحدة ونصح الادارة الاميركية بانذارها ان تتوقف عن دعم الارهاب، او تحجز الاموال السعودية في الولاياتالمتحدة، وتغزو اميركا آبار النفط السعودية وتسيطر عليها. ومرة اخرى، لعل القارئ لاحظ نقل التهمة الى الآخر، فاسرائىل اكبر سبب للمشكلات التي تواجهها الولاياتالمتحدة في الشرق الاوسط والعالم، وقد أدى الالتزام الاميركي بها على رغم سياستها النازية المجرمة الى جعل الولاياتالمتحدة بلداً مكروهاً، سفاراته قلاع محصنة، ومواطنوه غير آمنين على ارواحهم، وديبلوماسيوه يتنقلون تحت الحراسة. اما بيرل الذي كتب في 22 من الشهر الماضي ان صدام حسين سيسقط بسرعة فكتب في آخر الشهر مفسراً سقوطه، ومهاجماً الصحافة التي فضحته. كان يفترض ألاّ يصل صهيوني متطرف منحرف الى اي منصب رسمي في اي ادارة، ومع ذلك بيرل وصل، وعندما سقط لم يكن سقوطه بسبب سياسته العنصرية، وانما بسبب مصالح تجارية ومخالفات. في عدد 17 آذار مارس كتب سايمور هيرش مقالاً طويلاً في مجلة "نيويوركر" تحدث فيه عن غداء في مرسيليا في الثالث من كانون الثاني يناير الماضي ضم مع بيرل رجلي اعمال سعوديين، على خلفية شركة باسم ترايريم تريد استثماراً في تكنولوجيا ومعدات وخدمات مفيدة للأمن الداخلي، وتقول انه مع زيادة الارهاب. فثمة حاجة الى مثل هذه البضائع في المملكة العربية السعودية وأوروبا وسنغافورة. بيرل شريك في ترايريم، وهو يتهم السعودية بالارهاب من ناحية، ثم تحاول شركته مساعدة السعودية ضد الارهاب. وربما عدت بالقارئ هنا الى الثمانينات، فقد بقي بيرل في وزارة الدفاع من سنة 1981 الى 1987. وفي سنة 1983 جرى تحقيق معه بتهمة محاولته نصح الجيش الاميركي بشراء اسلحة من شركة اسرائىلية. وفي حين ان تجارة بيرل لا تهمني والقارئ في شيء فإنها اسقطته، لا سياسته الساقطة. وكان ستيفن لاباتون كتب الشهر الماضي في "نيويورك تايمز" عن علاقة بيرل مع شركة غلوبال كروسنغ، وهي شركة اتصالات مفلسة، استعانت به للتغلب على معارضة البنتاغون دخولها شراكة مع بليونير من هونغ كونغ. وكررت المعلقة الممتازة التهمة في الجريدة نفسها في 23 من الشهر الماضي. وقرأت ان بيرل حضر الشهر الماضي مؤتمراً لغولومان ساكس كان هدفه نصح زبائن البنك عن فرص الافادة من ذيول الحرب على العراق. وكان المؤتمر تحت عنوان "العراق الآن: كوريا الشمالية بعده؟" وبيرل عضو في شركة بريطانية اسمها "اوتونومي كوربوريشين" فازت بعقد فيديرالي كبير للأمن الداخلي. يبدو ان بيرل يحب البذخ ويحتاج بالتالي الى فلوس، وله بيت صيفي في سان بول او فانس، في جنوبفرنسا، حيث يقيم مشبوهون آخرون. غير ان تجارته آخر هموم العربي، فالمشكلة مع سياسته المتطرفة ضدنا، وذهابه لن يحل المشكلة، فأعضاء العصابة الليكودية باقون في مراكز الحكم، وشخصياً اعتبر 13 آذار الماضي يوماً تاريخياً، ففيه وقف وزير الخارجية امام لجنة فرعية للاعتمادات في مجلس النواب، ونفى وجود عصابة يهودية من مسؤولي الصف الثاني تقول للرئيس ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع ومستشارة الامن القومي ما هي السياسة التي يجب ان تتبعها الولاياتالمتحدة؟ بالنسبة اليّ، النفي هذا يؤكد وجود العصابة، وهو ما نعرفه جميعاً، وأكمل غداً.