قبل اسبوع من نهاية الشهر الماضي جمعتني مناسبة اجتماعية مع رئىس وزراء عربي، وتحدثنا عن أمور مختلفة وقضايا عدة، وقلت له انني في سبيل كتابة مقال عن الحملة المستمرة على المملكة العربية السعودية في الصحافة الغربية، خصوصاً الاميركية، وهو رد برواية قصة يعرفها عن ريتشارد بيرل، رئىس مجلس سياسة الدفاع، فعندما لُفت نظر هذا الصهيوني الليكودي الشاروني، الى ان السياسة الاميركية ازاء العراق، ستؤدي الى أخطار على دول المنطقة كافة، وتهدد المصالح الاميركية، لم يهتم بيرل بهذه المصالح، وإنما قال بلؤم ظاهر ان من المفيد او المناسب لمن؟ ان تخاف السعودية أو تقلق كانت الترجمة الحرفية للعبارة "تتصبب عرقاً قليلاً". وأكتفي من الرواية التي سمعتها بما سبق، فرئىس الوزراء لا يزال في الحكم، وهو لم يرو لي متوقعاً النشر. وكتبت مقالاً عن الحملة الرهيبة على السعودية في اول هذا الشهر من دون أن أشير الى قصة رئىس الوزراء الصديق، فالمادة المتوافرة أكبر كثيراً من أن تحيط بها عجالة صحافية. لا بد ان كل قارئ سمع في الايام الاخيرة عن تقرير قُرئ في مجلس سياسة الدفاع، وهو هيئة استشارية، يقول ان المملكة العربية السعودية عدو للولايات المتحدة لا حليف، وانها "نواة الشر، والمحرك الاول للارهاب، وأخطر خصم" في الشرق الاوسط. كنت دائماً راضياً عن السياسة الخارجية السعودية من منطلق ثقتي بالأمير سعود الفيصل والحكومة التي يمثلها، الا انني لم اتصور يوماً ان تكون هذه السياسة من النجاح والتأثير ان تخرج كلاب اسرائىل عن طورهم، فيلقوا الأقنعة ليكشفوا من جديد "عصابة الشر" الاسرائىلية التي ضربت الجسم السياسي الاميركي كسرطان خبيث. لن اعود الى التقرير، فالقارئ لا بد قرأ ما يكفي عنه ومنه، وانما اكتفي ببعض التفاصيل. - ريتشارد بيرل يكره العرب والمسلمين، لذلك فأحقاده على السعودية مضاعفة، وهو "الشرير" في كتاب "شبكة أرمجدون" للصديق مايكل سابا، وباختصار شديد فقد كان هذا الاستاذ العربي الاميركي في مطعم فندق ماديسون، حيث كان مكتبي، وسمع صدفة على طاولة مجاورة حديثاً بالانكليزية والعبرية، وأكتشف بعد ذلك ان موظفاً في وزارة الخارجية الاميركية هو ستيفن براين يعطي وفداً اسرائىلياً زائراً صور القواعد السعودية. وعندما أوقف براين عن العمل خلال التحقيق معه، ضمّه بيرل اليه في وزارة الدفاع حيث كان يعمل وكيلاً لها. - لا بد ان ما سبق صحيح مئة في المئة، فقد نشره مايكل سابا في كتابه، ولو انه اخطأ لكان بيرل وبرايت وبقية العصابة الاسرائىلية رفعوا عليه قضايا و"شلّحوه" ثيابه. - ميثاق "اللجنة الاستشارية لمجلس سياسة الدفاع" وهذا هو الاسم الكامل، ينص على ان عمله استشاري خالص، وهو يفترض ان يكون هيئة مستقلة تعنى بقضايا الدفاع، الا انه مع بيرل هيئة اسرائىلية على حساب قضايا العالم ومصالحه، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. ويتألف المجلس من حوالى 30 عضواً لا يزيد عدد المسؤولين الحكوميين بينهم على اربعة. وقد ابرم ميثاق المجلس في الثالث من آب اغسطس السنة الماضية، ومدته سنتان الا اذا جدد قبل نهايته. - كاتب التقرير باحث فرنسي يعمل لمؤسسة راند هو لوران مورافيتش، الا انه "يتبنى" اميركا وهو يقول ان "المملكة العربية السعودية تؤيد اعداءنا وتهاجم حلفاءنا"، ويقصد بالحليف اسرائىل، بلده الحقيقي، فيطالب بوقف التصريحات السعودية المعادية لاسرائىل، ويقترح "استهداف" آبار النفط السعودية والأموال السعودية في الخارج. - هنري كيسينجر اذكى من ان يؤيد مثل هذا الكلام علناً، وهو استُصْرِح فقال ان السعودية ليست عدواً الا انه زاد "انهم يعملون في منطقة صعبة، ونستطيع في النهاية ادارتهم". وأطلب من القارئ ان يفكر في الكلمة الاخيرة وكيف يقترح كيسينجر ان "تدير" الولاياتالمتحدة السعودية. - في المقابل، هناك شارونيون شريرون معروفون بين اليهود الاميركيين زادوا على البحث الاسرائىلي الهوى، وقال كنيث ادلمان، وهو مساعد سابق لوزير الدفاع دونالد رمسفيلد، ان من الخطأ اعتبار السعودية حليفاً للولايات المتحدة. وأيده ايليوت كوهن، خبير الاستراتيجية العسكرية في جامعة جونز هوبكنز، وقال ان مزيداً من الناس يقصد مزيداً من عملاء اسرائىل يرون هذا الرأي في السعودية. - من وراء هذه الحملة؟ لا احتاج والقارئ الى بحث او تفكير، فالعدد الحالي من مجلة "كومنتري" التي تصدرها اللجنة اليهودية الاميركية يتضمن مقالاً بعنوان "اعداؤنا السعوديون". اذا كان السعوديون اعداء اسرائىل، وهم كذلك، فكل عربي ومسلم سعودي. وان كان لي ان اختتم بشيء، فليس كل يهودي اميركي شاروني قاتل، وهناك عادلون معتدلون كثيرون بين اليهود الاميركيين يفضحون الجرائم الاسرائىلية ويدينونها باستمرار، لذلك يجب الترفع عن الرد على العنصرية الصهيونية الاميركية الاسرائيلية بمثلها. وكنت قبل يومين تحدثت الى اخوان في السلطة الوطنية قالوا حرفياً انه لولا التأييد السعودي والمصري "كنا ضعنا"، فدرس الحملات على المملكة العربية السعودية هو ان سياستها مؤثرة وفاعلة.