لم تكن حرارة الحرب ما أزعج وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، بل الهدوء الذي سبقها. في اجتماع مع مستشاريه قبل أسابيع من بدء القتال، قال رامسفيلد فجأة، وهو في العادة صاحب رباطة جأش خارقة، "إنني في حاجة الى مساعدة". الأممالمتحدة لن تدعم الحرب. تركيا أغلقت أبوابها في وجه القوات الحليفة. اذ أن رغبته في عمل عسكري سريع ضد العراق جمدت. وكان رامسفيلد يبحث عن طرق لنقل الموضوع من الحلبة الديبلوماسية. وجد نفسه في موقع نادر: لم يكن يمسك بزمام الأمور. ولكن ما أن أعلنت الولاياتالمتحدة وفاة الطرق الديبلوماسية، وبدأت القوات تتحرك والقنابل تسقط، حتى راح التوتر الذي عانى منه. وقال أحد مستشاريه: "كان مرتاحاً جداً، بارعاً ... كان في منطقته". كان العراق حرب رامسفيلد. جرت المعركة بشروطه، وجعل الانتصار فيها منه وزيراً دفاع قوياً في شكل غير مألوف في مرحلة حاسمة من تاريخ المؤسسة العسكرية الأميركية. وجذبت حربان في أقل من سنتين رامسفيلد الى الدائرة الضيقة حول الرئيس الذي لم يكن يعرفه جيداً حتى انتخابات 2000. ... ويقول مارلين فيتزووتر الناطق الصحافي للرئيس جورج بوش الأب: "لم يكن عندنا وزير، ربما باستثناء وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، بارز الظهور تحت الأضواء بهذا الشكل". ويرى مؤيدو رامسفيلد ان الانتصار السريع في العراق، مع عدد قليل نسبياً من الإصابات، يُبرر ان حروباً مستقبلية يمكن الانتصار فيها من خلال عمليات سرية أكثر لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومن خلال قوة خفيفة الحركة، وأجهزة أكثر تعقيداً، ورغبة في توجيه الضربة أولاً. ويقول جيمس شزينغر، وزير الدفاع أيام الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، ان العراق يمكن ان يجعل "الضربة الوقائية أسهل". ... أما غاري هارت، السيناتور الديموقراطي السابق عن كولورادو والخبير العسكري، فيقول ان رامسفيلد استفاد مع عقود من العمل على تحديث المؤسسة العسكرية، بدل ان يكون رائداً في هذا المجال. ويخشى بعضهم ان الانتصار في العراق سيجعل رامسفيلد وآخرين في الإدارة راغبين في استعمال القوة أكثر. ويقول السيناتور الديموقراطي جوزف بيدن، وهو عضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ: "ينتهي الأمر بك بربح قصير الأمد ... لكن ذلك ليس طريقة للتعامل مع العالم". ويقول مساعدون لرامسفيلد ان العمل العسكري قوّى الصلة بينه وبين الرئيس بوش. وقدّم وزير الدفاع للرئيس تقريرين يومياً عن التطورات العسكرية، في حين يتولى البنتاغون الإشراف على عراق ما بعد الحرب. لقد صار السيد رامسفيلد الشخصية التي تُعبّر عن موقف الإدارة الأميركية الخاص باستخدام الهجوم وسيلة للدفاع. انه دور حضّرته له حياته، منذ كان مصارعاً للوزن الخفيف، الى الفترة القصيرة التي صار فيها طياراً مع البحرية، الى العمل في مجال المؤسسات التجارية التي لا رحمة فيها. ... ويقول مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية ان السيد رامسفيلد ثبّت شخصيته، كما يراها البيت الأبيض، عندما شارك بنفسه في عمليات الإنقاذ للمصابين في الهجوم الذي استهدف البنتاغون يوم 11 أيلول سبتمبر. ويقول ريتشارد بيرل، وهو مسؤول سابق في البنتاغون ومستشار تجاري يقدّم مشورة للسيد رامسفيلد: "أُلاحظ يوما بعد يوم وجهات نظر دونالد رامسفيلد ومواقفه من خلال ما يقوله الرئيس بوش". ... ولقد شعرت عائلة بوش بحد سيف رامسفيلد من الجهتين. ففي حين يحترم الرئيس بوش السيد رامسفيلد، فإن والده لا يحبه. فكلاهما، على ما يبدو، وضعا عيونهما على الترشح لمنصب نائب الرئيس مع جيرالد فورد عام 1976. ويقول كينيث ادلمان، الذي عمل مع رامسفيلد في تلك الإدارة، انه ود لو تم اختياره. لكن السيد بوش الأب كتب ان فرصته انتهت بخيبة عندما عُيّن مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية سي اي اي، في خطوة تُبعده عن السياسة. وكتب الرئيس السابق يقول ان زميلاً أخبره ان رامسفيلد، وكان وقتها كبير الموظفين عند فورد، كان وراء تعيينه في الوكالة لإبعاده عن التنافس على منصب نائب الرئيس. وأضاف ان رامسفيلد "نفى الإشاعة بشدة ... وأنا أُصدّقه".