على رغم اعلان الحكومة الاردنية عزمها "النهائي" على اجراء الانتخابات النيابية في 17 حزيران يونيو المقبل، ما زال الفتور حيال المشاركة فيها مسيطراً على احزاب المعارضة الرئيسية، والتيارات الاجتماعية الفاعلة خصوصاً العشائر التي تعوّل عليها الدولة كثيراً في احتلال غالبية مقاعد مجلس النواب. ورأ حزبيون ان "موعد الانتخابات خضع مرات للتأجيل منذ حان دستورياً في تشرين الثاني نوفمبر 2001، لدواع سياسية داخلية واقليمية، ارتبطت غالباً بالأزمتين الفلسطينيةوالعراقية، والمخاوف من وصول قوى اسلامية متطرفة الى البرلمان، بسبب التعاطف الشعبي الواسع مع هاتين القضيتين في الاردن". واشاروا الى ان "استمرار التوتر في فلسطينوالعراق ساهم في ترسيخ اقتناع الاحزاب السياسية بأن الانتخابات ستظل مؤجلة سنوات". وقال الامين العام لحزب "جبهة العمل الاسلامي" حمزة منصور ل"الحياة" ان "الجبهة لم تقرر بعد المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها، لان هذه المسألة على رغم اهميتها لم تعد اولوية بالنسبة الى الحركة الاسلامية، بعدما بسط العدوان الاميركي والبريطاني احتلاله على العراق، وفي وقت تواجه القضية الفلسطينية مزيداً من التهميش". واكد ان "الجبهة لا تزال في مرحلة استشارة قواعدها حول المشاركة او عدمها، وتريد ان تتوصل الى قرار مسؤول، يعبّر عن مكانتها ودورها". ولفت الى ان "الفتور العام يسيطر على الاحزاب والمجتمع ازاء الاستحقاق الدستوري الذي يحين في مرحلة تواجه فيها الأمة العربية والاسلامية محناً وتحديات واخطاراً كثيرة". موقف "الجبهة" التي تعتبر الواجهة السياسية لجماعة "الاخوان المسلمين" الأردنية ينطبق على أحزاب المعارضة ال13 التي تشكل "اللجنة التنسيقية العليا" لأحزاب المعارضة، وهي جميعاً لا تريد مقاطعة الانتخابات، ولا تطالب بتأجيلها، لكنها ما زالت تدعو الحكومة الى الغاء نظام "الصوت الواحد للناخب الواحد" الذي كان سبباً مباشراً لمقاطعة الاسلاميين وقوى أخرى حزبية آخر انتخابات تشريعية أجريت في الأردن عام 1997. واعتبر الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني منير حمارنة أن "المهم ليس اجراء الانتخابات أو تأجيلها، بل جدية الحكومة في مواجهة هذا الحدث الوطني، وتقديم ضمانات كافية للقوى الحزبية والاجتماعية للمشاركة فيه، على نحو يبدد الاحباط العام في الشارع بسبب الوضع السياسي المتردي في المنطقة". وقال ل"الحياة" ان "الانتخابات المقبلة ستكون الأولى التي لا توفر للأحزاب الحماسة والدوافع القوية لخوضها"، مرجحاً "ان تسجل نسبة اقتراع قليلة جداً". في المقابل، فإن الحكومة المصرة على اجراء الانتخابات "بنزاهة وحياد أياً تكن الظروف الداخلية والاقليمية"، رمت الكرة بقوة الى ملعب القوى السياسية، ودعتها الى المشاركة، معلنة أن باب الترشيح "سيفتح في 18 الشهر المقبل" وخصصت 1409 مراكز للاقتراع. وشدد وزير الداخلية الأردني قفطان المجالي أول من أمس على أن "التنمية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب من الجميع المشاركة في الانتخابات" التي ستكون الأولى في عهد الملك عبدالله الثاني منذ اعتلائه عرش الأردن في شباط فبراير 1999. وبالنسبة الى القوى الاجتماعية التقليدية، لم تعد الانتخابات مناسبة للتنافس العشائري الذي يعتمد عادة على برامج خدمية لاجتذاب الناخبين. فتخلي الدولة عن العديد من مؤسسات القطاع العام، والاستمرار في برامج التخصيص ساهما في تخلي المرشحين عن وعودهم في "ايجاد وظائف للعاطلين عن العمل، وشق الطرق، وبناء المدارس والمستشفيات". وعبر عن ذلك نائب سابق يتحدر من عشيرة أردنية كبيرة، قائلاً: "الوضع الاقتصادي صعب جداً، والناخبون لن يثقوا بأي برنامج، كما أن أحداً لا يستطيع ان يبيعهم شعارات سياسية عن تحرير فلسطين، بعد الكارثة التي حدثت في العراق". وعلى رغم ذلك يرى مراقبون ان مرشحي العشائر الموالين تاريخياً للدولة، سيحصدون في نهاية المطاف غالبية مقاعد البرلمان ال110، ولو بنسبة اقتراع محدودة. وهذا يصبّ تماماً في مصلحة الحكومة التي لم تمنع الاحزاب من المشاركة، وفي الوقت ذاته لم تستجب مطالبتها بتعديل قانون الانتخابات والغاء اكثر من 130 قانوناً موقتاً، كما لم تتعاطف مع مبررات فتور حراكها السياسي تجاه الانتخابات بسبب ما حدث ويحدث في العراقوفلسطين.