نشر مركز أبحاث «ناشيونال إنترست» الأمريكي في موقعه على الإنترنت مقال تريتا بارسي، باحث إيراني المولد يحمل الجنسية السويدية ويعيش في أمريكا، مؤسس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي National Iranian American Council والرئيس الحالي له، لفت فيه إلى أن إسرائيل لعبت دوراً في سياسة أمريكا تجاه إيران خلال العامين الماضيين، خصوصاً الصيف الماضي، بصورة أكبر بكثير عن أي وقت مضى، مؤكداً أن الكثيرين في الكونغرس الأمريكي ينظرون إلى إيران من خلال عدسات إسرائيلية. ورأى الباحث أن هذه الرؤية ستتسبب في مشكلة كبرى للرئيس أوباما، والإدارات اللاحقة التي تسعى للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران. وعزا الباحث ذلك ليس إلى أن واشنطن لا ترغب في رؤية تغييرات كبيرة في الموقف الإيراني تجاه إسرائيل، أو اعتقادها بأن استمرار العداء الإيراني تجاه إسرائيل لا يشكّل خطراً على الاتفاق النووي، وإنما لأن نزع الصبغة الإسرائيلية عن السياسة الأمريكية تجاه إيران يتطلب ما هو أكثر بكثير من مجرد تغيير في سياسة إيران نحو اسرائيل. إيران لم تكن تشكّل قضية لإسرائيل ولفت الباحث بارسي، مؤلف كتاب التحالف الغادر Treacherous Alliance لفة واحدة من الزهر A Single Roll of the Dice.، إلى أسباب نظر واشنطن إلى إيران عبر عدسات إسرائيلية، مشيراً إلى أن إيران لم تكن تشكّل قضية لإسرائيل في واشنطن في الثمانينيات رغم الخطابات المعادية التي أطلقها حاكم إيران الخميني آنذاك، حيث كانت إسرائيل معنية في المقام الأول بمواجهة الفلسطينيين والقدرات العسكرية التقليدية للدول العربية المعادية، واعتبرت إيران كحليف محتمل وموازن ضد القوى العربية، وحاولت التقريب بين واشنطنوإيران في أعقاب فضيحة «إيران كونترا». ولكن عندما حوّل اتفاق أوسلو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من العدو الإرهابي إلى شريك سلام، بدأ موقف إسرائيل تجاه إيران يتحول بشكل كبير. ولتسويق الاتفاق محلياً، رأى رئيس الوزراء آنذاك اسحق رابين أنه بحاجة إلى تسليط الضوء على تهديد آخر يلوح في الأفق. وتساءل رابين في خطاب له عن التهديد الحقيقي لإسرائيل: هل هم الفلسطينيون الضعفاء أم القوة الإيرانية المتصاعدة؟ واقع جديد وظهر واقع سياسي جديد، كما يبين الباحث، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق في حربها مع إيران، وتلاشت التهديدات المشتركة التي وفرت الأساس لتحالف إسرائيل مع إيران في عهد الشاه ودعم إسرائيل للتقارب بين الولاياتالمتحدةوإيران في الثمانينيات، فأي تقارب بين الولاياتالمتحدةوإيران في ظل هذه الظروف سيأتي على حساب مصلحة إسرائيل بدلاً من تعزيز موقفها الإقليمي. وأطلقت إسرائيل حملة ضخمة لتصوير إيران بأنها «أكبر تهديد [للسلام] والمشكلة الكبرى في الشرق الأوسط». وقالت إسرائيل إن إيران وأيديولوجيتها الشيعية مصدر الأصولية الإسلامية وتشكّل تهديداً غير قابل للإصلاح. وشدد الباحث على أن إسرائيل تحولت ضد إيران بالكامل وقد كانت قبل ذلك ببضع سنوات تضغط على واشنطن لإجراء محادثات مع إيران من أجل بيع أسلحة إلى طهران وتجاهل خطابها المعادي لإسرائيل. أما واشنطن، فقد قابلت التوجه السياسي الإسرائيلي الجديد تجاه إيران بعين الشك في البداية، ورأت إدارة كلينتون أن اسرائيل تبالغ في تضخيم التهديد الإيراني لتحقيق مكاسب سياسية، واضعةً في اعتبارها حقيقة أن الحملة الإسرائيلية تزامنت مع هبوط النبرة الإيرانية حول القضية الفلسطينية وجاءت تصريحاتهم