يتقاطر الزوار من الشيعة إلى كربلاء للتبرك وتنشط المدينة استعداداً لاحتضان أول تجمع شيعي يشهده العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، والذي قد يتحول الى تظاهرة سياسية. ويجري الحديث في الشارع عن أعداد خيالية للذين سيشاركون في المناسبة، منها ان "الحشد سيضم خمسة ملايين زائر… ثمانية ملايين… عشرة ملايين…". وبدأ آلاف الشيعة بالتوافد من كل انحاء العراق الى المدينة التي تقع وسط العراق، وتحيط بها أشجار النخيل، للمشاركة في أحياء الذكرى الأربعين لمقتل الحسين رض، ثالث أئمة الشيعة وحفيد النبي، صلى الله عليه وسلّم العام 680 الموافق 23 من الشهر الجاري، ويفترض ان تشكل هذه المناسبة التي ستبلغ ذروتها الثلثاء والاربعاء، فرصة لتظهر الطائفة الشيعية ثقلها بعد ان قلص نظام صدام حسين دورها مع انها تشكل غالبية في العراق حوالى 65 في المئة من العراقيين. ودعا آية الله محمد باقر الحكيم رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في العراق، أبرز فصائل المعارضة الشيعية في الخارج، العراقيين الى التجمع في المدينة لإحياء المناسبة ودعم "اقامة نظام سياسي يضمن الحرية والاستقلال والعدالة لجميع العراقيين تحت راية الاسلام". وهذه المرة الأولى منذ سنوات طويلة يتمتع الشيعة في العراق بحرية اللقاء والتجمع، بعد انهيار النظام الذي كان يفرض قيوداً على تدفقهم الى الموقع ويمنع المسيرات في الطرقات ويراقب أي مبادرة محتملة بنشر اعداد كبيرة من الشرطة بين المواطنين بثياب مدنية. ويقول الشيخ مجيد صادق، وقد غطت العمامة البيضاء رأسه، "انها سنة تاريخية. قبلها لم تكن للناس هنا حرية الحركة. كانوا يجزئون الاحتفالات: واحدة لأهالي كربلاء وأخرى لأهالي سائر المناطق أو لغير العراقيين". ويتوافد القادمون على الطريق التي تصل من البصرةجنوباً او تلك التي تصل من بغداد شمالاً وهم يلوحون بأعلامهم السود والخضر أو الحمر، عندما تلوح لهم قبب العتبات المقدسة المغطاة بالذهب: قبب ضريحي الحسين بن علي وشقيقه ابو الفضل العباس. وانتشرت على الطرقات المؤدية الى كربلاء استراحات رفعت لافتات ترحيب كتب عليها "الحسين شهيد كربلاء"، وتوفر للقادمين المرطبات ومكاناً للنوم والصلاة في ظل اشجار النخيل. وقد جاء علي عبدالحميد 18 عاماً من السماوة التي تبعد مئتي كيلومتر جنوباً. ويقف مشدوهاً، يحدق في مرقد العباس الضخم بألوانه الزرقاء والذهبية وسط كربلاء التي لم تطأها قدماه قبل اليوم، وهو يلوح براية خضراء كبيرة كتب عليها: "يعيش الحسين". وقال: "غادرت السماوة الاثنين سيراً على الاقدام. من المهم ان نكون هنا من أجل سيد الشهداء". ويضيف: "أخيراً أشعر بأنني حر. سأصلي للحسين وللحرية". وأمام المرقد، تمر مجموعات متتالية من الزوار، وهي ترفع لافتات كتبت عليها أقوال للحسين منها "لكم أعطي الأفضل". ويتخذ التحرك بسرعة طابعاً سياسياً لتطالب المجموعات بأن تحكمها "الحوزات العلمية" التي تضم المراجع الدينية. وفي الطرقات بادر أهالي كربلاء الى نشر العشرات من اطباق الرز باللحم لتقديمه مجاناً للزائرين، إضافة الى عشرات من