بين "ليس باسمي" و"لا للحرب غير العادلة" والشموع المضاءة في معظم عواصم أوروبا وفي أميركا، وبين التظاهرات المتصاعدة الرافعة الشعارات التي تمجد صدام وبن لادن في العواصم العربية، يمكن تصور حجم اختلاف التأثير الذي ستتعرض له الدول المحاربة، وذلك المتوقع ان تقع فريسته المجتمعات العربية الرافعة أيديها وعيداً أو عجزاً. لا حرب بلا ضحايا أبرياء. لكن أن تبدأ الحرب على البصرة بمجزرة يروح ضحيتها 70 مدنياً عراقياً تنقل وسائل الإعلام صور أجسادهم الممزقة، مسألة تدفع الى سؤال بديهي عن قدرة الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني على الاحتمال إذا طالت الحرب. بالطبع، السؤال نفسه ليس مطروحاً على بغداد. فلا أحد يمكنه التقليل من قدرة صدام حسين على احتمال الخسائر بلا حساب. فالذي استطاع استيعاب مقتل 125 ألف جندي في حربه مع ايران، وتجاوز هزيمة "أم المعارك"، سيتجاهل حتماً أي رقم للضحايا، بل سيتوهم امكان استعمالها ورقة لإثارة الرأي العام الغربي ومسيرات السلام من جهة، وتظاهرات الشارع العربي من جهة أخرى. لكن صدام الذي فشل في قراءة أحداث 11 أيلول سبتمبر، يعجز أيضاً عن فهم ان العقيدة السياسية الأميركية الجديدة أخرجت الى العلن صقوراً يستهينون بالتضحيات. وهو لا يدرك حتماً ان المعارضة الغربية للحرب تبقى في اطار حق التعبير والاختلاف ولا تمنع التماسك مع القوات المقاتلة، في حين ان الشارع العربي الغاضب لن يتمكن من وقف الحرب أو من انقاذ نظام آيل الى السقوط مهما حاول رأسه وعد العراقيين والأمة ب"نصر قريب". لا شك في ان دخول الحرب في سياق كر وفر له أثمان ولو أنه لن يؤدي الى وقفها أو حرفها عن هدف اسقاط نظام صدام. فجورج بوش وتوني بلير يلعبان ورقة مستقبلهما السياسي. والولاياتالمتحدة تختبر مدى قدرتها على قيادة العالم وفق تصوراتها لطبيعة الأنظمة ونمط التعامل مع "الدول المارقة" أو تلك التي لا تشاطرها مفهومها للحرب الوقائية. أضف الى ذلك أن لمجريات الحرب ولشكل التغيير الذي ستحدثه واشنطن في العراق انعكاساً حتمياً على علاقتها بالمنطقة وبالعالم الإسلامي، مثلما ستنعكس حتماً على "الحملة المقدسة" التي تشنها على ارهاب قد تراه متناسلاً وأكثر خطورة بفعل الشعور بالاحباط والمذلة الناجم عن انتصار في حرب لم تقتنع الأممالمتحدة وشعوب العالم بمبرراتها الأخلاقية والسياسية. المؤكد ان دولة بحجم الولاياتالمتحدة وأهميتها أو بحجم بريطانيا وموقعها، تستطيع التعامل مع المخاطر المتوقعة لنتائج الحرب، لكن ما يثير القلق فعلاً هو الثمن الذي يمكن أن تدفعه المنطقة العربية من جراء حرب بدأ دويّها يفجِّر المكبوت في النفوس ويهدد بانعكاسات على الاستقرار. وفي الواقع، فإن العالم العربي الذي عجز عن اتخاذ موقف شجاع يدرأ الحرب عن العراق أو الاتفاق على مبادرة تخرج دوله من التهميش السياسي، يواجه الحرب بتشرذم عميق، لن تفلح معه محاولات عمرو موسى جمع التأييد لمطلب وقف الحرب. وتنبئ التظاهرات التي اندلعت في بعض العواصم وتخللتها هتافات صاخبة ومواجهات دامية بأيام صعبة بل خطرة إذا طالت الحرب الأميركية - البريطانية، خصوصاً ان الأنظمة العربية التي لم تطور آليات ديموقراطية تستوعب الاحتجاج تواجه حالياً بخطاب تخويني وبمعارضات ذات مشاعر ملتهبة وشعارات تدعو الى الرد على العنف بعنف في كل اتجاه. بين الحملة المناهضة للحرب في الغرب وبين تظاهرات الشوارع في العالم العربي بَوْن شاسع في المفاهيم ومثله في النتائج الداخلية المتوقعة للحرب المعلنة. صحيح ان ملايين المتظاهرين لم يمنعوا الاندفاعة نحو الحرب، لكن الأكيد ان حركتهم أثرت في أسلوب ادارتها في اتجاه أقل فظاظة، وهؤلاء يستطيعون عبر الانتخابات فتح الباب لسياسات بديلة. أما متظاهرو العالم العربي فتختلط لديهم معارضة الحرب الأميركية بتأييد النظام العراقي، ما يجعل احتجاجاتهم غير متمتعة بأفق سياسي بنَّاء، لذا يخشى ألاّ يبقى أمامهم وأمام دولهم سوى مأزق عنف يمارسونه ضد السلطة، أو عنف تمارسه السلطة ضدهم، أو العودة الى الغرق في صمت القبور. وفي كل الأحوال يبدو الثمن باهظاً على مجتمعات لم تتمتع بعدُ باستقرار كافٍ كي تحتمل محاولات زعزعة الاستقرار، وتحتاج الى تغيير لا تعرف متى يأتي ومن أين وكيف.