تشير نظريات الفكر الاقتصادي إلى أن نجاح سياسة اقتصادية معينة يتوقف على تحقيق مجموعة من الشروط، مع ضمان استمراريتها، وهي تتعلق في الأساس بتحقيق معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي يفوق معدل النمو السكاني، حتى يمكن تحقيق تحسن في مستويات المعيشة، وإيجاد فرص توظيف لكل الداخلين إلى سوق العمل، والوفاء بمتطلبات الاستقرار في الأسعار، مع توزيع ثمار النمو على كل فئات المجتمع، والحد من التفاوت في توزيع الدخل، مع حماية البيئة حتى يمكن الحفاظ على نوعية الحياة بالنسبة الى الأجيال المقبلة. من هذا المنطلق، يمكننا دراسة وتحليل الاقتصاد المصري منذ العام 1981 وحتى الآن 22 عاماً. وهنا نلحظ أن المجتمع المصري يتحرك من خلال منظومة تنموية متكاملة تهدف إلى الارتفاع بمعدلات التنمية البشرية، وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد، وذلك من خلال تحديث المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، معتمداً على قراءة علمية ودقيقة لإمكاناته ومتسلحا بتراثه الثقافي، وعلى وعي وإدراك بالمتغيرات العالمية والإقليمية للاستفادة من مزاياها، واكتشاف مخاطرها ومنعها أو على الأقل الحد من تأثيراتها السلبية. وأدركت القيادة السياسية أن الجدل العقيم حول حتمية تعارض هدفي النمو السريع واعتبارات العدالة قد انتهي تماماً، إذ يقدم التاريخ الاقتصادي الحديث العديد من الدلائل على إمكان تحقيق هذين الهدفين في آن، وهي مسألة ليست اجتماعية فحسب بل هي اقتصادية في الأساس، وذلك انطلاقاً من أن السياسات الملائمة للنمو الاقتصادي طويل الأجل هي تلك التي ترتبط بتحسين توزيع العوائد الاقتصادية على جميع قطاعات المجتمع. وبدأت مسيرة التحول بتكليف مجموعة من الاقتصاديين بتجميع الدراسات التي سبق إعدادها عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بهدف الاستفادة منها في التوصل إلى الصورة التفصيلية للحالة الاقتصادية، والتعرف على القدرات والطاقات الموجودة في جميع قطاعات الانتاج والخدمات، وتقويم الموازين الرئيسية للاقتصاد الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات، وتحديد حالة وقدرة المرافق العامة ومخرجاتها، ويلي ذلك وضع مخطط تنموي متكامل للنهوض بالبلاد على مدى فترة زمنية معينة. وفي هذا السياق، طبَّقت الحكومة المصرية حزمة هائلة من التدابير الاقتصادية، وأجرت العديد من التغييرات القانونية في البيئة التشريعية في المجتمع، بغية جعلها تتواءم مع الأهداف الجديدة. وتبنت الحكومة استراتيجية تنموية جديدة كمحور اساسي لرفع كفاءة الاقتصاد القومي، ومن ثم إحداث التنمية المنشودة للبلاد، ولذلك أفسحت المجال واسعاً للقطاع الخاص للدخول في معظم مجالات النشاط الاقتصادي، وتم ذلك بوسائل عدة منها ما يتعلق بالإعفاءات الضريبية والمزايا الأخرى، ومنها أيضا عملية التخصيص التي تم بمقتضاها نقل العديد من المشاريع العامة إلى هذا القطاع، فضلا عن تغيير أو تعديل العديد من القوانين والإجراءات المنظمة للنشاط الاقتصادي، والتي كانت تقف حجر عثرة في سبيل انطلاق هذه العملية. وقامت السياسة الاقتصادية المتبعة على ثلاثة محاور أساسية هي: أولا: تثبيت أوضاع الاقتصاد، أي تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة، والوصول