بقبول ما يعتبره الفلسطينيون جيداً بالنسبة لهم. ولكن، كما يكشف الباحث، فإن منظمة اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (ايباك) رأت أن التحول الإسرائيلي ضد إيران بمثابة هدية من السماء. فخسارة الفلسطينيين كعدو ستؤدي إلى خسارة باهظة للمنظمة، وفي حالة نجاح عملية السلام، ستُحرم المنظمة من سبب وجودها. ومن هنا يمكن أن تعيد (أيباك) صياغة نفسها بعد أن صارت مواجهة النفوذ العربي في واشنطن حجة عفا عليها الزمن. كانت (أيباك) بحاجة إلى قضية جديدة، وكانت إسرائيل بحاجة إلى مساعدة في تحويل واشنطن ضد إيران. لذا كان التحول ضد إيران وضعا مربحا للجانبين، بحسب الباحث. إيران هدية لإسرائيل وأكد تريتا بارسي أن إيران بالنسبة لإسرائيل تعد بمنزلة هدية لم تكف عن العطاء. فتصوير إيران على أنها تهديد كبير لم يكن صعباً، خصوصاً في ظل خطابات طهران المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، رغم اتباعها عملياً سياسات أكثر اعتدالاً في حقبة التسعينيات مقارنة بالعقد السابق. وعندما تولى أحمدي نجاد السلطة في إيران وبدأ التشكيك في المحرقة، لم تكن قلة من المتشككين في واشنطن بحاجة إلى أي إقناع من إسرائيل أو أيباك تجاه إيران. ويقول الباحث أن أحد المصادر المطلعة داخل (أيباك) ذكر له أن «خطابات أحمدي نجاد كانت سبباً في تدفق التبرعات إلى المنظمة». ويكشف مسؤول آخر في (أيباك) هو ستيفن روزن لمجلة «فورين بوليسي» في سبتمبر أن «المعركة حول الاتفاق النووي، التي خسرتها (أيباك)، كانت سبباً جيداً لتدفق الأموال أيضاً إلى المنظمة». خسارة نجاد أضرت ب (ايباك) ويؤكد الباحث أن خسارة أحمدي نجاد للانتخابات الإيرانية لم يكن سهلاً على منظمة (أيباك). وخسارتها الناجمة عن الاتفاق النووي أكثر صعوبة. وتعد معركتها الخاسرة لقتل الاتفاق في الكونغرس في الصيف الماضي أكثر تعبيرا على الإحباط الذي منيت به، حيث فشلت في دفع إدارة أوباما إلى تبني خطوط حمراء لإجبار إيران على ترك طاولة المفاوضات، وبمجرد إبرام اتفاق نهائي، لم يكن لديها خيار سوى رفع مطالباتها ضد رئيس الولاياتالمتحدة نفسه في الكونجرس، على الرغم من أنها كانت تدرك أن فرص نجاحها محدودة. وبرغم إبرام الاتفاق النووي، يرجح الباحث أن (أيباك) لم تخسر كل المعركة. فمجرد أن ينفق أوباما الكثير من رأسماله السياسي للدفاع عن اتفاق وتأمين الدعم له في «الكابيتول هيل» يكون قد بعث بإشارة قوية إلى الرؤساء في المستقبل بأن هزيمة (أيباك) في معركة سياسية وجها لوجه قد تكلف الرئيس أيضاً الكثير من رأس المال السياسي بحيث لا يبقى معه سوى القليل للأولويات الأخرى. وهكذا، عززت هزيمة (أيبال) من قدرات الردع الخاصة بها. وعلاوة على ذلك، تستفيد (ايباك)، كما يقول الباحث، من الهزائم بعد معارك قاسية لجمع التبرعات. فالأسباب الواضحة، حتى عند الخسارة، أفضل من عدم الوضوح. وبعبارة أخرى، فإن استعداء إيران أمر جيد لرجال الأعمال، على الرغم من تمرير الصفقة النووية. ويخلص الباحث إلى أن «إسرائيل لا يمكنها أن تتخلى عن إيران اليوم إلا في حال ظهور تهديد آخر يحل محلها مثلما هو الحال في عام 1993 عندما تخلت (أيباك) عن عرفات وتبنت إيران كتهديد رئيسي. ولعل المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات تحل يوماً ما محل إيران كتهديد لإسرائيل. ولكن ما لم تظهر قضية للوجود لتحل محل إيران، فلا توجد دلائل تشير إلى أن إسرائيل و(أيباك) ونتنياهو على استعداد للسماح بفصل إيران عن السياسة الإسرائيلية». باحث علوم سياسية