بوش واثق من النصر... صدام مطمئن الى الانتصار، ولو بالسكاكين. بوش يعتبر قضيته عادلة، صدام يراه متحالفاً مع الصهيونية. مَن يعرف الجواب، ويميز بين الرئيسين؟ باول يدعو القادة العراقيين الى "الحكمة" لأن تغيير النظام في بغداد حتمي... وهؤلاء القادة يلعنون من على شاشات التلفزيون "حلف الشر". أين الخير؟... والعراقيون موعودون بحدائق الديموقراطية، الآتية بعد الموجات الليلية لصواريخ "توماهوك"، تدك بغداد على رؤوس الجميع، لكن بعضها "ذكي" الى درجة اصطياد الرؤوس الكبيرة وحدها! انغولا شطبت من لائحة دول التحالف، لا أحد يدرك ربما السبب، بعيداً من النيات "السيئة"، والحديث عن بازار الصفقات. ولأن "الحرية للعراق" تغري حتى القطبين المتجمدين، شمالاً وجنوباً، انضمت الى صفوف التحالف كوستاريكا، وبنما صاحبة تجربة "المشاغب" نورييغا، وكذلك فعلت جمهورية بيلاو. هل احد في العالم يجعل موقع بيلاو، وفضائلها على الحريات واستقرار البشرية؟ كثيرون يتنافسون على انتزاع الشعب العراقي من الجحيم، انما تحت العلم الاميركي، وبعد ليال طويلة آتية، من موجات "الصدمة والرعب"، وفي كل ليلة، أهل بغداد يعدهم البنتاغون ب"أم القنابل". بعض من كلام الاستراتيجيا: أعتى قوة في العالم، بمساعدة القوات البريطانية وغواصاتها، تواجه جيش العراق وحرسه الجمهوري وميليشيا عدي صدام حسين، لا لشيء إلا لضمان أمن العالم! على الجميع ان يصدق، وكثيرون خارج التحالف لا يصدقون، وعلى رأسهم البابا يوحنا بولس الثاني. البابا لا يرى ان حرباً وحشية يمكن ان تزرع لملايين من البشر جنين الحرية والرفاهية، بعد عقود من الأسر في سجن كبير. ولا رجل دين في أي مكان - باستثناء حاخامات شارون - يمكنه ان يمنح البنتاغون بركاته، ويدعو له. والواقع ان الملايين في القارات الخمس، حتى في عقر دار بوش حيث يعتقلون المتظاهرين ضد الحرب، تجاوزوا صدمة خطف العالم وسوقه رهينة ليشهد زوراً على سحق بلد بكل أنواع الأسلحة، بما فيها الأسلحة المحظورة، بذريعة نزع ترسانة الدمار الشامل التي يخبئها صدام. تجاوزوا الصدمة، ولكن للحرب أهوالها وضحاياها، وما زالت في البداية. لا يفيد في ذلك البحث عن الخيِّر والشرير، ولا السقوط في دعايات التضليل، واحتكار الحقيقة المطلقة. هل كل من يتظاهر في كل بقاع الأرض ضد الرغبات "السعيدة" للرئيس الاميركي مضلَّل؟ كم قيل ان بوش لا يسمع، وان حال صدام ليست أفضل، وهو لا يرى ايضاً ان الرهان على اللحظة الأخيرة، فات وقته من زمان. أليس من الحقائق المرّة ان يتمنى بعض العراقيين، وعددهم بالملايين، النصر لجحافل الاميركيين من البصرة الى كركوك والموصل وقلب بغداد، ولو كان الثمن سقوط مئات الآلاف من الضحايا، ومعهم ما تبقى من هياكل الجامعة العربية، للوصول الى اليوم الآخر، الآتي على اجنحة الصواريخ؟ المشهد المأسوي يتكرر: حال الكويتيين تحت الاحتلال العراقي، فصول اللبنانيين ايام حروبهم التي قادت الى الاستنجاد بالاسرائيلي... وحكاية الليبيين تحت حصار لوكربي، وهو دفعهم في النهاية الى الاعتراف بالحقائق "الامبريالية" والتعامل معها. الفصل الجديد في العراق، اكثر ضراوة ووحشية، وفي غياب أي صوت غير صوت صدام وقادته في الداخل، أليس من الحقائق السود ان يخوض المحتجون في العالم العربي حرب الشوارع مع قوات مكافحة الشغب، لأنهم يبغضون كسر شوكة بلد عربي بقوة المحتل الاميركي، فيما عراقيون معارضون في الخارج، وصامتون أبرياء في الداخل، متفائلون بورود الاحتلال، والخلاص بأي ثمن؟! الضحايا لن يكونوا فقط في البصرة والناصرية والسماوة، ولا في بغدادوكركوك... هؤلاء عرب من الخليج الى المحيط، وأوروبيون وروس، وأفارقة، لأن الشرعية الدولية باتت من لون واحد، اميركية خالصة، يشرّعها البيت الأبيض والبنتاغون. بعد العراق، من يجرؤ على تحديهما، ورفض الخرائط الجديدة للعالم التي تُرسم بمقتضيات أمن الأميركي. وحده الأميركي يمتلك القدرة على "الصدمة والرعب"، لا مجال للحوار ولا الخيار: الديموقراطية ولو بصواريخ "توماهوك"، أو حجز مقعد في قطار ولايات القارات الاميركية. لا وقت للبكاء، حتى على الضحايا الأبرياء في العراق، عجز العرب عن فعل أي شيء لإنقاذهم، والآن جاء دور بوش وقضيته "العادلة". المبارزة مع صدام ما زالت في بدايتها، إلا إذا اختار "حكمة" الوزير كولن باول. هل أحد يجهل الجواب؟