به إلى حدود مقبولة اقتصادياً واجتماعياً، وكذلك الحساب الجاري لميزان المدفوعات، والحد من ارتفاع التضخم، وذلك من خلال أدوات السياسة النقدية والائتمانية والمالية، وكلها أمور تهدف إلى استعادة التوازن الاقتصادي على المستوى الكلي. ثانيا: إعادة التوازن الداخلي على المستوى الجزئي في إطار سياسة الإصلاح الهيكلي، وتهدف إلى تحويل الاقتصاد نحو سياسة تعتمد على القطاع الخاص والصادرات، وتتم عبر التأثير في القرارات الخاصة بالانتاج والتوزيع والتجارة. ثالثا: علاج الآثار السلبية لهذه السياسة على الدخول الحقيقية للفئات الفقيرة، وذلك بإنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية وتعزيز المؤسسات الاجتماعية الأخرى، للتخفيف من وطأة هذه الإجراءات على الفئات المتضررة من هذه السياسة. ولتحقيق هذه الأهداف، طبقت الحكومة المصرية حزمة هائلة من الإجراءات الاقتصادية، بغية جعلها تتواءم مع الأهداف الجديدة. وتركزت هذه الإجراءات في: 1- العمل على تخفيض العجز المالي للدولة عن طريق إعادة النظر في سياسات الانفاق العام، والاستثمار الحكومي، وتحسين مناخ الاستثمار المحلي والأجنبي، وذلك بترشيد الإنفاق العام في العديد من المجالات، وتعديل النظام الضريبي السائد. 2- تحرير سياسات الأسعار، بحيث تترك في معظمها لتحدد وفقا لآلية السوق من دون تدخل من جانب الدولة، وذلك بهدف تحسين تخصيص الموارد وتشجيع الاستثمارات الخاصة، انطلاقاً من فرضية أساسية مؤداها أن الأسعار التي كانت سائدة آنذاك تتسم بالجمود ولا تعكس الكلفة الحقيقية للسلع والخدمات، كما تنطوي على درجة عالية من التشوه أي اختلاف الأسعار المحلية عن مثيلتها في الأسواق الدولية. 3- تعديل أسعار الصرف والفائدة وإلغاء القيود على المعاملات الجارية، بغية إصلاح القطاع الخارجي وعلاج الخلل في ميزان المدفوعات المصرية، وذلك باعتبار أن سعر صرف العملة المصرية مغالى فيه كثيراً، وهو ما يؤدي إلى ضياع القدرة التنافسية للاقتصاد القومي، ويشجع على المزيد من الاستيراد، وبالتالي تفاقم مشكلات الميزان التجاري. وينطبق القول نفسه على سعر الفائدة الذي يجب أن يعكس الندرة النسبية لرأس المال، ومعدلات التضخم السائدة في المجتمع، حيث يمكن تحفيز المدخرات وتشجيع الاستثمار المنتج. وقطعت هذه السياسة شوطاً لا بأس به، وتم على مدى العقدين الماضيين تحقيق تحول جذري في مسار الاقتصاد المصري، والسير به نحو اقتصاد السوق، معتمداً بشكل أساسي على السياسة النقدية والائتمانية والإدارة المالية، وتحرير التجارة الخارجية والخصخصة. وقدمت مصر نموذجاً تنموياً فريداً في التحول من اقتصاد التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق، ومن اقتصاد حرب إلى اقتصاد سلام، ومن اقتصاد حمائي إلى اقتصاد تنافسي، ومن اقتصاد يعتمد على الدعم والمعونات الخارجية إلى اقتصاد يعتمد على الذات. واستخدمت الدولة الآلية التشريعية لمصلحة التوازنات الكلية في المجتمع، والتحقق من أن آليات السوق تعمل في نقاء وشفافية لتحقيق المصلحة القومية للبلاد، فأرست التغيرات المهمة التي حققها الاقتصاد القومي خلال الفترة الماضية لإعادة التوازن في الموازين الاقتصادية والاستقرار النسبي لأسعار الصرف، بالإضافة إلى تحديث