جنود الطليعة والعمليات الخاصة الاميركيون والبريطانيون الذين يمهدون الطريق الى ارض المعركة في العراق، ليسوا المغامرين الوحيدين. كانت معهم دائماً طلائع من الصحافيين بحثاً عن حقائق ميدانية… عن خطوط النار، وأوضاع المدنيين العراقيين، الضحية الاولى والاخيرة في هذه الحرب، قتلى وجرحى ومشردين. الصحافي بعد يوم طويل على خطوط النار والمفاجآت، يصبح هاجسه العثور على مكان آمن يرتاح فيه ليلته ليعاود التسلل صباحاً الى مناطق اخرى ربما اكثر خطراً. بعد كل يوم طويل في جنوبالعراق كنا نعود أدراجنا الى مركز شرطة "أم قصر" الكويتي المحاذي لميناء أم قصر العراقي، لنحل ضيوفاً على قائد المركز الرائد حسن قبازرد. وبعضنا كان يعود الى منطقة "مزارع العبدلي" الكويتية القريبة من الحدود حيث تقوم بيوت للمزارعين يستأجرونها وآخرون كانوا يفضلون ان يبقوا داخل الاراضي العراقية قرب اي موقع للقوات الاميركية او البريطانية. ينامون في سياراتهم ثم ينفضون صباحاً رمل الصحراء بقليل من الماء. في مركز شرطة حدود أم قصر الكويتي كنا وبعض الصحافيين الكويتيين أكثر حظاً من زملاء مراسلين، اذ كان بعضنا ينام في مهاجع الضباط والجنود... حيث المياه الساخنة التي وحدها تزيل غبار الصحراء وترابها. وحيث وجبة عشاء ساخنة ايضاً. ومساء اول من امس فاجأنا الرائد قبارزد بعشاء غير عادي: "بيتزا" من الكويت… شاركنا فيها صحافي ايطالي لم يكن يتوقع مياهاً ساخنة وبيتزا على الجبهة! أمس لم نستطع التقدم من مدينة صفوان شمالاً نحو مدينة الزبير التي تبعد عنها نحو عشرين كيلومتراً حيث كان الوضع متأزماً. وأبلغنا جنود بريطانيون - طلبوا منا العودة - أن هناك رصاصاً وقذائف يطلقها عراقيون مسلحون باتجاه الطريق الرئيسي الى البصرة. فعدنا لنحاول التقدم غرباً، على الطريق المؤدي الى الناصرية. وبعد نحو ثلاثين كيلومتراً شاهدنا جنوداً بريطانيين في حال استنفار واستعداد. ونصحونا بألا نواصل طريقنا نحو الناصرية لان الوضع خطر ولديهم تحذير من هجمات عراقية. وطلبوا منا العودة سريعاً. وتوجهنا الى منطقة "أم قصر" العراقية وعبرنا مركز قوات المراقبة الدولية اليونيكوم الواقع في الجانب الكويتي من الحدود. وصادفنا هناك وزير الصحة الكويتي الدكتور محمد الجارالله في قافلة من خمس عربات نقل كبيرة وثلاث عربات اسعاف محملة بالأدوية والمساعدات الطبية ارتأت السلطات الكويتية وضعها هناك تمهيداً لنقلها الى مدينة "أم قصر" العراقية. وأُبلغنا ان سفناً بريطانية ستصل بعد يومين الى ميناء "أم قصر" الذي يجري اصلاحه، حاملة مساعدات غذائية. لكن الغريب انه بعد نحو خمسة أيام من احتلال صفوان والزبير لم نلمس ان أحداً يقدم مساعدات الى المدنيين الذين اشتكوا لنا من جوعهم. وتجمع امس المئات منهم قرب معبر الحدود الكويتي يسألون المساعدات. وبدوا متوترين اكثر من السابق الى درجة ان زميلاً كويتياً حذّر من "انتفاضة" الجائعين هنا اذا لم تصل المساعدات سريعاً. وبعد عناء وصلنا الى المعبر الحدودي الجنوبي لأم قصر. وهناك اوقفنا جنود بريطانيون ومنعونا من الدخول. سألنا قائدهم عن الوضع في المدينة فأجاب ان المدينة وحيّها السكني لم تعد فيهما جيوب للمقاومة العراقية، و"اصبحت المدينة مفتوحة". وحين طلبنا دخول المدينة "المفتوحة"، استمهلنا الى حين مجيء مجموعة من الصحافيين القادمين من الكويت بصحبة قوة بريطانية. وجاءت القافلة التي أقلت نحو اربعين صحافياً في عربتين معظمهم مراسلو شبكات تلفزيونية. لكن قائد القافلة وهو كولونيل بريطاني رفض السماح لنا بالعبور، قائلاً: "انا مسؤول عن دخول هؤلاء الذين سجلوا اسماءهم في المركز الاعلامي العسكري الاميركي البريطاني الموجود في فندق هيلتون الكويت". وبدا لنا فعلاً ان المقاومة العراقية سكتت، بعد القصف الصاروخي والمدفعي العنيف الذي تعرضت له مدينة ام قصر في اليومين الماضيين، وأوقع خسائر كبيرة بين سكان المدينة والقوات العراقية المتمركزة فيها. وذكر لنا أحد المدنيين العراقيين ان نحو مئة سقطوا نتيجة القصف. وكانت القوات البريطانية تلاحق بعض جيوب المقاومة طوال يوم امس. هذا على الاقل ما أبلغنا اياه زملاؤنا الذين نُظّمت لهم زيارة المدينة، وحُرمنا نحن الصحافيين المشاكسين من الانضمام اليها. وتأكد لنا ان القوات الأميركية والبريطانية لا تسمح للصحافيين غير المرافقين للوحدات العسكرية الذين يخضعون لشروط وتعليمات مشددة في نقل الأخبار، ومنها عدم تصوير القتلى والجرحى أو التحدث عنهم أو عن رقمهم بالاقتراب من مكان المعارك الدائرة إلا بعد الانتهاء من المعركة واجلاء أية خسائر في الأرواح والمعدات.