سُئلت مرات عدة عمّا اذا كان للبنان "لوبي" بالمعنى المعهود في الولايات المتّحدة الأميركيّة. وجوابي كان دائماً أن للبنان في أميركا شخصيّات من أصل لبنانيّ، بارزةً ومعروفة وذات نفوذ على الصّعيد الشّخصي في مختلف المجالات الطبّ، السّياسة، العلم، التّجارة، الصّناعة الخ…، أما بالنّسبة إلى الجالية كمصدر قوّة أو نفوذ، فالواقع أنْ لا أثر لجالية قويّة، بل هناك أفراد أقوياء. وهناك ايضاً منظّمات لبنانيّة عدّة نذكر منها Force For Lebanon وAmerica Task وCouncil of Lebanese - American Organizations وNational Alliance Lebanese of American غير أنه لا يمكن اعتبار أي واحدة منها مثابة "لوبي". لقد انبثقت جمعيّة A.T.F.L من الرّابطة الوطنيّة للأميركيّين المتحدّرين من اصل عربي National Association of Arab Americans الّتي كانت ولا تزال اللّوبي العربيّ من أجل فلسطين. وبعد وفاة الرّئيس الشّيخ بشير الجميّل وانتخاب شقيقه الشّيخ أمين الجميّل رئيساً للجمهوريّة، نشأت خلافات شخصيّة داخل American Lebanese League A.L.L الرابطة اللّبنانيّة - الأميركيّة، فحاول السّفير اللّبناني آنذاك عبدالله بو حبيب إنشاء منظّمة لبنانيّة - أميركيّة يمكنه ان يؤدّي فيها دوراً فاته في A.L.L، فاستقطب بعض العناصر المتموّلة في A.L.L وأنشأ A.T.F.L الّتي انضمّت إليها عناصر أخرى كانت أعضاء في N.A.A آملاً في أن يؤدّي ذلك إلى خلق "لوبي" بالمعنى المعروف من أجل لبنان. أمّا الآن فلا يمكن اعتبار منظمة A.T.F.L "لوبي" من أجل لبنان، لأنّها في الواقع، ولسوء حظّ لبنان، أصبحت "لوبي" فقط لخدمة المصالح التّجاريّة واعضائها الّذين يسعون إلى الحصول على حصص في مشاريع إعادة بناء لبنان. National Alliance of Lebanese-American N.A.L.A هي المنظّمة الّتي أنشأت C.L.A.O بغية توحيد المنظّمات اللّبنانيّة كي تكون صوتاً واحداً في واشنطن يدعو إلى مساندة القضيّة اللبنانيّة. وقد وجهت C.L.A.O دعوة إلى A.T.F.L للانضمام إليها من أجل تحقيق مثل هذا الصف الواحد. غير ان A.T.F.L رفضت الانضمام بسبب معارضة أعضائها لأحد شروط الانتساب وهو تأييد الجنرال ميشال عون. والحقيقة ان C.L.A.O أُنشئت بشرط صريح في ميثاق تأسيسها: ألاّ تُصبح منظّمة أخرى بل أن تكون دائماً رابطةً تجمع تحت لوائها كل المنظّمات اللّبنانيّة العاملة من أجل لبنان. ولكنها، خلافاً لهذا البند، أصبحت فعلاً منظّمة مستقلّة أخرى ولم تعد في الحقيقة "لوبي" لبنانيّاً، وهي معروفة في واشنطن بلوبي الجنرال ميشال عون. وعام 1993 كررت N.A.L.A محاولة توحيد المنظّمات الأميركيّة - اللّبنانيّة الرّئيسة الثّلاث N.A.L.A و C.L.A.O و A.T.F.L. استغرقت المحاولة أكثر من سنة ولكنّها لم تؤدّ إلى وضع برنامج مشترك تتّفق عليه المنظّمات الثّلاث في ما يختصّ بالسّعي الموحّد من أجل لبنان. المهمّ في هذا الأمر هو أنّه ليس للّبنانيّين "لوبي" في أميركا. وكلّ من يعتقد خلاف ذلك فهو على خطأ. لا شكّ في أنّ هناك أفراداً كثيرين يعملون على الصّعيد الشّخصيّ وبدوافع خاصّة ووفقاً لبرامج خاصّة باسم لبنان. وهذا يبدو امتداداً للواقع اللّبنانيّ وانعكاساً لتعدّد التّيارات السّياسيّة اللّبنانيّة الّتي يعمل كلّ منها وفق اقتناعاته وأهدافه الخاصّة. قلت إن A.T.F.L ليست باللّوبي اللّبنانيّ. وقلت ايضاً إنّ C.L.A.O ليست باللّوبي اللّبنانيّ. وأضيف إلى ذلك أن N.A.L.A هي أيضاً ليست باللّوبي اللّبناني. هناك أفراد يمثّلون هذه المنظّمات الثّلاث، لهم علاقات خاصّة ببعض المسؤولين الأميركيّين الّذين يجتمعون بهم من وقت إلى آخر، ويصدرون بيانات أو تصريحات عن نشاطاتهم واتّصالاتهم الفرديّة. كما أنّ منهم من يزور لبنان من وقت إلى آخر ويجتمع ببعض معارضي اتّفاق الطّائف، ويعودون بتقاريرهم الخاصّة إلى من هم على اتّصال بهم من المسؤولين الأميركيّين. غير أن المسؤولين الرّسميّين في واشنطن يطّلعون عن كثب على الأوضاع اللّبنانيّة بوساطة ممثّليهم في السّفارة الأميركيّة في لبنان. فالسّفارة هي في الواقع المصدر الرّئيس، إن لم يكن الوحيد، لكلّ ما يصل إلى واشنطن من معلومات موثوقة عن لبنان. معروف أيضاً أنّ هذه المنظّمات التي كان من المفروض أن تكون مصدراً للإعلام، تستمدّ المعلومات الصّحيحة عن لبنان من مصادر أميركيّة رسميّة. فهي لا تعدو كونها أكثر من قناة غير رسميّة لإطلاع الرّأي العام اللّبنانيّ - الأميركيّ على الموقف الأميركيّ الرّسميّ إزاء القضايا المتعلّقة بلبنان. وغالباً ما يطرح السّؤال: ماذا للبنان في واشنطن؟ في حين أن السّؤال يجب ان يكون: ما الّذي يحتاج اليه لبنان في واشنطن؟ لا شكّ في أنّ دور واشنطن في شؤون لبنان الدّاخليّة أخذ يتعاظم عقب أزمة عام 1958. ... يتحتّم أن تكون أفكارنا واقتراحاتنا وتوصياتنا من أجل لبنان الّتي نعرضها على السّلطات الأميركيّة، متوافقة كلّ التّوافق مع المصالح الأميركيّة في لبنان. فلقد علّمتنا التجارب أن هذه هي الطّريقة الوحيدة لإقناع صانعي السّياسة الأميركيّة باتّخاذ قراراتهم حول لبنان.