منظومة الانتاج من خلال رفع كفاءة الاستثمار واكتساب تكنولوجيا متقدمة ومعارف ونظم إدارية حديثة ومتطورة، وبناء القاعدة التكنولوجية الوطنية وربطها بالقواعد المماثلة في الدول المتقدمة. وباستعراض التطورات الاقتصادية خلال ال 22 عاماً الماضية، يبرز على الفور مدى التغييرات التي حدثت خلال هذه الفترة، ومنها: ارتفاع معدل نمو الانتاج المحلي الإجمالي بنحو 5 في المئة في المتوسط خلال هذه الفترة، وارتفاع معدل نمو الاستهلاك النهائي بشقيه العائلي والحكومي بنحو 5.4 في المئة في المتوسط، أي ما يقارب مرتين من معدل النمو السكاني. كما بلغ حجم الاستثمارات المنفذة خلال هذه الفترة نحو 812 بليون جنيه، منها 402 بليون للبنية الأساسية، ونحو 316 بليوناً لقطاعات الانتاج السلعي، ونحو 74 بليوناً لقطاعات الخدمات الانتاجية. ومن بين قطاعات البنية التحتىة التي استأثرت بنصيب كبير من حجم الاستثمارات يأتي قطاع النقل والاتصالات وقناة السويس في مركز الصدارة بنسبة 17 في المئة أي بنحو 4.126 بليون جنيه، يليه قطاع الإسكان بنسبة 14 في المئة، أي بنحو 77.1 بليون، ثم قطاع الكهرباء بنسبة 4.7 في المئة أي بنحو 55.2 بليون ثم قطاع المرافق العامة بنسبة 4.7 في المئة. وهنا يُشار إلى أن مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات أخذت في التزايد خلال هذه الفترة، فارتفعت من 20 في المئة عام 1981/1982 إلى نحو 68 في المئة عام 2001/2002، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 75 في المئة، مع ملاحظة ارتفاع مساهمة هذا القطاع في الناتج السلعي إلى 9.83 في المئة إذ يسهم بنحو 6.99 في المئة من ناتج الزراعة، و3.89 في المئة من ناتج الصناعة والتعدين، و7.76 في المئة من ناتج قطاع التشييد. وبلغ عدد الشركات المسجلة في اتحاد الغرف التجارية 5.3 مليون شركة، وعدد المصانع الخاصة في اتحاد الصناعات 21600 مصنع. وعلى الجانب الآخر بلغ عدد المصانع في المدن الجديدة 4236 مصنعاً، منها 2524 مصنعا بدأ الانتاج والباقي تحت الإنشاء، وتم استثمار ما قيمته 622.40 مليون جنيه في المصانع المنتجة، ومن المنتظر استثمار ما قيمته 6275 مليون جنيه في المصانع تحت الإنشاء، وقدمت هذه المصانع نحو 234345 فرصة عمل حتى نهاية تموز يوليو 2001، مؤكدة بذلك ثقة المستثمر المحلي والأجنبي في الاقتصاد القومي. الصناعة والتخصيص أدركت القيادة السياسية مدى الأهمية التي يجب أن تعطى للتنمية الصناعية، باعتبارها المنفذ الرئيسي لإرساء قواعد الانتاج وتعظيم القدرات التصديرية للبلاد، ولذلك جاءت على رأس الأولويات كعنصر حاكم لبناء اقتصاد قوي وقادر على المنافسة في ظل الظروف الدولية. وتتحقق التنمية الاقتصادية من خلال وجود قطاع صناعي قوي وقادر على الخروج بمنتجاته إلى الأسواق العالمية. ولقد مرت الصناعة المصرية خلال هذه الفترة بمراحل تطور عدة، شملت متغيراتها الاقتصادية مما انعكس أثره على الانتاج وحجمه، وذلك بالإحلال والتجديد وإعادة التأهيل والتحديث والتوسع بحيث أصبح القطاع الصناعي مؤهلا لتحقيق الانطلاقة الكبرى. وفي هذا السياق، جاءت سياسة اصلاح القطاع العام والتخصيص وتمثلت نقطة البداية في الاعتراف بأن هناك حدوداً قصوى للقطاع العام لا يمكن تخطيها، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن