هل يلبي المصممون اليوم رغبات المرأة و"يستمعون" الى أهوائها أم انهم لا ينصتون سوى الى بنات افكارهم ولا يتبعون الا هواجسهم في التصميم غير عابئين بما قد يعجب المرأة وبما قد ترتديه. على الأقل هذا ما نستشفه من خلال بعض المجموعات التي قدمت على منصات العروض مجردة من الأنوثة لتلف جسد المرأة بغيوم كبيرة من القماش حتى أخفته تماماً. هذا الميل يدعم الفكرة السائدة حالياً بأن الخياطة الراقية لم تعد فقط عملية ابتكار ملابس جميلة فحسب بل تتجاوز ذلك بكثير، اذ ان هدف بعض دور الازياء الكبيرة هو إخضاع إبداع المبتكر في كل موسم الى امتحان تعجيزي. ولم تكتف عروض ازياء ربيع وصيف 2003 باستقطاب المصورين والصحافيين، بل كالعادة استقطبت عدداً كبيراً من النجوم، حتى انه يكاد لا يقام عرض من دونهم. ومن أهم الشخصيات التي حضرت العروض السيدة الفرنسية الأولى برناديت شيراك التي اختارت عروض ديور وغوتييه وشانيل حيث التقت كلود بومبيدو زوجة الرئيس الفرنسي الراحل، اضافة الى المثابرة ايفانا ترامب. اما الخياط بيار كاردان والممثلة ليز هيرلي فكانا حاضرتين في عرض ديور بينما فضلت جوان كولينز وآشلي جاد عرض فالنتينو. وأطرف النجوم كان المفتي الكندي بريان ادامس الذي تحوّل الى صحافي - مصور وحضر كل العروض تقريباً. وقدّم جان - بول غوتييه في هذا الموسم مجموعة من الازياء الجريئة والأنيقة التي تبرهن مرة اخرى عن حب المصمم للعمل الجميل في شكل عام وللخياطة في شكل خاص. ربيعه وصيفه لعام 2003 مليئتان بالرموز والرسائل. الأزرار كانت زينة الازياء، والكنزة البحرية الشهيرة تحوّلت الى سترة بقبعة. كما ابتكر غوتييه كورسيهات قولبت جسد المرأة واستعملها كأكسسوارات فوق الفساتين، الكنزات البحرية أو لوحدها على الصدور العارية. اضافة الى ذلك ابتكر تايورات ذات قصات دقيقة وتنانير يظهر في فتحاتها قماش دانتيل بلون الجلد. الخياط - المصمم يوجي ياماموتو اعاد احياء باريس في الخمسينات من القرن الماضي على طريقته الخاصة. في هذه السنوات التي عرفت عصر الخياطة الذهبي كانت النساء يرتدين القبعات والناس يستمعون الى موسيقى الجاز في احياء سان جيرمان دو بري. وبينما قدّم الجميع ازياء الربيع والصيف، قدّم ياماموتو مجموعة ازيائه لخريف وشتاء 2003 - 2004 وتلاعب مع الكاروهات المزيفة والاحجام المتناقضة واستعمل الاقمشة السميكة كالصوف، والناعمة كالجرسيه. وقدّم لوران ميرسييه المدير الفني الجديد لدار بالمان مجموعته الجديدة الأولى من الازياء الراقية في هذه الدار الباريسية العريقة التي اسست عام 1945، والتي يرغب في منحها مستقبلاً جديداً. وميرسييه يخلف في هذا المنصب الخياط الأميركي أوسكار دو لارينتا البالغ من العمر سبعين عاماً والذي قدّم في تموز يوليو الماضي آخر مجموعة ازياء راقية للدار الفرنسية بعد عشر سنوات على خدماته فيها. ميرسييه هو ايضاً معروف، في الدار حيث يوقّع منذ موسمين مجموعات الملابس الجاهزة، ويعلّق المصمم الشاب على هذا الموضوع بقوله: من الأفضل ان نوحّد اليوم هوية دار بالمان في مجموعات الملابس الجاهزة والخياطة الراقية". وقد يكون هذا القرار هو الأفضل خصوصاً ان شخصيتي الرجلين كانتا متناقضتين ومتنافرتين. وبالنسبة الى الميول لدى بالمان فهي تترجم من خلال أناقة بارزة تظهر في البنطلونات الضيقة التي ترسم خطوط الجسد تحت المشالح والسترات. كذلك من خلال الكشاكش التي تتطاير وتنبت في كل الاتجاهات على قبات البلوز أو على الأكمام. أما بالنسبة الى دار فيرساتشي فلم تقم عرضاً تقليدياً على المنصات كبقية الدور، بل قدمت عرضاً خاصاً في "البوتيك" الذي تملكه في شارع "فوبور سانت اونوريه" الذي تحوّل في هذه المناسبة الى علبة سوداء واستقبل المجموعة التي تألفت من عشرة فساتين فقط، اظهرت مهارة الدار في صنع الازياء الراقية. صحيح ان العرض كان حميماً جداً لكن الخطوط والأسلوب كانت خاصة بالدار مع فساتين ذات كورسيهات مطرزة بالترتر او مزينة بالجلد الفخم المشغول والمصقول كالمرآة، اضافة الى فساتين اخرى اتت على شكل شراريب بخارية او زينتها كشاكش الدانتيل او الموسلين، والتي ترسم جسداً انثوياً مثيراً. وأخيراً نشير الى ان المصمم كارل لاغيرفيلد أبدع كعادته في اعادة ترجمة رغبات "الآنسة" شانيل في التصميم لامرأة أنيقة حتى ان موظفي دار شانيل الذين اكتشفوا هذه المجموعة مع الحضور قالوا انها من أجمل المجموعات التي صممها لاغيرفيلد الذي تميز بمهارة ساحر استطاع ان يسجل الماركة في كتاب عصرها من دون ان يقتلعها من جذورها.