دعا الرئيس جاك شيراك، في اليوم الثاني من زيارة الدولة التي يقوم بها حالياً للجزائر، الى "حلف جزائري - فرنسي جديد"، معلناً "ان معاهدة ستعقد في وقت قريب لتكرس نهائياً هذا التقارب" على غرار تلك التي وقعتها فرنسا والمانيا العام 1963 والتي كرست دفن العداوات بين الجانبين وفتحت الطريق أمام التعاون الوثيق بينهما. وحض الرئيس الفرنسي الجزائر على منح حرية التنقل لمواطنيها "الذين اضطروا للانتقال الى المنفى" بعد نيل البلاد استقلالها العام 1962. كذلك دعا الرئيس الفرنسي الى التسامح، والى تعزيز الديموقراطية والاصلاحات لمواجهة التطرف الاسلامي. وفي خطوة رمزية زار شيراك المدافن المسيحية واليهودية لتأكيد أن بلاده لم تنس ماضيها الجزائري. ألقى الرئيس جاك شيراك، في اليوم الثاني لزيارته الجزائر، خطاباً أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه، في حضور الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وعرض شيراك رؤيته ل"شراكة استثنائية" يأمل البلدان باقامتها، بعد اكثر من اربعين عاما على انتهاء حرب الجزائر، "المأساة" التي "رفضت لفترة طويلة ان تسمى باسمها". وقال الرئيس الفرنسي: "ليس علينا ان ننسى هذا الماضي الذي لا يزال يبعث على الالم ولا ان ننكره"، داعيا الفرنسيين والجزائريين الى احترام كل ضحايا الحرب والمحاربين من اجل الاستقلال و"الذين اضطروا للانتقال الى المنفى" من اوروبيين وجزائريين، معلناً ان الوقت حان اليوم "لقيام حلف جزائري - فرنسي جديد". وأضاف ان "حقلاً جديداً وواسعاً يفتح أمامنا، وقد التزمنا بتصميم"، مشيراً الى انه وقع أول من أمس مع الرئيس بوتفليقة اعلان صداقة "يكرس التفاهم بين شعبينا ويشهد على رؤيتنا المشتركة للمستقبل". وأعلن شيراك ان "معاهدة ستعقد في وقت قريب لتكرس نهائيا هذا التقارب"، على مثال معاهدة الصداقة الفرنسية - الالمانية التي وقعت في 1963 وفتحت الطريق امام تعاون وثيق بين باريس وبرلين. ودعا شيراك الى "اسلام متسامح"، والى تعزيز الديموقراطية واقتصاد السوق في مواجهة التطرف الاسلامي. وقال ان "الانفتاح السياسي والاصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية تقدم الاجوبة الافضل ضد التعصب والتطرف". واضاف انها "ضرورة ملحة في اطار رؤية العودة الكاملة الى السلام المدني"، مشدداً على اهمية "الحوار وروح المسؤولية". وجدد شيراك من جهة ثانية تأكيد رغبة فرنسا ب"تسهيل تنقل الاشخاص واستقبال الجزائريين الراغبين بالتوجه الى فرنسا بشكل افضل". كما شدد على ضرورة "السماح بحرية الحركة لكل الفرنسيين الراغبين برؤية الارض التي ولدوا فيها او ارض أجدادهم". وخلص الى القول ان "بلدينا يضمدان جراح الماضي، ويتحملان مسؤولية ذكراه. وقد بدأت مرحلة جديدة. من جانبي المتوسط، يمد الجزائريون والفرنسيون لبعضهم يداً اخوية". وبعد الخطاب الذي استغرق نصف ساعة وقوطع مراراً بتصفيق الحضور دعا الرئيس بوتفليقة إثنين من كبار مجاهدي الثورة التحريرية إلى المنصة لمصافحة "ضيف الجزائر" في خطوة عملية لتجاوز أحقاد الماضي التي ولدها الاستعمار الفرنسي للجزائر طيلة 130 عاماً. وصافح شيراك بحرارة كبيرة قائد "معركة الجزائر" السيد ياسف سعدي وزهرة ظريف بيطاط، وهما أيضاً عضوان في مجلس الأمة. وقالت السيدة بيطاط للرئيس