اصبحت بريطانيا مقتنعة بصعوبة تمرير قرارٍ ثان في مجلس الامن، وقال زعيم حزب المحافظين المعارض إيان دنكن سميث، بعد اجتماع عقده مع رئيس الوزراء توني بلير، ان الحرب "مرجحة"، فيما نقل عن مساعد للمستشار الالماني غيرهارد شرودر الذي التقى بلير اول من امس ايضاً قوله ان البريطانيين فقدوا الامل في صدور قرار دولي يتيح استخدام القوة ضد العراق. وقوبلت الاقتراحات التي قدمتها بريطانيا الى مجلس الامن ملحقاً للقرار الذي تدعمه الولاياتالمتحدة واسبانيا برفض فرنسي قاطع واعتبره وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان انه ينطوي على منطق حرب، كما رفضته الصينوالمانيا. واتهمت لندن الرئيس جاك شيراك بأنه يعمل لمصلحة الرئيس صدام حسين. قال ايان دنكن سميث زعيم حزب المحافظين البريطانيين المعارض امس بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء ان بلير يعتقد بأن صدور قرار ثان من الاممالمتحدة اصبح الآن اقل ترجيحاً. واضاف ان بلير أبلغه "ان صدور قرار ثان الآن اكثر صعوبة مقارنة بأي وقت مضى لأن الفرنسيين أصبحوا متعنتين للغاية" بتهديدهم باستخدام حق النقض الفيتو ما زاد في صعوبة اقناع الاصوات المترددة في مجلس الامن بالتصويت لمصلحة قرار جديد يمهّد لشن حرب على العراق. في برلين قال احد ابرز معاوني المستشار غيرهارد شرودر امس ان المسؤولين البريطانيين لم يعودوا يأملون بمصادقة الاممالمتحدة على قرار يتيح استخدام القوة ضد العراق. واضاف بيرند موتسلبرغ مستشار شرودر للشؤون الخارجية والامنية في تصريحات لتلفزيون "اي ار دي" بعدما التقى مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في لندن امس الاربعاء "شعرنا ببعض التسليم بالامر الواقع لدى محاورينا البريطانيين". واكد ان المانيا التي اعلنت انها ضد العمل العسكري لم تكن ضد تقديم مطالب نزع تسلح محددة الى بغداد لكنها لا يمكن ان تساند اقتراحات بريطانية جديدة تضع للعراق ستة شروط عليه الاذعان لها. وزاد: "الاقتراح البريطاني ليس للتسوية. فما زال يتضمن الآليات نفسها الموجودة في الصيغة الاصلية لمشروع القرار الاميركي". وقوبلت الاقتراحات البريطانية التي سعت لندن خلال جلسة مجلس الامن اول من امس الى احداث تغيير يتيح تبني قرار ثان يفتح الباب لاستخدام القوة برفض فرنسي صيني الماني روسي. واستهجن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الرفض الفرنسي، وقال: "من المستهجن ان تقرر الحكومة الفرنسية رفض هذه الاقتراحات من دون حتى ان تدرسها عن كثب". واعرب سترو عن اسفه لأن هذه التصريحات تضاف الى تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي قال فيه ان فرنسا سترفض "مهما كانت الظروف" قراراً جديداً. وأعلنت الصين امس انها اطلعت على الاقتراحات البريطانية الهادفة الى التوصل الى حل في الاممالمتحدة حول المسألة العراقية لكنها اكدت مجدداً رفضها استصدار قرار جديد. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية كونغ كوان انه يجب مساندة القرار 1441 الذي نتجت عنه عودة المفتشين الى العراق، حتى النهاية. واضاف: "اطلعنا على الاقتراحات البريطانية، الا انني اود ان اذكّركم بأن القرار 1441 اقر بإجماع اصوات اعضاء مجلس الامن". وزاد: "ليست هناك ضرورة لقرار جديد. فلم يتم استنفاد القرار 1441 الذي حقق وضعه موضع التنفيذ تقدماً". باريس ترفض منطق الحرب رفضت فرنسا امس الشروط الستة التي اقترحتها بريطانيا موازية لمشروع القرار الخاص بالعراق، باعتبار أنها "لا تشكل رداً على الاسئلة المطروحة من المجتمع الدولي". جاء ذلك في بيان رسمي أصدره وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان الذي شدد على ان "فرنسا أخذت علماً بآخر الاقتراحات الديبلوماسية البريطانية"، ووجدت انها "لا تشكل رداً على الاسئلة المطروحة من المجتمع الدولي". وأضاف ان ما هو مطروح "ليس امهال العراق بضعة أيام اضافية قبل اللجوء الى القوة"، بل "التقدم بعزم على طريق نزع التسلح الذي شقته عمليات التفتيش". وكرر ان هذه العمليات "تشكل بديلاً مجدياً من الحرب"، وأن هذه الجدوى تأكدت عبر تقرير رئيس لجنة "انموفيك" هانس بليكس والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي في 7 آذار مارس. وأشار الى أن فرنسا "تدعم جهود كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي ترغب، استناداً الى ذهنية القرار 1441 في اعطاء مهلة واقعية للعراق، للتوصل الى نزع تسلحه". وذكر ان نجاح هذه المهمة "يستدعي تعاوناً كاملاً من السلطات العراقية". ولفت الى أن باريس تدعم جهود "كل الذين يرفضون منطق الانذارات، ويسعون الى احاطة عمليات التفتيش ببرنامج عمل وجدول زمني محدد"، موضحاً أن هذا هو فحوى الاقتراحات الفرنسية التي عرضت أخيراً على مجلس الأمن. وفي وقت لاحق، أوضح دوفيلبان في تصريح الى التلفزيون الفرنسي ان الشروط البريطانية "تندرج في منطق الحرب ومنطق الاستخدام التلقائي للقوة"، مشدداً على أن هذا "غير مقبول". ويتضح من موقف دوفيلبان ان فرنسا ترفض الأخذ بالتحذيرات الأميركية، سواء الصادرة عن وزير الخارجية كولن باول ومفادها ان الفرنسيين يعرضون أنفسهم لنتائج خطيرة بسبب تمسكهم برفض الحرب، أو عن مستشار البنتاغون ريتشارد بيرل الذي اتهم باريس بالتواطؤ مع الرئيس صدام حسين و"تغيير قواعد اللعبة" في الأممالمتحدة. لكن هذه التحذيرات تثير القلق لدى بعض الأوساط الاقتصادية، اذ أكد مسؤول في شركة تسلح فرنسية ل"الحياة"، انه على رغم الاجماع حول موقف الحكومة الفرنسية من العراق، هناك مخاوف من احتمال خسارة فرنسا، في مرحلة ما بعد الحرب، أسواقاً في الشرق الأوسط بضغط أميركي. وتابع ان نشاط شركات التسلح الفرنسية يتسم بالجمود منذ نحو سنة، خصوصاً بالنسبة الى الشرق الاوسط، حيث لم توقّع عقود جديدة، متسائلاً عما سيكون عليه الوضع بعد حرب ترفض فرنسا خوضها. وافادت صحيفة "لاتريبون" الاقتصادية ان عدداً من مسؤولي الشركات والمصارف الاميركية العاملين في الولاياتالمتحدة يواجهون قلقاً بالغاً بالنسبة الى مستقبل نشاطهم. وكان الرئيس جاك شيراك اكد في مقابلة تلفزيونية ان فرنسا ستتوجه الى منظمة التجارة العالمية اذا تعرضت لعقوبات تجارية. وتعد فرنسا المستثمر الخامس في الولاياتالمتحدة عى صعيد سوق الاسهم، وهناك 2152 فرعاً لشركات فرنسية يعمل فيها حوالى 460 ألف شخص، ويقدر رقم اعمال نحو مئة منها ب130 بليون دولار. لكن رئيس البعثة الاقتصادية الفرنسية في واشنطن جان فرنسوا بواتان صرح الى صحيفة "لاتريبون" بأن الشركات الفرنسية التي تستثمر في الولاياتالمتحدة تساهم في ايجاد فرص عمل للأميركيين وسرعان ما تعتبر اميركية. لكن الصحيفة اعتبرت ان بعض الشركات مثل "سويز" و"فيفندي انفايرمنت" العاملتين في مجال النظافة والمياه والنقل، قد يتأثر بضغوط البلديات الاميركية التي يسيطر عليها الجمهوريون. الى ذلك توقع مصدر رفيع المستوى في منظمة "اوبك" ان ترتفع اسعار النفط في حال اندلعت الحرب الى 50 - 60 دولاراً للبرميل، وان تصاب منشآت النفط العراقية والكويتية، لافتاً الى ان طول مدة الحرب يهدد الاقتصادين الاميركي والعالمي بالانهيار. وقال ل"الحياة" إن لدى "اوبك" الآن طاقة زائدة قصوى تقدر بنحو مليوني برميل في اليوم، وان النفط الفنزويلي لم يعد بعد الى مستواه العادي ويقتصر على 1.5 مليون برميل في اليوم. وتساءل من أين ستأتي الطاقة الزائدة في حال اصيبت المنشآت النفطية العراقية والكويتية وطالت الحرب، مشيراً الى ان اميركا في مثل هذه الحال ستضطر لاستخدام مخزونها الاستراتيجي علماً انه بمستوى ثلاثة اشهر من الاستهلاك، ولا يمكن بالتالي المخاطرة باستخدامه على نطاق واسع. وقال ان السوق مدركة لهذه الاخطار، وان هذا يبقي سعر البرميل الذي يراوح بين 37 و38 دولاراً مرتفعاً في ظل المخاوف من الحرب وطاقة فائضة محدودة القدرة على التعامل مع مضاعفات اي كارثة كبرى قد تلحق بالاقتصاد العالمي.