عاد الوضع الأمني داخل مخيم عين الحلوة الفلسطيني الى الواجهة من جديد بعد اندلاع اشتباكات ظهر امس هي الأعنف منذ سنوات استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة وقذائف ال"آر بي جي" ما أدى الى سقوط ثلاثة قتلى وأكثر من عشرين جريحاً. وسجلت حركة نزوح كثيفة الى خارج المخيم. ودارت الاشتباكات بين حركة "فتح" التابعة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات و"جماعة النور" المنشقة عن "عصبة الانصار" التي يتزعمها عبدالله شريدي الذي كان تعرّض الجمعة الماضي الى محاولة اغتيال أصيب خلالها اصابات خطيرة، وسرعان ما توسعت الاشتباكات لتشترك فيها "عصبة الأنصار" والجماعات المتطرفة. وكان التوتر بلغ حداً لم يشهده المخيم منذ سنوات، بسبب اصرار "جماعة النور" على دفن جثتي يحيى شريدي عم عبدالله، وفؤاد جبر فرهود اللذين قتلا أثناء محاولة قتل عبدالله في مقبرة تجمع المدارس في المخيم بعد الصلاة عليهما في المكان نفسه. وهي منطقة خاضعة كلياً لسيطرة "فتح" والكفاح المسلح الفلسطيني ورفضت "فتح" السماح بذلك وأصرت على تنفيذ الاتفاق على دفنهما في المقبرة الجديدة الواقعة في منطقة سيروب خارج المخيم، خصوصاً ان جثتيهما كانتا نقلتا الى براد مستشفى الهمشري. وازاء اصرار كل من "فتح" و"جماعة النور" على موقفها، توتر الجو فجأة وبدأ تبادل اطلاق النار بين حي البراكسات الذي تتواجد فيه "فتح" بكثافة وحي الصفصاف معقل "جماعة النور" الذين لا يزيد عددهم على أربعين شخصاً. ولم تسجل محاولات اقتحام خلال الاشتباكات التي ادت الى سقوط عدد من القتلى والجرحى وتدمير عدد من المنازل واحتراق محال تجارية. ولم تفلح المحاولات التي شارك فيها عدد من مسؤولي الفصائل الفلسطينية الجبهتان الشعبية والديموقراطية، ومنظمة الصاعقة وحركتا "الجهاد الاسلامي" و"حماس" واللجان الشعبية في التوصل الى وقف لاطلاق النار، بل اشتدت المعارك مع دخول "عصبة الانصار" بقيادة أبو طارق السعدي شقيق أحمد عبدالكريم السعدي "أبو محجن" على الخط على رغم الخلاف الناشب بينها وبين "جماعة النور" المنشقة عنها. وتضاربت المعلومات حول اشتراك "العصبة" في المعارك، اذ أكدت مصادر فلسطينية، قيام مجموعة مسلحة تابعة لها بالقتال الى جانب "جماعة النور" اضافة الى مجموعات صغيرة تنتمي الى تنظيمات أصولية متطرفة قالت مصادر اخرى انها لم تشارك بقرار صادر عن أبو طارق وإنما بمبادرات فردية. لكن من المؤكد ان جماعة عماد ياسين المنشقة ايضاً عن "جماعة النور" شاركت مع الاخيرة في الاشتباك. ولفتت مصادر مطلعة في المخيم الى ان عناصر الجماعات المتطرفة استنفروا قواهم، اما لنصرة "جماعة النور" وإما تجنباً لدخول "فتح" الى حي الصفصاف، ما يعني القضاء على نفوذهم ايضاً. ونقل مسؤولون فلسطينيون من التنظيمات التي وقفت على الحياد عن أبو طارق السعدي خلال الاتصال به لدعوته الى التجاوب مع مساعيهم لوقف اطلاق النار وسحب المسلحين انه يخشى ان يكون لدى "فتح" مضروع سياسي ما تخطط عبره لتغيير موازين القوى في المخيم وصولاً الى السيطرة عليه سياسياً وعسكرياً لتوجه بذلك رسائل الى الداخل اللبناني ومنه الى الخارج بأن الأمرة من الآن وصاعداً اصبحت لها وان لا مكان للمتطرفين في المخيم. واكد هؤلاء ان السعدي أبلغهم انه لا يدافع عن "جماعة