وجه الرئيس جاك شيراك تحذيراً جديداً الى بغداد وحضها على عدم ارتكاب أي خطأ مع المفتشين أو عرقلة مهمتهم، فيما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان ان نظام التفتيش "صارم وواقعي". في الوقت ذاته حملت موسكو على ممارسات فرق التفتيش السابقة التابعة ل"اونسكوم"، معتبرة ان لا مبرر في هذه المرحلة لأي عملية عسكرية ضد العراق، ومستبعدة أي علاقة بين بغداد والارهاب الدولي الذي أصرت المانيا على أن مكافحته يجب أن تحظى بالأولوية. وطالبت روسيا بخفض فترة عمل فرق التفتيش، والربط بين التفتيش وتعليق العقوبات الدولية. طالبت روسيا ب"تقليص" الفترة الزمنية لعمل المفتشين و"احكام الربط" بين التفتيش وتعليق العقوبات، منتقدة بشدة عمل الفرق الدولية السابقة في العراق. وطلبت من "انموفيك" الالتزام ب"النزاهة"، فيما ذكر أحد مستشاري الرئيس الروسي أن موسكو تواصل محادثاتها مع العراق في شأن عدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى. وقدم نائب وزير الخارجية الروسي يوري فيدوتوف تفاصيل لتوضيح القرار 1441، قائلاً إنه ينص على انشاء نظام للرقابة على نزع السلاح في غضون 60 يوماً، وبعد 120 يوماً على اطلاقه يجب أن تعلق العقوبات. وكانت موسكو أكدت على لسان فيدوتوف نفسه انه يجب أن تمضي سنة قبل "النظر في تعليق العقوبات"، فأثارت بذلك استياء شديداً لدى بغداد. وبموجب التصريح الأخير لنائب وزير الخارجية، فإن الفترة المقترحة حالياً قد تكون في حدود تسعة شهور. وعاد فيدوتوف إلى التذكير ب"السلة" التي كانت موسكو اقترحت بموجبها مبادلة عودة المفتشين بتعليق العقوبات، لكنه قال إن "التعاون التام" من العراق قد يجعل بالإمكان "تكثيف" الجدول الزمني لعمل المفتشين و"تسريع الحركة نحو تعليق العقوبات". وأشار إلى أن الخبراء الدوليين سينجزون "جرداً ومقارنة" بين الوضع الحالي وما كانت عليه الأوضاع عام 1998، أي قبل سحب المفتشين. وأضاف أن الملف النووي كان آنذاك "أغلق عملياً" والملف الصاروخي كان "قريباً من الاغلاق"، فيما ظلت تساؤلات في شأن الأسلحة الكيماوية والجرثومية. وتمنى على فرق التفتيش أن تعمل بموجب قرارات مجلس الأمن و"وفق صلاحياتها". في الوقت ذاته، وجه المندوب الروسي لدى الأممالمتحدة سيرغي لافروف انتقادات شديدة إلى فرق التفتيش السابقة، وقال إنها مارست أعمالاً "لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل"، واتبعت "أساليب فظة متجاهلة سيادة العراق وكرامة شعبه". وأعرب عن الأمل بألا يتكرر ذلك، وأن يلتزم المفتشون "النزاهة والمهنية". وعن احتمالات الحرب، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف ان "لا مبرر اطلاقاً" لأي عملية عسكرية ضد العراق في هذه المرحلة وطلب الالتزام بنصوص القرار 1441 التي تطالب باجراء تفتيش ورفع تقرير في شأنه إلى مجلس الأمن لبت الموضوع. وأضاف: "لا توجد أي معلومات" تشير إلى علاقة بغداد بالإرهاب الدولي. وأشار الى اكتشاف مقاتلين من 30-40 بلداً في الشيشان، ليس بينها العراق. وتحدث رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف عن "عدم ارتياح" أميركي لقبول بغداد القرار 1441، لكنه قال إن "نوعاً من التحول" طرأ على سياسة واشنطن، مؤكداً أنه "لا يجزم بأن الضربة العسكرية لن تحصل، لكن حصولها ليس حتمياً". مشاريع روسية مع العراق في غضون ذلك، نقلت وكالة "ايتار تاس" الحكومية عن اندريه ايلاريوتوف المستشار الاقتصادي للرئيس فلاديمير بوتين، ان موسكووبغداد تواصلان محادثات لتنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى "إلا أن القرار النهائي لم يتخذ". وتحدث عن البرنامج الذي عرضه العراق وضم 67 مشروعاً، اقترح على روسيا تنفيذها وقدرت قيمتها الاجمالية ب40-60 بليون دولار. واعتبر ايلاريوتوف أن الأرقام الحقيقية "أقل من ذلك"، لكنه أكد أن المشاريع قائمة فعلاً. ويشارك ايلاريوتوف في ندوة روسية - أميركية للاستثمار