على وقع هتافات العشرات من المتظاهرين الفلسطينيين الممجّدة ل"كتائب شهداء الاقصى" الجناح العسكري لحركة "فتح" والرئيس ياسر عرفات ولآلاف المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، بدأت امس مراسيم جلسة المجلس التشريعي الخاصة للتصويت على حكومة اول رئيس وزراء في النظام السياسي الفلسطيني محمود عباس أبو مازن وسط أجواء ودية بين الرئيس ورئيس وزرائه. ولاقى البيان السياسي الذي ألقاه "ابو مازن" ردود فعل متباينة في مداخلات اعضاء المجلس التشريعي التي سبقت التصويت على منح الحكومة ثقة المجلس. ولوحظ وجود كثيف لأهالي المعتقلين الفلسطينيين في سجون اسرائيل داخل المجلس. ووضع النواب صورتي النائبين مروان البرغوثي وحسام خضر المعتقلين لدى اسرائيل على مقعدين داخل قاعة المجلس. في الوقت الذي واصلت فيه قوات الاحتلال الاسرائيلي عمليات القتل والتوغل في غير مكان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، عرض رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن الخطوط العريضة لسياسة حكومته المستقبلية في بيان سياسي طويل رسم من خلاله الاستراتيجية الفلسطينية المستقبلية ضمن القاسم المشترك للثوابت الوطنية الفلسطينية المتمثل في "اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة" و"حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على اساس الشرعية الدولية" وتعتمد بالاساس على خطة "خريطة الطريق" التي اعلن "ابو مازن" التزام حكومته بها، مشدداً على انها "خطة للتنفيذ وليس للتفاوض وندعم اصرار القيادة الفلسطينية على عدم القبول بما وصف بالتعديلات الاسرائيلية عليها". وسادت اجواء تشاؤمية اوساط المجلس التشريعي حيال الرد الاسرائيلي على الحكومة الفلسطينية الجديدة اذ رأت الغالبية ان حكومة "ابو مازن" ستواجه بتعنت من جانب الحكومة الاسرائيلية. وقال النائب صلاح التعمري ل"الحياة" ان من الواضح لدى الفلسطينيين جميعاً ان اسرائيل ستسعى الى إفشال حكومة "ابو مازن" قبل اقلاعها، وان خطة "خريطة الطريق ستسوى في واشنطن وليس عند الفلسطينيين وطالما لا تضغط الادارة الاميركية على حكومة شارون فإن الفلسطينيين لن يروا الضوء في آخر النفق". واستهل "ابو مازن" كلمته بأن خاطب الرئيس الفلسطيني قائلا: "أخي رفيق دربي الطويل الرئيس ياسر عرفات، رئيس الدولة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية"، مؤكداً ان منظمة التحرير الفلسطينية تشكل "المرجعية الدستورية للحكومة وحاضنة نظامنا السياسي" وموجهاً تحية "إجلال وإكرام الى الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات"، مشيراً الى ان رسالة حكومته هي انهاء وإزالة الاحتلال بكل اشكاله". "فوضى السلاح" وقال ابو مازن ان اولى مهمات حكومته ستكون "إنهاء فوضى السلاح"، مشيراً الى انه سيكون "لا وجود لسلاح غير السلاح الشرعي لحفظ الامن العام وتطبيق القانون". وقال: "لا وجود لمراكز قرار غير مركز القرار الشرعي، سلطة واحدة وقانون واحد وقرار وطني ديموقراطي يلزم الجميع"، وذلك في اشارة الى نيته نزع الاسلحة من فصائل المقاومة الفلسطينية، وتشديداً منه على ان طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية لن تتأتى عبر الحل العسكري. واوضح ان مفهوم السلطة للامن هو "أمن المواطن الفلسطيني وامانه في الوطن بزوال اي تهديد لحياة الانسان وحريته وممتلكاته". وقال "ابو مازن": "سنكون مع التعددية السياسية في اطار