تجنبت اسرائيل، على غير عادتها، تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية العملية الاستشهادية في تل ابيب فجر امس واكتفت مصادر سياسية رفيعة لم تكشف الاذاعة العامة عن هويتها بالقول ان العملية تؤكد "الحاجة الملحة" الى قيام الحكومة الفلسطينية بمحاربة "الارهاب" بقوة وحزم واجتثاثه من جذوره، بينما سارعت جهات أمنية الى خفض مستوى التوقعات الاسرائيلية من رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمود عباس أبو مازن على خلفية نيته التحاور مع الفصائل الفلسطينية المختلفة وليس ضرب بنيتها العسكرية كما ترجو اسرائيل. ورأت المحافل السياسية ان عملية أمس تعزز الموقف الاسرائيلي، في الحلبة الدولية، القائل بوجوب نزع الأسلحة عن التنظيمات الفلسطينية وان تل ابيب تنتظر من أبو مازن ووزير الدولة لشؤون الأمن الداخلي محمد دحلان اتخاذ خطوات ملموسة لإحباط محاولات هذه التنظيمات لتنفيذ المزيد من العمليات "وفي الوقت ذاته سيواصل الجيش عملياته في المناطق الفلسطينية كما فعل في العامين الأخيرين". وعلى رغم موقف قادة شعبة الاستخبارات العسكرية وكبار مسؤولي الاستخبارات العامة المتشائم حيال ما يصفونه "عدم رغبة أبو مازن في احداث تغيير جذري في السياسة الفلسطينية" وان ما سيحققه لا يلبي التوقعات الاسرائيلية منه، أوصى تقرير اعدته "جهات مختصة" المستوى السياسي بمنح رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد "مهلة ليبسط سيطرته ويثبت موقعه لينجح في تصريف أمور الحكومة، وفي الآن نفسه تراقب اسرائيل ما يقوم به من جهود لمحاربة الارهاب". ويحذر التقرير أقطاب الدولة العبرية من معانقة أبو مازن "عناق الدب" على نحو يمس بهيبته في الشارع الفلسطيني فينصحونهم بعدم اقامة علاقات علنية مباشرة معه لتفادي اتهام اسرائيل بالتدخل في شؤون الفلسطينيين "ما قد يعزز مكانة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وينزع الشرعية عن أبو مازن". وينصح التقرير بأن تتم الاتصالات عبر قنوات سرية وان يتم نقل الرسائل المتبادلة عن طريق مصر والأردن وابلاغهما بأن تل ابيب معنية بتقوية أبو مازن. ويرى التقرير وجوب حض واشنطن على انتهاج سياسة تقوم على تقديم "الجزرة" لرئيس الحكومة الفلسطينية الى جانب بث الانطباع بأن الولاياتالمتحدة تتوقع منه ان يقود الفلسطينيين الى تغييرات حقيقية. الى ذلك، يحذر التقرير من امكان ان يقود الدعم الأوروبي لأبو مازن الى ممارسة ضغوط على اسرائيل لتخفيف حدة اجراءاتها العسكرية ضد الفلسطينيين ولتمكين أبو مازن من تحقيق برنامجه السياسي. أما "ما تخشاه اسرائيل فعلاً فهو استعادة السلطة الفلسطينية مكانتها الدولية وان يكون أبو مازن مجرد ورقة توت لعرفات الذي ما زال يمسك بزمام الأمور، كل هذا من دون ان تبذل الحكومة الفلسطينية جهوداً فعلية لمحاربة الارهاب". وفيما أفادت الاذاعة العبرية ان رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون قرر ارجاء دعوة أبو مازن للقائه في القدسالمحتلة، كما سبق واعلن عشية تشكيل الحكومة الفلسطينية قالت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان أبو مازن هو الذي طلب من اسرائيل ارجاء اللقاء حتى يتمكن من تثبيت أقدامه وليتفادى احتمال ان يتسبب لقاء كهذا في أذيته في أوساط الفلسطينيين". وتابعت الاذاعة العسكرية، نقلاً عن قريب من أبو مازن انه طالب دحلان بفتح حوار مع حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" في غزة لاقناعهما بوجوب وقف العمليات العسكرية ضد اسرائيل وانه ينوي ايضاً استئناف "حوار القاهرة" مع قادة الفصائل الفلسطينية المختلفة المقيمين خارج الأراضي الفلسطينية. واضافت ان ابومازن يشهد التشجيع في خطواته من الغالبية الساحقة في المجلس التشريعي الفلسطيني التي منحت الثقة لحكومته "ما سيتيح له هامشاً كبيراً من حرية النشاط". الى ذلك، اتسمت غالبية التعليقات الصحافية الاسرائيلية على خطاب أبو مازن بالترحيب الحذر "فقد تضمن مواقف ايجابية لكنه أرفقها بآراء لا يمكن اعتبارها مشجعة لإنجاح المفاوضات". وكتب داني روبنشتاين في "هآرتس" يقول ان ابو مازن تحدث بشكل معتدل، لكن المضمون جاء متشدداً خصوصاً في المسائل الرئيسية مثل الانسحاب التام من المناطق المحتلة عام 1967 ومطالبته بتفكيك المستوطنات وعن تنازله عن حق العودة بموجب القرار الدولي 194. وتابع: لقد عبر أبو مازن، بطريقة معتدلة عن المواقف ذاتها التي أعلنها عرفات في جلسة المجلس التشريعي وبلهجته الحماسية المعهودة".