هل يستحق محمد الصحّاف، وزير الإعلام العراقي "المخلوع" والمختفي كلّ هذه الضجّة الإعلامية؟ هل كانت الأيام العشرون التي كان فيها "نجماً" تلفزيونياً كافية لأن تجعل منه أسطورة على رغم انتهاء الحرب؟ طبعاً هناك مبالغة في الضجّة المثارة حول محمد الصحّاف ولا ندري تماماً مَن وراءها؟ فالوزير العراقي لا يمكن نعته إلا ب"الظُرف" والطرافة وخفّة الدم... ليس أكثر. هذا إن اكتفى الجمهور بما كان يدلي به خلال اطلالاته التلفزيونية من أكاذيب وعبارات ومفردات ملؤها القدح والذمّ والبطولة... أمّا إذا شاء الجمهور العربي أن يحاسبه على أقواله انطلاقاً من موقعه الرسميّ كوزير للإعلام فهو لن ينجو من التهم الكثيرة وهي غير بريئة في معظمها. هكذا بدا محمد الصحّاف صورة عن النظام البعثي العراقي: كذب وتلفيق وانتصارات وهميّة وشعارات فارغة ورنّانة وبطولات وهمية تلهي الجمهور العراقي والعربي. فالوزير يجيد الخطابة مثل رئيسه السابق ومثل نظرائه، وزراء ومسؤولين بعثيين. أجل الخطابة لا الكلام العاديّ والواقعي. فالمناضلون العرب خطباء متفوّهون في معظمهم والخطابة سلاح أوّل وأخير في حسبانهم وبين أيديهم! ماذا فعل محمد الصحّاف كي يستحقّ كلّ هذا الصخب وكي يقام موقع الكتروني باسمه وتطبع صوره على القمصان؟ ماذا فعل أكثر من أنّه أجاد وبرع في الكذب والكذب والكذب؟ صحيح أنّ شتائمه كانت ظريفة وأن العبارات التي استخدمها كانت جديدة في الحقل الإعلامي العلوج، العكاريت، الطراطير، جحوش الاستعمار...! وصحيح أيضاً أنه تجرأ على شتم بوش وبلير شخصياً ومباشرة ومن دون تورية! لكنّ الأصحّ انه أظهر مدى غباء الإعلام العراقي وهو أعلام عربي بامتياز في خوضه الحروب والمعارك. غباء يفوق الوصف. ولم يكن ترحيب الإعلام الغربي بالصحاف إلا انطلاقاً من كونه شخصية فانتازية ونادرة. كان الجنود الأميركيون يحتلّون ضواحي بغداد ويدخلون المطار وكان الصحّاف يصرّ على أنّهم يموتون على أسوار بغداد. وفيما كان العراقيون الذين شاهدناهم على الشاشات هزيلين ومنهكين ومتعبين وكأنهم لم يناموا ولم يأكلوا منذ أيام، كان الصحّاف يطل بوجه منفوخ كالرغيف الطازج وذقن حليقة وابتسامة ساذجة. وهكذا كان يبدو أزلامه الذين يقفون وراءه مرتدين الثوب العسكريّ تيمناً بالرئيس الأعلى. أما رأي الرئيس الأميركي جورج بوش في محمد الصحّاف فلم يخلُ من السخرية والهزء لا من الصحاف كوزير عراقي فحسب وإنّما ممّا يمثل من مقامات و"رموز"! و"مفاهيم" ونماذج. وكم بدت مزحته خبيثة عندما قال ان الصحاف رجله المفضل. ربّما وفِّق الإعلام البريطاني في وصف الصحاف ب"المهرّج". كريم بقرادوني الوزير اللبناني أبدى اعجابه بالصحاف في احدى الحلقات التلفزيونية وراح يشبّر بيديه كعادته محللاً "منهج" الصحاف الذي غزا به الغرب. وكاد أن يشبهه بعض الشبه في سَوْق بعض الجمل غير القابلة للتصديق! عشرون يوماً لم تكن كافية لصنع هذه الأسطورة التي تدعى محمد الصحّاف، لكنّها كانت كافية لتؤكّد كم ان نظاماً عربياً بعثياً عريقاً وديكتاتورياً هو في مثل هذه الهشاشة والخنوع. ويكفي أن يكون الصحّاف وجهه الإعلامي وبوقه المثقوب!