النور" ولا يحشد قواه الى جانب عبدالله شريدي وهو على نزاع معه وكان انشق عن "العصبة" وأساء الى سكان المخيم عندما ارتكب جرائم عدة. لكنه مضطر للدفاع عن النفس نظراً الى ان الحشد الذي اعدته "فتح" يفوق بكثير قدرة "جماعة النور" على المقاومة. وحاولت التنظيمات المحايدة التدخل لوقف المعارك بناء لنداء سكان المخيم الذين سارعوا الى توجيه نداءات الاستغاثة عبر مكبرات الصوت في المساجد والمركز الدينية من اجل حقن الدماء وحماية المدنيين. كما شارك في المساعي نائبا صيدا بهية الحريري واسامة سعد وإمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود وقياداتها الروحية واحزابها السياسية اضافة الى ممثلين ل"حزب الله" وحركة "امل" في صيدا. وشدد الجميع على ضرورة وقف اطلاق النار من دون شروط وترك معالجة المشكلات الى اجتماع لبناني - فلسطيني موسع يعقد في دار الفتوى في صيدا. وعلى هذا الاساس توجه امين سر اللجان الشعبية عبد مقدح الى حي الصفصاف والتقى ابو طارق السعدي في حضور مسؤول "الحركة الاسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب من اجل حثه على التجاوب مع مساعي التهدئة خصوصاً أن "فتح" كانت أعلنت عبر مكبرات الصوت في المخيم عن تجاوبها. ورأى ممثلو معظم الفصائل التي لم تشارك في القتال رداً على سؤال عن الخلفية السياسية لتوسيع دائرة الاشتباكات ان الهدف قد يكون اعادة فتح ملف اللاجئين من باب تأكيد حق العودة غير المشمول ب"خريطة الطريق"، وأن الاشتباكات ليست بريئة و لا معزولة عما يدور اقليمياً. وأكدوا ان لكل الأطراف مصلحة في اعادة تحريك ملف اللاجئين لكن هناك من يسعى الى الإمساك وحده بالورقة وإلغاء الآخرين. وأكد هؤلاء ان حصر الأسباب بمحاولة اغتيال شريدي لا تبرر هذا الحشد من المسلحين وكثافة النيران التي استخدمت لا سيما ان الأخير شبه معزول في المخيم وليس هناك من يود حمايته. وأشاروا الى ان غياب المرجعية السياسية بسبب استمرار التباين في المواقف السياسية من "خريطة الطريق" لا يمنع من التوافق على مرجعية امنية يشارك فيها الجميع. وقال المسؤول في اللجان الشعبية عبد مقدح ان اللجان الشعبية والهيئات والفاعليات اذاعت بياناً مماثلاً لبيان كانت اذاعته "فتح" ومن بعدها المجموعة الإسلامية لكنه خرق ما دفع باللجان والفصائل الى تجديد مساعيها وتوزعت في الوقت نفسه على حي الصفصاف والبراكسات للعمل من اجل السيطرة على الموقف. الضحايا ادت الاشتباكات الى سقوط ثلاثة قتلى فلسطينيين هم: أحمد قاسم وأحمد سلامة مدنيان اضافة الى أسامة عثمان وهو عنصر في حركة "فتح"، كما أدت الى سقوط أكثر من 20 جريحاً عرف منهم: محمد زين العابدين، وسام عبدالله كرامي، صفاء حسان الحسين، وعاطف علي موسى، ومراسل جريدة "الديار" ووكالة "فرانس برس" محمود الزيات الذي أصيب برصاصة في ساقه خلال تغطية الاشتباكات ونقل الى مستشفى غسان حمود في صيدا، اضافة الى جرحى آخرين نقلوا الى مستشفيات المخيم وعياداته تعذّرت معرفة أسمائهم وعددهم. وعرف من الذين نقلوا الى مستشفى الهمشري القتيل سامر عثمان والجرحى: صفاء حسين الحسين وعليا مبروكي ووسام عبدالله كرمي وأحمد علي موسى ومحمد عيسى حمادة وعاصي محمد جبر ووصيفة الحاج حسن وأشرف غسان العقدة وهاني طه ياسين وزكي ابراهيم الطويل ويسار شحادة.