الفرنسي، وهي تصافحه: "انه يوم عظيم". وقالت له "ان وجودكم بين البرلمانيين الجزائريين لحظة قوية لإرساء علاقات متينة بين الجزائروفرنسا. اننا مدينون بهذا للرئيسين بوتفليقة وشيراك". أما سعدي فقال لشيراك "ان وجودكم في الجزائر هو رمز للسلام" وحيا موقف الحكومة الفرنسية من الأزمة العراقية. وبعد ذلك قام الرئيس الفرنسي، يرافقه وزير الدولة السيد أحمد أويحيى بزيارة المقبرة المسيحية واليهودية في حي بولوغين في العاصمة. وألقى إمام مسجد حيدرة في الجزائر كلمة ركز فيها على أهمية "التعايش والتسامح" بين الديانات. بينما دعا رئيس الأساقفة هنري تيسييه الى اكرام ذكرى جميع الأموات بمعتقداتهم المختلفة. يذكر أن هذه المدافن تضم 25 ألف قبر لمسيحيين و4800 ليهود. وهي بنيت في العام 1836 على مساحة 14 هكتاراً. وبين الذين تضم هذه المقبرة رفاتهم ملكة مدغشقر التي توفيت العام 1917 وشارل دو غالون حاكم مدينة الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي والمتوفى العام 1923. وكان الرئيس بوتفليقة أقام، مساء الأحد، مأدبة عشاء تكريماً لنظيره الفرنسي. وقال، في كلمة للمناسبة، ان العلاقات بين البلدين بلغت "قدراً عالياً من التفاهم وبروز صداقة قد يظللها بعض السحب، غير انه محكوم عليها بأن تزداد متانة وتصمد فى وجه عوادي الزمن". وقال الرئيس الجزائري ان اتحاد المغرب العربي "الذى يعرف مخاضا طويلا وعسيرا دخل طور التشكل ويأخذ تدريجاً قوامه محاولا تجنب العوائق التى ثبطت سيره حتى الآن"، مشيراً إلى حرص بلاده على "مضاعفة اللقاءات بين المسؤولين على شتى المستويات وتوسيع دائرة التفاهم والتعاون بين البلدان المغاربية". وتجنب الرئيس الجزائري، للمرة الأولى في مثل هذه المناسبات، الإشارة إلى موضوع الصحراء الغربية. وكان الجانبان وقعا اعلاناً سياسياً عرف باسم "بيان الجزائر" حدد مجالات الشراكة والمحاور الكبرى للتعاون الثنائي. وتضمن البيان اربعة محاور تتمثل في تعزيز التعاون لمرافقة الاصلاحات في الجزائر والعلاقات الاقتصادية والتجارية المعمقة وتحسين تنقل الاشخاص بين البلدين. كما تم التوقيع على اعلان نيات يتضمن انشاء مجلس اعلى جامعي جزائري - فرنسي للبحث. كما تم التوقيع بالاحرف الاولى على محضر المحادثات السياسية بين الوفدين الجزائري والفرنسي، اضافة إلى بيان نيات آخر يتعلق بالتعاون في المجال السمعي - البصري والثقافي. وكان الرئيس شيراك قام، مساء الأحد، بتسليم ختم الداي حسين باشا للرئيس بوتفليقة. وهو من الفضة والحجارة الكريمة مرصع بآيات قرآنية. ويعود هذا الختم الى نهاية القرن السابع عشر، ويرمز الى سلطة ذلك العهد اذ كان يستخدم في تصديق القرارات والمعاهدات والعقود الرسمية. وسلم هذا الختم العام 1830 الى المارشال دو بورمون الذي كان يقود الحملة الاستكشافية الفرنسية. وصرح شيراك خلال تسليمه الختم الى الرئيس الجزائري: "نحن ندرك نتائج احداث 1830 على مصيرنا المشترك. وهذا الختم سيشكل منعطفاً في علاقاتنا المتعددة الجوانب والغنية والأليمة والمأسوية في آن واحد"، لافتاً إلى أن "عودة رمز السيادة هذا الى الدولة الجزائرية يأتي لتعزيز الرباط بين بلدينا". ومن جهته اهدى الرئيس بوتفليقة شيراك الوثائق الأصلية لمذكرات الجنرال الراحل شارل ديغول المتعلقة بحرب الجزائر.