سقطت بغداد عاصمة العباسيين كما تسقط الثمرة الناضجة من هزة ريح خفيفة! سقطت بغداد من دون مقاومة تذكر، الأمر الذي أذهل الجميع... وكان الناس يعتقدون بأن معركة بغداد ستكون "ام المعارك"! سقطت بغداد وسقط معها النظام، هكذا بكل سهولة!! وسأل المعلقون العسكريون لماذا لم تقاوم صفوة قوات صدام من "الحرس الجمهوري"... الى "فدائيي صدام" الى خيرة وحدات الجيش، والتي حشدها صدام في بغداد وحولها لتكون بغداد ستالينغراد اخرى؟! وسأل المعلقون العسكريون ايضاً: لماذا لم يفجّر صدام الجسور التي توصل الى قلب العاصمة؟! سقوط مريب حقاً! سقوط يدعو الى السؤال: هل كان ثمة صفقة سرية بين صدام والقوات الغازية: "أسلّمكم بغداد بلا مقاومة، في مقابل المحافظة على حياتي وحياة اسرتي وربما بعض اعوانه؟! هل جرى اتفاق بين القيادة الأميركية والقيادة العراقية على غرار ما حدث مع الفيلق الخامس في الموصل؟! وما هو دور موسكو؟! ثمة صمت مريب في وسائل الإعلام. الجميع يتحدث عن سقوط صدام ونظامه، ولكن لا احد يتحدث عن مصير صدام وكبار اعوانه! ولا احد يتحدث عن محاولات للبحث عن صدام فضلاً عن محاكمته على سلسلة الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه وحق جيرانه! كانت تقديرات معظم المراقبين الأميركيين تشير الى ان الحرب قد تمتد ما بين 3 و4 اشهر وأن معركة بغداد ستكون هي الأشرس. وجاءت المقاومة الباسلة لمدينة البصرة وأم قصر والناصرية وكربلاء تبشر فعلاً بأن معركة بغداد ستكون مقبرة للغزاة. صحيح ان بغداد كانت ستسقط في النهاية ولكنها كانت ستقاوم، وكانت قادرة على ان تقاوم! اميركا تريد اليوم ان "تحتل" العراق بالمعنى التقليدي للاحتلال العسكري: حاكم عسكري اميركي جاي غارنر - اي مكارثي آخر - مع وجود عسكري مادي يمتد الى فترة طويلة، يشكل خلالها نظام بديل من صنع اميركي لاستمرار الإرادة السياسية في البلاد. هذا "الوجود الأميركي" قد يتحول الى "قواعد عسكرية" شرعية! بموجب معاهدات مع النظام العراقي الجديد. أليس هذا ما حصل في اليابان؟! سقوط بغداد ادى الى انهيار المقاومة في الموصل وتكريت وغيرهما بلا إطلاق رصاصة واحدة. لم تفعل قوات الاحتلال شيئاً لحفظ النظام. تركت بعض الأفراد يسرقون املاك الدولة وينهبون... وراحت آلات التصوير تلتقط تلك المشاهد وكأنها تريد ان تصور الجموع الغاضبة مجموعة من اللصوص! على رغم هذه السلبيات فإن مرحلة ما بعد صدام لن تكون سهلة امام المستعمر المحتل. ستظل جيوب للمقاومة هنا وهناك وهنالك. وهذا ما اظهرته بعض الأعمال الاستشهادية والكمائن. سينتفض شعب العراق دفاعاً عن العراق لا عن نظام صدام المستبد. حتى القوى المضطهدة من نظام صدام لن ترضى بحكم اميركا وأزلامها. لن يكون احتلال العراق نزهة. ولن يطيب للقوات الأميركية البقاء في بلد مجيّش قومياً ضد الغزاة المستعمرين. وإذا كان لدى الإدارة الأميركية اي اوهام خلاف ذلك فما على اركانها الا ان يستمعوا الى نصائح حليفهم شارون الذي احتل عاصمة عربية من قبل. بل ليسألوا انفسهم ماذا فعلت بهم بيروت! وهنا دروس اولية: - ما قامت به إدارة بوش تجاه بلد مستقل - وإن كان تحت حكم نظام مستبد - سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وخروج على الشرعية الدولية. إنه احتلال عسكري لاستنزاف خيرات بلد مستقل بحجة تخليصه من نظامه بذرائع لم يصدقها العالم. - استطاعت هذه القوة الغاشمة اعظم قوة عسكرية عرفها التاريخ ان تُسقط نظاماً مستقلاً فوق اكوام من الخراب والدمار وجثث الأبرياء. وماذا بعد؟ لن يكون العراق "كويتاً" اخرى مهما حاول الأميركيون "تكويته". إذا رضخت الكويت الصغيرة للاحتلال الأميركي بسبب الخوف من صدام فليس لدى العراق الكبير ما يخشى منه. - الحرب ظالمة، ولكنها في وجه من وجوهها حرب طغاة. طاغية كبير يسقط طاغية صغيراً. الفارق الإيجابي الوحيد ان الأول زائل، ونظام الانتخابات في بلد لا يسمح له بأكثر من ولاية ثانية. اما الطاغية الصغير فكان من المتوقع ان يلتذذ بعذابات شعبه الى نهاية العمر. - النظام القادم في العراق لن يكون إلا على الشاكلة التي تريدها اميركا... قد يكون اقل سوءاً من نظام صدام، ولكن الشعب العراقي لا يمكن ان ينسى انه جاء على مركبة اميركية. - احياناً لا يمكن هزيمة الشر والطغاة إلا بالحرب. والمفارقة المؤسفة ان يسقط نظام صدام على يد قوة غاشمة تريد ان "تؤدب" العالم به. فعلت كما قال عنترة: "كنت اضرب الضعيف ضربة ينخلع لها قلب القوي". - لم يُهزم طاغية ألمانيا الذي جر الويلات على اوروبا والعالم إلا بالحرب. ولم تُهزم الطغمة العسكرية الفاشية في اليابان إلا باستخدام القنبلة الذرية... ولم يُهزم طاغية يوغوسلافيا الدموي إلا بالحرب. - سيُطلق الاحتلال الأميركي للعراق "صندوق باندورا" الإرهاب. سيصبح كل اميركي في العالم هدفاً لمن يجد في اميركا كل الشرور... يرى فيها دولة استعمارية تغتصب دولة عربية. - لا يمكن حكم العراق مع "متعاونين" فقدوا كل صلة ببلدهم. - ايها الطغاة تعلموا درس صدام! * كاتب سوري.