براميل مياه الشرب. ويقول وسام عدنان: "نحن من هنا. نريد ان نتشارك هذه المناسبة. الاحسان فرض في الاسلام". في الساحة انتشر صغار الباعة يبيعون الحلوى والمرطبات والسجائر بأسعار متهاودة. ويشعر تجار المدينة كذلك بالسرور، إذ ان السياحة الدينية تدر عليهم عائدات كبيرة. ويقوم جعفر عبدالله الموسوي بصنع حجارة ومسابح صلاة من أرض كربلاء. وقد فتح محله واستأنف عمله. ويقول: "قبل سقوط صدام كان معظم الزبائن من العرب. الآن سيعود العراقيون". ويتوقع الموسوي توافد زوار أجانب جدد كانوا يتجنبون القدوم بسبب ارتفاع الرسوم على الحدود. في موازاة ذلك، أعرب رجال دين وسياسيون من الشيعة العراقيين عن مخاوفهم من ان تؤدي مسيرات دعت اليها جماعة شيعية رئيسية مقرها طهران، الثلثاء والأربعاء المقبلين لإحياء ذكرى الأربعين لمقتل الإمام الحسين في كربلاء، الى وقوع اضطرابات أمنية وزيادة نفوذ ايران في بلادهم التي يسودها فراغ سياسي بعد سقوط نظام صدام حسين. وكان آية الله محمد باقر الحكيم، زعيم "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق"، أصدر بياناً هذا الاسبوع من مكتبه في طهران حض فيه الشيعة على التوجه في مسيرات لإحياء مراسم حظرها صدام طوال 35 عاماً في كربلاء، في منطقة تغلي بالتوترات بين فصائل الشيعة التي تسعى الى الفوز بموقع في الحكم المقبل. ويرى بعض رجال الدين ان باقر الحكيم الوثيق الصلة بإيران يستغل دعوته الشيعة الى الاحتشاد في كربلاء لإظهار نفوذه وشعبيته. وأعرب الشيخ جواد الخوئي الذي قتل عمه عبدالمجيد الخوئي في النجف الاسبوع الماضي، عن خشيته من ان تستفيد طهران من المكاسب السياسية التي قد يحققها باقر الحكيم من دعوته. وقال: "ربما تقوّي المسيرات نفوذ ايران في العراق وهذا ما نخشاه". وفي عرض لشعبية "المجلس الاعلى"، وصل نائب رئيسه وشقيقه عبدالعزيز الحكيم، الى بلدة الكوت في جنوب شرقي بغداد هذا الاسبوع، ليكون بذلك أحد أكبر مسؤولي المعارضة الشيعية يدخل الى العراق منذ اطاحة النظام. وتقول تقارير ان عبدالعزيز لقي استقبالاً شعبياً حاشداً في المدينة التي يغلب عليها الشيعة. وذكرت تقارير ان الاميركيين يعارضون عودة باقر الحكيم الى جنوبالعراق من ايران، لما في ذلك من إشارة الى نفوذ ايران. ويريدون ان يصل من الشمال كما فعل شقيقه عبدالعزيز. لكن الشيخ محمد باقر الموسوي المهري الذي يتخذ من الكويت مقراً، شدد على ان باقر الحكيم سيظهر للمسؤولين الاميركيين مركزه بين مؤيديه لمناسبة أربعينية الحسين. وقال: "أراد السيد باقر الحكيم ان يفهم الادارة الاميركية ان الشعب العراقي هو الذي يريده ولن تستطيع قوة ان تمنعه من الدخول". واضاف ان زعيم "المجلس الأعلى" أبلغه في اتصال هاتفي انه سيعود الى العراق في أقرب فرصة ممكنة. وتابع: "أعتقد انه سيدخل الى العراق ويفاجئ الجميع ايام اربعينيات الامام الحسين لوجود العشائر كلها في كربلاء... العشائر العراقية العربية كلها من اتباع السيد باقر الحكيم". لكن مصادر أخرى في "المجلس الأعلى" قالت ان خطة العودة ربما تكون ارجئت الى حين استقرار الاوضاع الامنية في المنطقة.