في طريق الذهاب إلى برج البراجنة ضاحية بيروت الجنوبية، التي شهدت انتحار شاب في العشرين من عمره في24 شباط فبراير المنصرم، جلس إلى جانب سائق السرفيس سيارة الأجرة، شاب يرتدي سروالا "باغي" ويلون الصباغ الأشقر شعره، كما تملي الموضة على محبي مغني الراب إيمينم. وبعدما ترجل هذا الأخير من السيارة، بدأ السائق باستغفار الله والاستيعاذ به وذهب إلى أن ما صرفه الأهل على الشاب المترجل راح هدراً وأنه سيحرص على عدم تزويج ابنته من رجل يرتدي سروالاً مماثلاً. وسارعت الشابة، الجالسة على المقعد الخلفي، إلى مشاركة السائق بإدانة الشاب الذي لم يصدر عنه شيء مناف للأخلاق قائلة: "الله يجيرنا من أمثاله". و"اللوك" الذي اختاره هذا الشاب هو ما أوجب الإدانة الصارمة والقاطعة من جانب السائق وزبونة سيارته. أما المغني فهو الذي سوغت اسطوانات أغانيه إلصاق تهمة "عبدة الشيطان" بشاب اقتنى هذه الاسطوانات وانتحر. وأوردت الصحف اللبنانية في 25 شباط الخبر الآتي: "الخامسة بعد ظهر أمس انتحر الشاب س.ش 20عاماً من طريق شنق نفسه داخل حمام منزله في شارع بعجور المتفرع من برج البراجنة ... كل ما ضبط في خزانة الشاب المنتحر غريب. فالأفلام وأقراص الكمبيوتر تدل الى أن مقتنيها سوداوي الأفكار، وكذلك القلادات التي ضبطت إحداها في رقبته والثانية تحمل شعار عبدة الشيطان الدائرية وفي نصفها بعض من شعيرات الشيطان"! المنتحر في مرآة جيرانه وتخالف رواية الجيران الرواية التي يجزم فيها الصحافي ع.ص انتماء ابن العشرين ربيعاً المنتحر إلى عبدة الشيطان. فصاحب دكان في الحي الذي سكنه المنتحر يقول إن الشاب الذي قتل نفسه كان مضرب المثل في الأخلاق والهدوء والتأني. ولم يعرف عن قاتل نفسه إلا العادات المحمودة في وسطه. فهو لا يطيل السهر ولا يشرب الخمر ولا يتخذ صاحبات له ولا يدخن. ويضيف جار آخر للشاب المنتحر أن الحيّ بأجمعه كان سيبكي هذا الفقيد ويمشي في جنازته لو لم يقتل نفسه. ويصعب على صاحب الدكان تصديق أن س.ش انتمى إلى عبدة الشيطان، ولا يعرف السبيل الذي أوصله إلى مريدي الشيطان. فالمنتحر لم يذهب إلى الجامعة واكتفى بمتابعة المرحلة المتوسطة من التعليم وعمل مع والده في إصلاح الساعات قبل التحاقه بخدمة العلم التي كان من المفترض أن ينهيها بعد أيام من انتحاره. ولا يفهم الجيران لماذا ورد في الصحيفة أن س.ش انتحر في الحمام. فعدد من الجيران كانوا شهوداً على أن س.ش نفذ انتحاره في غرفة نومه بعدما هرعوا إلى منزل والديّه ليستطلعوا سبب صراخ شقيق المنتحر. وفي هذا السياق يجوز استعادة الكلام الذي ورد في موضع سابق من هذه المقالة عن الشيطان الهوليودي الذي يظهر لمريديه في الحمام ومرآته. فكأن إلحاق تهمة عبادة الشيطان بالشاب الذي طوى مشكلاته معه وأسراره لا يستوي من دون اللجوء إلى العنصر الذي جمع بين الشائعتين البيروتية والطرابلسية، ولا يقوم من دون وصم كل ما "ضبط" في غرفة الشاب بالغريب. فالغريب هي الصفة التي تناط بالشيطان والتي يحصر بها، كما يتجلى ذلك في المثل الشعبي "ما غريب إلا الشيطان".