الوحدة الوطنية وضد التعددية الامنية" داعياً المعارضة الفلسطينية الى "تطوير حواراتها ومؤسساتها والتوقف عن التحريض والتعبئة السلبية والاستفادة من قانون الاحزاب لإنعاش الحياة السياسية". "خريطة الطريق" وأعلن "ابو مازن" التزام حكومته خطة "خريطة الطريق" التي قال ان الجانب الاسرائيلي يسعى الى تحويلها الى مجال صراع تفاوضي طويل ومعقد عن طريق ارسال اشارات واضحة تحدد فهمه الخاص وطريقته الخاصة للتعامل معها". واضاف: "تعاملنا مع خريطة الطريق لن يتأثر بذلك وهذه الخطة للتنفيذ وليس للتفاوض، وندعم اصرار القيادة على عدم القبول بما وصف بالتعديلات الاسرائيلية عليها وندعو الى الاسراع في اعلانها وضمان تنفيذ بنودها وفقاً للجداول الزمنية وآليات التنفيذ والرقابة الفاعلة وتنفيذ اسرائيل التزاماتها المترتبة عليها". واستدرك ان كل ذلك "لن يكون ذا مغزى مع سياسة الامر الواقع الاسرائيلية المتمثلة بالاستيطان المخالف للقوانين والعائق امام قيام الدولة". وشدد على ضرورة وقف الاستيطان في القدس وحولها ووقف عمليات هدم المنازل والممتلكات والتضييق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الاسرائيلي على المدينة المقدسة. ووصف "الجدار العازل" الذي شرعت اسرائيل بإقامته والذي يبتلع آلاف الدونمات من الارض الفلسطينية بأنه "محاولة اخرى لتدمير فرص السلام وقتل اي امكانية للتوصل الى حل" وتعهد بأن تعمل حكومته على "الغاء هذا المخطط". اللاجئون واشار بيان "ابو مازن" اللاجئ من مدينة صفد الفلسطينية داخل الخط الاخضر الى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مؤكداً ضرورة التوصل الى حل بشأنها على اساس قرارات الشرعية الدولية. وقال ان "مكانة وموقع اللاجئين الفلسطينيين ليس فقط في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي وانما كذلك على الصعيدين العربي والدولي، لأننا نتحدث عن ملايين الفلسطينيين اللاجئين وإدراك اسرائيل لهذه المسألة حملها على القبول بإدراجها ضمن قضايا الوضع النهائي" في المفاوضات. وتعهد "ابو مازن" في بيان حكومته السياسي بالإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية في اقرب وقت ممكن وب"ترتيب الوضع الداخلي بسيادة القانون وجهاز قضائي مستقل فاعل ونزيه"، وتحدث بإسهاب عن ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي المتفاقم في الاراضي الفلسطينية ووضع الآليات للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني. تجميل الاحتلال "لا سلام مع الاستيطان" ووجه "ابو مازن" كلمة للشعب الاسرائيلي قائلاً: "اننا نريد سلاماً دائماً معكم من خلال المفاوضات وعلى اساس الشرعية الدولية وقراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والاتفاقات الموقعة، ونرفض الارهاب من أي طرف كان انسجاماً مع قيمنا". وزاد: "اننا نمد يد السلام اليكم ولكن لن يكون هناك سلام مع استمرار الاستيطان، إما السلام وإما الاستيطان". وقال: "لا نتجاهل عذابات اليهود عبر التاريخ ونريد ان لا يدير الاسرائيليون ظهرهم لعذابات الفلسطينيين جراء الاحتلال". "وضع شاذ" وتوجه "ابو مازن" في نهاية كلمته بالحديث الى الرئيس الفلسطيني وقال: "ان هذه الحكومة يا سيادة الرئيس هي حكومتكم، ومحاصرتكم هي محاصرة لهذا الشعب الفلسطيني … لن نتوانى منذ اللحظة عن العمل الدؤوب لإنهاء هذا الوضع الشاذ … من حق قائد هذا الشعب الحرية والحركة"، مضيفا ان الحكومة الفلسطينية الجديدة