عزيزتي جسيكا، أولاً، اسمحي لي ان أتمنّى لك الشفاء العاجل من اصابتك في الحرب التي زجتك بها حكومتك ورئيسك، من دون ان تسألي نفسك ماذا وراءها. حقاً، قد تكون هنالك مصالح لدولة عظمى وراء الشعارات السائغة المطروحة علناً. ولكن، هنالك نتيجة اخرى ترتّبت عن هذه الحرب، وهي نتيجة لا يمكن الا ان يفرح لها المرء، هذا اذا كان للإنسان ان يفرح لحرب أصلاً. فها هي هذه الحرب قد انتهت أو قد قاربت على الانتهاء، وقد ذهب جلاد العراق الى غير رجعة، ولعلّ في هذه النتيجة ما يكفي للفرح. لقد انتظر الشعب العراقي طويلاً هذه اللحظة، وها هي قد أزفت ورحل الجلاد وزمرته الى الغيب. وعلى رغم كل المآسي التي نجمت عن هذه الحرب فإن الشعب العراقي سعيد جداً بالانعتاق من قبضة هذا السفاح. اذاً، دعينا نتمنى معاً لهذا الشعب، بجميع فئاته وطوائفه وشعوبه كل الخير، ودعينا نتمنّى له تحقيق أحلام الحرية والعيش الكريم. كنت أود ان أتمنى للآخرين، زملاء وزميلات مثلك، في العراق ان يحققوا طموحاتهم وأحلامهم، غير ان ثمة أمراً ما يسدّ عليّ الطريق فلا أستطيع ان أفعل ذلك. لا، الأمر ليس ما قد يتبادر الى الذهن. إنه شيء آخر تماماً. إنه أمر يتعلق بالفرد في هذا الجزء من العالم. عزيزتي جسيكا، هل تدرين انني استطيع التوجه إليك شخصياً ولا أستطيع ان أفعل الأمر ذاته مع جندي عراقي، مع مواطن عراقي؟ لا، ليس بسبب عدم رغبتي في عمل ذلك، فلقد جلست ساعات وساعات أمام الصور التي تناقلتها الفضائيات، الغربية والعربية، وحاولت ان أبحث عن شخص ما، فلم أعثر له على أثر. قرأت الصحف العربية، واستمعت الى الاذاعات العربية فعدت بخفّي حنين. لم أر فرداً عراقياً واحداً في هذه الحرب. هل تعرفين انني لا أستطيع كتابة رسالة شخصية الى زميل عراقي لك. لا أستطيع ذلك لأن وسائل الاعلام العراقية والعربية، كلها ومن دون استثناء، لم تعرّفني على أحد من هؤلاء. وهل تعرفين مثلاً، ان العرب يعرفون عدد الجنود الأميركيين القتلى في هذه الحرب ولا يعرفون عدد الجنود العراقيين القتلى؟ هل تعلمين ان جميع العرب يعرفون اسمك أنت، بينما لا يعرفون اسم جندي عراقي واحد؟ وها أنا أكتب لك هذه الرسالة الشخصية، لأنني لا أملك أن أكتب رسالة مشابهة لجندي عراقي أو لمواطن عراقي في صورة شخصية، لأن الإعلام العربي من المحيط الى الخليج لم يزوّدني ولو باسم واحد. لم يزوّدني بقصة انسانية واحدة أستطيع ان أرى عبرها معاناة الانسان العراقي، الفرد العراقي. الإعلام العربي، يا جسيكا، بخلاف إعلامكم، لا يهتم بهذه "الأمور الفردية التافهة"، لأنه، كما يدّعي، صاحب قضية كبرى. ولأن كل قضايا الإعلام العربي هي قضايا كبرى فهو لا يجد متسعاً من الوقت للذهاب مثلاً الى عائلة واحدة من عائلات آلاف الجنود العراقيين الذين زجّ بهم النظام السادي العربي في غياهب السجون والموت. لا يجد متسعاً من الوقت للتركيز على قضية انسانية واحدة، لأن الانسان العربي في عرف هذا الاعلام هو هباء، مجرّد هباء. معذرة لأنني أتوجه عبرك بهذه الرسالة، فما من سبيل آخر لديّ. وأخيراً، أتمنّى لك الشفاء من ويلات هذه الحرب، وأتمنى لنا نحن العرب شفاء آخر، شفاء نفوسنا وعقولنا من هذا المرض المزمن الخبيث. * كاتب فلسطيني.