كانت اللحظة عاطفية في البداية: المطرب وديع الصافي يغني ومعه المطربة نجوى كرم في حوارية بعنوان "وكبرنا" كتبها الشاعر عصام زغيب ووضع لحنها الموسيقي انطوان الشعك، وتروي قصة أب وإبنته في موقف عائلي اجتماعي انساني رقيق يذكّر ببعض الأجواء السينمائية الدرامية التي تعني الجمهور اللبناني والعربي في مضمونها الطيّب. هكذا كانت لحظة البداية. أما بعد ذلك فقيلت أشياء أخرى منها ان وديع الصافي انتقد انطوان الشعك في أسلوب تلحينه "وكبرنا" في برنامج على شاشة قناة "أبو ظبي"، وقيل ان شركة الانتاج "روتانا" لم تعطِ هذه الحوارية حقها من الاهتمام والرعاية والانتشار، وقيل ان الشاعر عصام زغيب هاجم الحلقة التلفزيونية التي قُدّمت من خلالها الحوارية في تلفزيون LBC بعنوان "نوّرت الدار". وتبيّن بعد ذلك ان كل ما قيل هو حقيقة، وان ما لم يُقَل أو يُنشر أكبر بكثير! واذا كانت الخلافات الفنية أو الشخصية قد اندلعت بعد انقضاء اللحظة العاطفية الأولى من استقبال لقاء الصافي وكرم الغنائي في "وكبرنا"، ما جعل الاحتفال بالحوارية مقطوعاً قبل بلوغه خواتمه، فإن ذلك يُخفي ارتجالاً ما حصل في الاعداد لها سواء في تركيبة جمع وديع الصافي ونجوى كرم أم في تركيبة فكرة الأب وابنته غنائياً، أم في أسلوب الاعلان والاعلام عن الحوارية أم في طبيعة النص واللحن وحتى طبيعة الأداء... كثير من الوجدانية في فكرة "وكبرنا". ويبدو ان نجوى قرّرتها تعبيراً عن تقدير كبير لوالدها الذي لعب دوراً ايجابياً في تسوية مشكلات عائلية عالقة بينها وبين شقيقها أو بينها وبين العائلة ككل بعد زواجها. وعندما رأت مناسباً ان تقول مشاعرها ورأيها في دور والدها عبر أغنية، اختارت وديع الصافي ليكون الأب اذ تشعر حياله "بأبوّة فنية غنائية" كما تقول. غير ان النية الطيبة لا تصنع وحدها عملاً فنياً ناجحاً، اذ ان ظروف ذلك العمل وتفصيلاته ومستوياته محكومة بمنطق مهني احترافي لا أثر فيه للنية الطيبة الا كأساس نفسي طبيعي لا غير. النصّ الذي كتبه الشاعر عصام زغيب، وكان فيه شاعراً حيناً وناثراً حيناً آخر، متين السبك حيناً خفيف الصياغة حيناً آخر، صاعداً درامياً حيناً، متأرجحاً حيناً آخر، تبعاً لمناخ الموقف المطلوب التعبير عنه بين الأب وابنته، جاء نصاً على تقلّب في المعنى والمبنى. ففيه الجملة اللماحة وفيه في الوقت نفسه الجملة التقليدية المكررة والروتينية، وفيه الايقاع الشعري الممسوك وفيه في الوقت نفسه غياب الايقاع الشعري لمصلحة نظمٍ مرتبك، في تقلبات لم يساعد النص الموسيقي الذي وضعه الملحن انطوان الشعك على اخفائها أو التقليل منها، بل أضاف اليها تقلبات اخرى حملت جملاً لحنية معروفة من ماضي وديع الصافي كما هي الى "وكبرنا" وحملت رغبة الشعك في اغتنام الفرصة بتقديم ما يرضي الصافي ونجوى كرم معاً لأنه امام تحد هو الأكبر في حياته كملحن... فضلاً عما حملت الحوارية من نَفَس الشعك التلحيني المعروف في تجربة نجوى في ما بدا وكأنه استعادة لا خلق جديد... كلها أمور مهّدت لوصول وديع الصافي ونجوى كرم الى الاستوديو لا على قناعات فنية بل على طبق من اللياقات الديبلوماسية التي كأنها كانت خائفة من انكسار المحاولة قبل اتمامها فتسرّعت وورّطت الجميع في "اتفاق خفي" قضى بانجاز "وكبرنا" على جناح البرق! أما عصام زغيب، فكان قادراً على كتابة أجمل. وانطوان الشعك كان قادراً على وضع موسيقى أفضل، وللرجلين في ما تعاونا عليه في السابق سكّة جيّدة، فهل كان في "وكبرنا" كمن يسابق نفسه والآخر بل الآخرين؟ وهل كانا مضغوطين في الوقت؟ وهل تمت الكتابة والتلحين في شكل انصرف عن النظر الى طبيعة العمل الفني الذي بين الأيدي، وركّز النظر الى مجرد اجتماع وديع ونجوى في عمل واحد معتبراً ذلك كافياً مع ما سيكون للاسمين معاً من رنّة جديدة على الاسماع والعيون؟! ثم هل اقتنع المطرب وديع الصافي بأن اداءه في "وكبرنا" هو أقصى المستطاع، مع ان بمستطاعه وهو في ما فوق الثمانين طاقات خلاقة يدركها كل من يتابعه في أي عمل جديد أو حفلة كبرى؟! ثم... ثم هل شعرت نجوى كرم بأنها اكتفت غنائياً وفنياً في "وكبرنا" بالقدر الذي اكتفت فيه من عاطفة والدها الذي انشدت له الحوارية تكريمياً بعد عودتها اليه؟! أسئلة... أسئلة... هناك حاجة جدّية الى من يتبرّع بالاجابة عنها على رغم انها إجابة واضحة!