ستبذل قصارى الجهود لتأمين اطلاق جميع الاسرى والأسيرات الفلسطينيات الذين زاد عددهم عن 10 آلاف في السجون الاسرائيلية، وعلى رأسهم عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عبدالرحيم ملوح وتيسير خالد وعضو المجلس المركزي ركاد سالم وعضوا المجلس التشريعي مروان البرغوثي وحسام خضر وشيخ المعتقلين احمد جبارة "ابو السكر". كلمة عرفات وكان الرئيس الفلسطيني طالب في كلمته التي افتتحت بها الجلسة الخاصة المجلس التشريعي بمنح حكومة "ابو مازن" الثقة ودعا الاطراف الدولية الى الإسراع في تنفيذ خطة "خريطة الطريق" التي قال ان السلطة الفلسطينية وافقت عليها على رغم التحفظات الكبيرة عليها. وشدد عرفات على ضرورة إزالة الاستيطان من الاراضي الفلسطينية واصفاً التصريحات الاسرائيلية الاخيرة بشأن إزالة "كرافانات" خطوة تجميلية للاحتلال. واكد عرفات ان الشعب الفلسطيني يريد السلام مع الاسرائيليين داخل دولة مستقلة ذات سيادة على الاراضي التي ستنسحب منها اسرائيل الى حدود ما قبل العام 1967. ورفعت الجلسة ساعتين ليتسنى لأعضاء المجلس الانتقال الى المقر الموقت لمجلسهم في مدينة رام الله بعد ان التأمت ظهراً في قاعة في مقر الرئيس الفلسطيني في المدينة لإتاحة المجال له للادلاء بكلمته والاستماع الى كلمة "ابو مازن"، علماً ان عرفات لم يغادر مقر "المقاطعة" منذ 16 شهراً بسبب التهديدات الاسرائيلية. وعاد المجلس للانعقاد في ساعات ما بعد الظهر عندما فتح الباب أمام مداخلات النواب قبل البدء بالتصويت على منح الثقة. ووصف النائب حسن خريشة حكومة "ابو مازن" بأنها "حكومة امنية جاءت لتطبيق خريطة الطريق التي جوهرها زمني اساساً" لافتاً الى وجود وزيري أمن هما وزير الداخلية ووزير الشؤون الأمنية محمد دحلان، وقال: "لدينا تجربة مريرة في الاعتقالات السياسية التي سادت في الاعوام 96 و97 و1998 وشكلت وصمة عار". وقال عضو المجلس التشريعي حنان عشراوي ان هذه الحكومة "انتقالية" ومن اهم مهماتها ان تبقى أقصر فترة زمنية حتى يتم اجراء انتخابات حرة ونزيهة تشكّل بعدها حكومة ذات صدقية. وانتقدت عشراوي ما أسمته الادوات التي اختارها "ابو مازن" لتنفيذ برنامج عمل الحكومة الذي وصفته بأنه "جديد وطموح". واضافت ان عدداً كبيراً من وزرائه كانوا في وزارة تلو وزارة في الماضي عانت جميعها من الفشل. أما النائب احمد البطش فأشار الى ان سيارة وزير الشؤون الامنية محمد دحلان شوهدت وهي تسير بعكس اتجاه السير امس وقال ان "مثل هذا النوع من السلوك اذا استمر فإنه يبشّر بقصر عمر هذه الحكومة". وعقدت الجلسة بعد اجتماع عاصف استمر نحو سبع ساعات وانفض في الساعة الثانية فجراً. وشارك في الاجتماع اعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" واعضاء التشريعي من كتلة "فتح" في المجلس طالبهم خلالها عرفات بمنح حكومة "ابو مازن" الثقة، لتعود الخلافات وتطفو على السطح بين مؤيد لإجراء التصويت على الحكومة فرداً فرداً وبين معارض للتشكيلة ككل وبين مشكك في شرعيتها الدستورية بسبب التأخير في تقديمها عن الموعد المحدد قانونياً. وقال أحد المسؤولين الفلسطينيين الذين شاركوا في الاجتماع انه جرى جدل حاد على اسماء اعضاء الحكومة التي يبدو انه سيتم قبولها على مضض. وكان "ابو مازن" نفسه أقر في ختام بيانه السياسي بوجود تحفظات كثيرة لدى عدد كبير من الاطراف على اعضاء حكومته، لكنه قال: "هذا ما استطعته بعد مشاورات والأخذ بالاعتبارات الداخلية".