ما يدور في إقليم دار فور اليتيم، خصوصاً في منطقتي جبل مرة وكرنوي، لمحزن جداً. فحكومة الخرطوم قامت في 28/2/2003، بهجوم على المناطق المتاخمة لجبل مرة حيث عناصر جبهة تحرير دار فور، بطائرات الأنطونوف التي تحمل القنابل المحشوة بالروايش والديناميت، وكانت تستخدم في جنوب السودان وجبال النوبة وشرق السودان. وحصل اشتباك عنيف بين ثوار جبهة تحرير دار فور وقوات المشاة التابعة للحكومة وقتل أكثر من مئة جندي من الميليشيات التابعة للحكومة وجيشها. وجبهة تحرير دار فور ليست حركة تمرد، بل هي حركة تحرير من الظلم والتهميش، وتنادي بمطالب منطقية، وقائدها هو المحامي عبدالواحد محمد أحمد من مواليد جبل مرة في 1965، من قبيلة الفور العريقة، وخريج جامعة الخرطوم، كلية الحقوق، وعمل محامياً في مدينة زالنجي، وليس له أي انتماء سياسي، ودخل السجن في عهد الانقاذ أكثر من عشر مرات في سجون زالنجي، وكان يقوم دائماً بتنبيه الحكومة الى حوادث تقع من حين الى آخر. وكان نصيبه دخول السجن. وفي بعض الأحوال يستجوب لساعات طويلة. أما الدوافع الحقيقية التي جعلت المحامي يحمل السلاح فهي غياب هيبة الدولة، وانعدام الأمن، وتأخر بعض الولاة القبليين عن نقل الصورة الحقيقية لمأساة دار فور، وضعف الأجهزة الأمنية. فلا يعقل أن تحرق مئات القرى، ولا تحرك الحكومة ساكناً. فالمناضل عبدالواحد يدافع عن المستضعفين في دار فور، وأهله الغلابة ساكني القطاطي الذين يتعرضون صبح مساء لهجمات من ميليشيات تدعمها الحكومة علناً. ودار فور من أكبر ولايات السودان انتاجاً للثروة الحيوانية والفواكه، إلا اننا لا نجد مصنعاً واحداً في دار فور لتعليب الفواكه، أو لتعليب اللحوم. ودار فور أشبه بالعصر الحجري. وحتى المدارس التي تم بناؤها في عهد الاستعمار تكسرت وأهملت، ومعظم المدارس مغلقة. أما إذا سألت عن طريق الإسفلت فلا يوجد في دار فور إلا طريق واحد بناه الألمان بمجهودات من حاكم إقليم دار فور، أحمد دريج، وهو طريق نيالا كاس زالنجي. ومن الدوافع، القتل المتعمد، وحرق قرى المزارعين. ويمكن مشاهدة شريطي مجزرة قرية سنقتا، ومذبحة شوبا، وهما وزعا في لندنوالقاهرة على جميع المنظمات الإنسانية والسفارات. ومن الدوافع غياب أبناء دار فور عن الساحة السياسية السودانية. والموجودون هم "كومبارس" و"ديكور" للنظام، ولم يتكلم أحد في برلمانهم المزعوم في الحوادث هذه. فهم منتفعون من النظام، ومطبلون للإنقاذ. ومن أخطر الدوافع تعمد الدولة تأجيج الصراعات، وعدم احتوائها ودعم الحكومة لبعض القبائل، وهي دخيلة على السودان. فدار فور اليتيمة أحداثها غير إنسانية. ويحرفها التعتيم الإعلامي، وتشويه الحقائق. والهجوم على دار فور بالطائرات هو مسؤولية المجتمع الدولي وحمايته. وإلا ستكون المأساة أخطر مما هي عليه الآن. ان مشكلات دار فور معقدة وقديمة، ولكن حكام "الإنقاذ" يتحملون المسؤولية عن تفاقم كثير منها. ويتحملون المسؤولية التاريخية عن المشكلات الجديدة التي أوجدوها في دار فور، وتطعن وحدة السودان. وجبهة تحرير دار فور هي نتاج أخطاء الحكومات التي حكمت السودان من الاستقلال الى يومنا هذا. ونحن، كسودانيين، من حقنا أن ننعم بالرفاهية، والعيش الكريم. ويجب على الدولة أن تواجه المشكلات بشجاعة، وتضع الحلول المنصفة، وألا تلجأ لاستخدام العنف، لأن العنف لا يولد إلا العنف، ونتيجته واضحة في العنف الذي استخدم في جنوب السودان، وجبال النوبة، وشرق السودان. ولقد يأتي اليوم الذي نأسف فيه على وحدة التراب السوداني. القاهرة - حسن آدم كوبر [email protected]