وصفت موسكو وجود القوات الأميركية في العراق بأنه "احتلال عسكري"، ونددت بالغارات على المدنيين، داعية إلى إعادة الملف العراقي إلى مجلس الأمن، ومتمسكة بالتعاون الاقتصادي مع بغداد. وأشارت إلى وجود سفن روسية في موانئ سورية، محملة مواد للعراق، فيما أكد السفير الأميركي في موسكو أنه لا يقدم ضمانات في شأن التزام العقود النفطية الروسية الموقعة مع بغداد. في الوقت ذاته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان أن بإمكان واشنطن وباريس استئناف "تعاونهما الوثيق"، مؤكداً استعداد بلاده لتجديد "علاقة الثقة" مع أميركا. للمرة الأولى استخدمت روسيا تعبير "الاحتلال العسكري" في الحديث عن الوجود الأميركي في العراق، مطالبة بالوقف الفوري للحرب. وأكدت تمسكها ببرامج التعاون الاقتصادي مع بغداد وعرضت مساعدات غذائية. وأجرى وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف سلسلة اتصالات مع نظرائه في فرنسا والمانيا والولاياتالمتحدة، ومع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وأكدت بيانات رسمية أنه طالب ب"وقف سريع" للحرب، وإعادة الملف العراقي إلى مربع الشرعية الدولية. وأصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً تضمن تنديداً بالغارات على المدنيين، معرباً عن القلق من سقوط عدد كبير من الضحايا في بغداد. ورفض نائب وزير الخارجية يوري فيدوتوف استخدام كلمة "عدوان" لوصف الحرب على العراق، وقال إن مثل هذا الوصف هو من اختصاص مجلس الأمن، لكنه ذكر أن ما يجري على الأرض هو "احتلال عسكري باستخدام القوة"، تترتب عليه التزامات وفق القانون الدولي، منها المسؤولية عن حماية المدنيين. وأضاف في حديث إلى صحيفة "فريميا نوفوستي" ان محاولة اسقاط أنظمة بالقوة ستدفع بلداناً كثيرة إلى السعي إلى حيازة أسلحة دمار شامل، باعتبار ذلك ضمانة ل"أمن نسبي". واعتبر فيدوتوف أن ادخال قوات دولية إلى العراق هو واحد من "احتمالات" ستدرس في إطار مجلس الأمن، وكشف وجود سفن روسية في موانئ سورية، محملة مواد للعراق، جرى التعاقد عليها ضمن برنامج "النفط للغذاء"، وقال إن هناك محاولات لتسوية الخلاف على مصيرها. وطالب المسؤول الروسي باستمرار العمل وفق البرنامج، لكنه قال إنه قد تتخذ "قرارات فنية موقتة" لتسريع ايصال المساعدات. وأوضح ديبلوماسي روسي ل"الحياة" ان موسكو تسعى إلى توصيل المواد المطلوبة إلى بغداد، لكنها لا تريد أن يتم ذلك عبر قوات الاحتلال، في حين أن مفتشي الجمارك الدوليين الذين كانوا يراقبون الحدود سحبوا، بناء على طلب أميركي، ما قد يجعل أي شحنة من دون ترخيص تعد انتهاكاً لنظام العقوبات. وتعمد الديبلوماسية لايجاد تسوية لهذه الاشكالية. لكن السفير العراقي في موسكو عباس خلف أكد أن بلاده لا تريد "مساعدات إنسانية"، ونصح وزير الطوارئ الروسي سيرغي شويفو بأن "يوفر المال للخزانة الروسية" ويعيد الخيم التي ارسلت إلى كرمنشاه لإعداد مخيمات لاستقبال اللاجئين، مؤكداً أن لدى العراق "المال والاحتياطات اللازمة". ورد عليه نائب مدير الديوان الحكومي اليكسي فولين الذي قال إن المساعدات تقدم بقرار من الحكومة "إلى الناس وليس للسفراء والحكام". في غضون ذلك، أعلن وزير الطاقة ايغور يوستوف أن اللجنة الروسية - العراقية للتعاون الاقتصادي تواصل أعمالها، مذكّراً بأن الجانبين وضعا الخطوط العامة لبرنامج طويل الأمد لعشر سنين قدرت قيمته الاجمالية ب40 بليون دولار. وقال إن الشركات الروسية تستعد ل"العودة فوراً" إلى العراق، بمجرد توقف العمليات العسكرية لاستئناف نشاطها في المشاريع التي بدأت تنفيذها. ويرى مراقبون ان هذا التصريح يتضمن مقداراً كبيراً من التفاؤل بإمكان بقاء الحكومة الحالية، أو على الأقل وفاء الحكومة المقبلة بالتزامات سابقة. لكن السفير الأميركي في موسكو الكسندر فيرشبو أكد أنه "لا يستطيع تقديم ضمانات" في شأن العقود النفطية الروسية في العراق، وقال إن الحكومة العراقية المقبلة ستتخذ قراراً في هذا الموضوع، وفي ضوء موقف موسكو من استراتيجية الإعمار لفترة ما بعد الحرب، أي أن السفير يريد لروسيا أن توافق سلفاً على الطلب الأميركي بأن تكون الولاياتالمتحدة مسؤولة عن برنامج "الإعمار"، بالتالي تتولى الانفاق عليه من عائدات النفط العراقية. وعرض السفير "مساعدة" لاجلاء موظفي السفارة الروسية من بغداد، قائلاً إن بقاءهم هناك "فيه مقدار كبير من المخاطرة". دوفيلبان وجهاز المفتشين في لندن، أكد وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان أمس أن للأمم المتحدة دوراً تلعبه "في قلب إعادة الإعمار وإدارة شؤون العراق". وتابع في كلمة ألقاها أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، انه ينبغي "المضي في نزع أسلحة العراق حتى النهاية"، وان هذا الهدف ينبغي أن يتولاه المفتشون الدوليون، باشراف الأممالمتحدة، داعياً إلى انشاء "جهاز من المفتشين الدوليين" كفيل ب"تجسيد تطلعاتنا". وتطرق إلى العلاقات الأميركية - الفرنسية، قائلاً إنها مبنية على "قيم مشتركة"، ومشيراً إلى أن بإمكان البلدين استئناف تعاونها "الوثيق والمتضامن". وأكد استعداد فرنسا لتجديد "علاقة الثقة والتقارب مع الولاياتالمتحدة". وزاد انه "يتفهم الصدمة الهائلة التي استهدفت" الولاياتالمتحدة في 11 أيلول سبتمبر ويشاركها "عزمها على مكافحة الإرهاب بلا هوادة وفي كل مكان". وأشار إلى أن الخيار الذي أقدمت عليه فرنسا في سياق الأزمة العراقية "لم يكن موجهاً ضد هذه الدولة أو تلك"، بل اتخذ استناداً إلى "فكرة معينة لما ينبغي أن تكون عليه المسؤولية الجماعية". ولفت إلى ان "وحدة الاجماع واحترام الحق" يضفيان الشرعية الضرورية على أي عمل و"بتجاوز هذه الخطوط، فإن اللجوء إلى القوة قد يتحول إلى عنصر عدم استقرار". وشدد على أن فرنسا لا ترفض استخدام القوة "لكنها تحذر من أخطار الاستخدام الوقائي لها"، متسائلاً عن مدى شرعية مثل هذا الاستخدام، والحدود التي ينبغي وضعها أمام ممارسة القوة.