تدخل الكونغرس الأميركي في الصراع الذي انفجر أخيراً بين مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد على التحكم ببرنامج إعادة الإعمار في العراق، حيث انحازت لجنة المخصصات المالية التابعة للكونغرس إلى جانب رامسفيلد. وبدا مسؤولو إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش في صراع مفتوح بشأن إدارة الملف العراقي، كما اتضح من خلال المواجهة بين رايس ورامسفيلد، بعدما أثار تشكيل "مجموعة لارساء الاستقرار في العراق" برئاسة رايس حفيظة رامسفيلد المكلف مبدئيا هذه المهمة بحكم منصبه على رأس البنتاغون. إلا أن لجنة المخصصات المالية أبلغت رايس بأنه لا يحق لها أن تتدخل في كيفية توزيع الموازنة المخصصة للعراق من ضمن ال87 بليون دولار التي أقرها الكونغرس أو طريقة صرفها لمدة 12 شهرا، تاركة رامسفيلد مطلق اليد في العراق حتى إشعار آخر. وقالت اللجنة في قرارها أن أيا من المسؤولين في إدارة بوش لن يقدر على صرف أي شيء من المبلغ المخصص من دون أن يكون إسمه حاصل على موافقة مباشرة من مجلس الشيوخ، وهي موافقة غير متوافرة لرايس. ويشار إلى أن المتربع على منصب مستشار الأمن القومي في الولاياتالمتحدة لا يمثل عادة للاستجواب أمام لجنة المخصصات في الكونغرس لأنه بحكم منصبه ليس مسؤولا عن صرف أموال دافعي الضرائب، فيما يتمتع وزير الدفاع بهذه الميزة وتجري محاسبته أمام اللجنة. ويدور الجدل حول هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهو أمر نادر بالنسبة لادارة تفاخر بإبداء وحدة متراصة حول رئيسها. اذ ان رايس أبلغت قرار تشكيل المجموعة الى صحيفة "نيويورك تايمز" بينما اكد رامسفيلد لصحيفة "فايننشال تايمز" انه لم يجر إبلاغه بالامر. وهذا يكشف حقيقة أن بوش يسعى لانتزاع مسؤولية الإشراف على عمليات إعادة الإعمار في العراق وتنسيقها من رامسفيلد، فيما يواجه صعوبة في التوفيق والانسجام بين وزرائه ومستشاريه الكثيرين في مجال السياسة الخارجية. ففي حين يرأس الديبلوماسية الأميركية وزير الخارجية كولن باول الذي يبدو اليوم في موقع ضعيف إثر فشله في اقناع الاممالمتحدة بتبني الموقف الاميركي، سواء لجهة اعلان الحرب على العراق او للمساعدة الآن على إرساء الاستقرار في هذا البلد وإعادة إعماره، فإن رامسفيلد هو الذي وضع استراتيجية الحرب الخاطفة ويدير الآن عبر الادارة الموقتة للتحالف بقيادة بول بريمر إعادة إعمار العراق. لكن بعد النجاح العسكري الذي تحقق في البداية بدأ رئيس البنتاغون يواجه عقبات ومكائد ما بعد الحرب مع تعرض القوات الاميركية لاعتداءات شبه يومية، فيما لا تزال البنى التحتية مدمرة بعد مرور ستة اشهر على سقوط بغداد. وخطوة تشكيل المجموعة الجديدة ليست الضربة الأولى التي يتلقاها رامسفيلد من بوش منذ سقوط بغداد، بل سبق له وأمر بعزل الرجل الذي اختاره رامسفيلد مسؤولا عن الإدارة الأميركية في العراق، جاي غارنر، وعين مكانه شخصية مدنية هو السفير المتقاعد بول بريمر المسؤول الحالي. وفي مسعى منه لتصحيح الوضع يطلب بوش في الوقت الحاضر من رايس التدخل، علماً بأن دورها على رأس مجلس الامن القومي هو التنسيق بين مختلف الادارات المكلفة شؤون السياسة الخارجية والامن في البلاد. وهذه السيدة البالغة من العمر 48 عاما مقربة جداً من بوش ولا تفارقه قيد أنملة حتى عندما يذهب لتمضية عطلته في مزرعته في كروفورد بتكساس. أما رامسفيلد 71 سنة وباول 66 سنة فإنهما يعملان سويا منذ عقود عدة داخل إدارات جمهورية مختلفة، لكن علاقاتهما باتت صاخبة منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، اذا صدقنا ما جاء في كتاب "بوش في حرب" الذي أصدره الصحافي بوب ودويرد العام الماضي. غير ان وزير الخارجية تربطه صداقة طويلة مع رايس. فقد عملا معا في ظل رئاسة جورج بوش الأب في مطلع التسعينات عندما كانت هي في مجلس الامن القومي متخصصة في شؤون روسيا وهو رئيساً لهيئة الأركان المشتركة للجيش. وفي المقابل لدى رامسفلد ايضا حليفه في الادارة نائب الرئيس ريتشارد ديك تشيني 62 سنة الذي كان نفوذه حاسما في شن الحرب على العراق. واذا كان بوش يستقبل بانتظام رامسفيلد وباول في البيت الابيض فانه يتناول الغداء على الاقل مرة كل اسبوع على انفراد مع تشيني. ومن شأن تذكير الكونغرس لرايس بأنها لا تملك اي سلطة على الموازنة ان يزعجها في عملها، في وقت اكد فيه البيت الابيض ان دور فريقها يتمثل تحديداً في "مساعدة البنتاغون والسلطة الموقتة للتحالف على إيجاد افضل السبل لاستخدام هذه الأموال".