تعقد في بوسطن، وتحدث عما قاله مسؤولون أميركيون عن مراعاة مصالح روسيا في حال تنفيذ عملية عسكرية ضد العراق، مشيراً إلى أن "الوعود مهما كانت مغرية تختبر بالتجربة"، ما قد يعني ان روسيا لم تسقط خيار الحرب والحصول على "تعويضات". الرباعي الفرنسي - الروسي الى ذلك، شكل الاجتماع الذي عقده أمس الرئيس جاك شيراك مع وزيري الخارجية والدفاع الروسيين ايغور ايفانوف وسيرغي ايفانوف، مناسبة لتحذير العراق من نتائج أي خطأ قد يرتكبه، وتأكيد ضرورة تعاونه مع الأممالمتحدة. ونقلت الناطقة باسم قصر الرئاسة الفرنسي كاترين كولونا، عن شيراك قوله خلال اللقاء: "على العراق ألا يرتكب أي خطأ هذه المرة، وتعاونه الكامل مع الأسرة الدولية ضروري". وأوضحت كولونا ان الجانبين الفرنسي والروسي شددا على ضرورة تمكين المفتشين من العمل لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية "من دون عراقيل" واعتبرا ان المسألة الأكثر أهمية الآن هي عودة المفتشين وقدرتهم على مراقبة السلاح العراقي المحظور وتدميره اذا اقتضى الأمر ذلك، من دون عراقيل. ويشارك الوزيران الروسيان في اجتماعات اللجنة الأمنية الفرنسية - الروسية التي تضمهما ونظيريهما الفرنسيين، وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان ووزيرة الدفاع ميشال اليوماري. وعقد الوزراء الأربعة في ختام اجتماعاتهم مؤتمراً صحافياً في مقر الخارجية الفرنسية، اكد خلاله دوفيلبان ان التشاور والاتصالات الفرنسية - الروسية التي سبقت صدور القرار 1441 وواكبته "تشكل نموذجاً" للتشاور الثنائي الذي ينبغي تطبيقه في قضايا اخرى منها قضية الشرق الأوسط. وأشار الى ان القرار 1441 ينص على نظام تفتيش "صارم وواقعي" معرباً عن ثقته بالمفتشين وقدرتهم على أداء عملهم بفاعلية. واشاد بمهنية رئيس لجنة التفتيش هانس بليكس وصدقيته، عشية لقائهما اليوم في باريس قبل توجه الأخير الى قبرص في طريقه الى بغداد الاثنين. أما وزير الخارجية الروسي فأشاد بمستوى فرق التفتيش وتنوعها، داعياً الى الوثوق بها وعدم السماح بأي تدخل في عملها، خصوصاً ان المفتشين "يخضعون لمراقبة مجلس الأمن ويعملون بإشرافه". ونبه الى ان جهوداً هائلة بذلت في مجلس الأمن للتوصل الى القرار 1441 بفضل "مساع متضافرة"، قائلاً ان الاجماع الذي أتاح تبني القرار يتيح امكانية فعلية لتسوية الأزمة العراقية وسواها من الأزمات الدولية، بما فيها أزمة الشرق الأوسط. وذكرّ بأن قرارات مجلس الأمن ملزمة للجميع، معتبراً ان الأزمة العراقية "ينبغي ألا تحجب عن الأنظار أزمة الشرق الأوسط، بل هما متكاملتان وتسويتهما تساعد في تهدئة الأوضاع في المنطقة". ورداً على سؤال عن احتمال شن الولاياتالمتحدة حرباً على العراق في تحرك منفرد، قال وزير الدفاع الروسي ان القرار 1441 ينص على اجراءات واضحة ومحددة ولا يترك المجال للأعمال المنفردة، مؤكداً ضرورة المضي في تطبيق كل الأطراف المعنية كل بنود القرار. وخلال استقباله وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ليل اول من امس، شدد شيراك على اهمية "ان ينفذ العراق بدقة التزاماته، ويظهر تعاونه الكامل مع الاممالمتحدة". وزاد: "هذا ما تنتظره الاسرة الدولية بالاجماع، يجب ان يتمكن المفتشون من انجاز عملهم بسرعة ومن دون عوائق". في برلين، طالب وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر الرئيس صدام حسين بتنفيذ سريع لقرار مجلس الامن. وفي كلمة القاها امس في البرلمان الاتحادي خلال مناقشة مشروع التمديد للقوات الالمانية العاملة في اطار مكافحة الارهاب الدولي، اوضح فيشر بطلب من المعارضة، ان لحكومته اولويات اخرى غير اسقاط النظام العراقي، لافتا ان العقوبات التي فرضت على العراق "اثبتت فعاليتها من دون شك". وتطرق الى سعي اميركا الى شن هجوم واسقاط نظام صدام، قائلاً ان على واشنطن "ان تسأل نفسها هل هي مستعدة عبر استخدام قوات ضخمة للبقاء فترة طويلة في بغداد".