ينتشر الصحافيون والمراسلون في مناطق جنوبالعراق كافة مثلما تنتشر القوات البريطانية والاميركية الغازية، وكل يبحث عن اخبار وصور هذه الحرب التي يرونها معارك تدور من بعيد ويرون آثارها وضحاياها امام أعينهم، والبعض منهم يبحث عن الاخبار والمواضيع التي تخدم اهدافاً اتوا من اجلها مثل زملائنا الكويتيين الذين يبحثون عن مشاهد لمواطنين عراقيين يهتفون ضد صدام حسين ونظامه، او يبحثون عن اخبار تقدم القوات الغازية وليس تراجعها او ما تواجهه من مقاومة. ولان الدخول من الكويت الى العراق ممنوع رسمياً فكل مراسل صحافي له طريقته في عبور الحدود والتسلل نحو العراق، المحظوظون من لهم تصاريح لدى حاجز الجيش الكويتي عند معبر "صفوان" الحدودي للخروج والدخول وقتما يشاؤون، والبعض من المراسلين يتسللون بسياراتهم خلف قافلة آليات عسكرية بريطانية او اميركية تعبر الطريق الرئيسي بين العبدلي الكويتية وصفوان العراقية، والبعض الآخر يعبر الحدود متسللاً مثلما كانت تفعل "الحياة"، عبر ممرات في الساتر الترابي الحدودي فتحها الاميركيون لعبور قواتهم قبل الحرب بأيام، والآن اصبح من الصعب التسلل منها لان هذه الممرات اصبحت تحت حماية الجيش الكويتي. وعند دخول الاراضي العراقية تبدأ مخاوف المراسلين الصحافيين ومتاعبهم… مخاوفهم من منطقة ليس فيها امان على رغم ان القوات البريطانية تسيطر عليها وتسيّر دورياتها عبر الطرق الرئيسية في صفوان والزبير وأم قصر، خصوصاً الطريق الرئيسي من صفوان حتى جنوبالبصرة ومن صفوان الى منطقة الناصرية. فمن الممكن اذا تهوّر الصحافي ان يجد نفسه في قبضة مسلحين لا يعرف هل هم تابعون لميليشيا الحزب فيعتبرونه جاسوساً، ام لصوص يحتجزونه لسلبه وقتله اذا قاوم. ولعل قصة زملائنا في شبكة تلفزيون "العربية" هي دليل على ما يمكن ان يحدث. فزملاؤنا الثلاثة وائل عواد، طلال المصري، علي صفا اوقفهم مسلحون داخل احياء الزبير قبل اسبوع واحتجزوهم لستة ايام بعد ان سلبوهم كل شيء. كذلك ما حدث لمراسل "الحياة" - LBC علي منتظري على الحدود الشرقية لمدينة البصرة. ومن الممكن ان يجد الصحافي نفسه عرضة لاطلاق الرصاص كما حصل في البداية لثلاثة من زملائنا في شبكة "اي تي ان" التلفزيونية البريطانية الذين قتلوا برصاص أُطلق على سياراتهم، ولم يتأكد حتى الآن ما اذا كان الرصاص عراقياً ام رصاص "صديق". ومن الممكن ان يتحمس بعض الصحافيين ويغامر ويتقدم بعيداً فيجد نفسه في قبضة الجيش العراقي كما حصل مع زملائنا الايطاليين السبعة. ما حدث يعطي فكرة عن مخاوف الصحافيين المتواجدين في جنوبالعراق ولكن متاعبهم هي اكثر من مخاوفهم، من متاعب السكن والنوم في مكان آمن الى متاعب معرفة حقيقة ما يجري في هذه المنطقة. فالمنطقة ليس فيها فندق او منزل او مقر من الممكن ان يقيم فيه الصحافيون… وحين كان الصحافيون على الجانب الكويتي من الحدود كانوا مرتاحين للنوم في مزارع العبدلي، والقلة منهم وجدت ضيافة كريمة في مركز شرطة ام قصر الحدودي الكويتي. ولكن في الأراضي العراقية لم يكن هم الصحافي النوم في مكان مريح بقدر ما كان همه أن ينام في مكان آمن تحت حراسة نقطة سيطرة بريطانية أو اميركية، الصحافيون كانوا مستعدين للنوم على الأرض وفي سياراتهم ومعهم أكلهم وشربهم وحتى مولدات الكهرباء اللازمة لشحن معداتهم وهواتفهم. ولكن المشكلة كانت في ان يقبل العسكريون الاميركيون أو البريطانيون نوم الصحافيين بالقرب من نقاط سيطرتهم ومعسكراتهم، وهذا ما حصل مع "الحياة" ومجموعة من الزملاء في مدينة أم قصر العراقية. فالحراس البريطانيون لبوابة ميناء أم قصر الجديد رفضوا أن نبيت داخل الميناء بل ايضاً أمام البوابة التي كتب عليها جنود المارينز "أهلاً بكم في العراق الجديد، بوابة عبور المارينز"، فذهبنا وكنا نحو خمسة عشر صحافياً لننام أمام بوابة الميناء القديم وخلفنا صورة كبيرة لصدام حسين على جانب البوابة التي كان يحرسها جنود المارينز الذين رفضوا ان ننام داخل البوابة.