حجم القطاع العام المصري قد تجاوز تلك الحدود، وأن ثمة حاجة ماسة إلى إعادة النظر فيه بما يتماشي مع الاحتىاجات الحقيقية للتنمية، وفي ضوء الإمكانات الإدارية والمالية المتاحة، وذلك انطلاقا من أن أفضل ضمان لاستمرار القطاع العام هو تحوله إلى قطاع كفوء من الناحية الاقتصادية، وهو ما يتطلب الانخراط في الأعمال والأنشطة الاقتصادية الأساسية، وترك الباقي للقطاع الخاص. من هذا المنطلق جاءت سياسة الخصخصة التي تمت وفقاً للقانون 203 لسنة 1991 والذي تمت بمقتضاه خصخصة 172 شركة حتى نهاية 2001، ووصل إجمالي عوائد هذه العملية إلى 687.15 بليون جنيه. وتشير الدراسات التي أجريت على هذه الشركات إلى أنها تمكنت من تطوير أعمالها والنظم الإدارية بها، بل أصبحت تحقق أرباحا وفوائض بعد أن ظلت لفترة طويلة تحقق خسائر مالية كبيرة. هذا بالإضافة إلى برنامج تحديث الصناعة الذي يستهدف زيادة معدلات الكفاءة والانتاجية في الشركات الصناعية المصرية، ومراجعة السياسة الصناعية بما يخدم القدرة التنافسية الصناعية، وذلك انطلاقا من أن التنمية الصناعية هي الركيزة الأساسية للنمو والتنمية في المجتمع. السياسة النقدية والائتمانية ينصرف مفهوم السياسة النقدية والائتمانية إلى التحكم في عرض النقود وأدواته، بما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية المرغوبة، ويضمن التشغيل الكفؤ للموارد الاقتصادية، واستقرار مستويات الأسعار، درءاً للتضخم وحفاظاً على قيمة العملة الوطنية. من هذا المنطلق، تلعب السياسة النقدية دوراً مهماً ورئيسياً في الاقتصاد، نظراً الى قدرتها على مواجهة الخلل بين معدلات الادخار المحلية، والاستثمار القومي. وبناءً على ذلك، فإن العلاقة بين النمو الاقتصادي والتوسع النقدي، أو التوسع في الائتمان المحلي، لها أهمية حاسمة في الحكم على آثار برامج الإصلاح. في هذا السياق، قامت الحكومة المصرية بتحرير أسعار الفائدة في كانون الثاني يناير 1991 اعتماداً على اصدارات الأذون على الخزانة، التي يتم طرحها ويتحدد معدل العائد علىها من خلال مزادات علنية تعقد أسبوعياً. وكان ذلك بمثابة تدشين لمرحلة جديدة تستعين فيها السياسة المالية في تمويل عجز الموازنة بمدخرات الأفراد والمؤسسات المالية وغير المالية، وبالتكلفة التي تحددها قوى السوق، ومن ثم التوقف عن التمويل بالاقتراض المباشر من البنك المركزي. كما أتاح ذلك للبنك المركزي إمكانية تنفيذ سياسته النقدية الرامية لامتصاص فائض السيولة لتحجيم أثرها التضخمي، بالإضافة إلى ادخال العديد من التعديلات الجوهرية على قانوني البنوك والائتمان وقانون البنك المركزي، مفادها تدعيم السلطات الإشرافية والرقابية للدولة، وكذلك منح الوحدات المصرفية المزيد من الحرية في التعامل، سواء بالنقد المحلي أو بالعملات الأجنبية. وقد أدت هذه السياسة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع بالعملة المحلية، وبالتالي حدوث طفرة كبيرة في حجم الودائع بالجهاز المصرفي، إذ تزايد تفضيل الأوعية الادخارية بالعملة المحلية في ظل العمل بأسعار فائدة موجبة، والاستقرار النسبي لقيمة الجنيه المصري، وتزامن ذلك مع انخفاض الفائدة على العملات الدولية الرئيسية كالدولار والاسترليني، الأمر الذي أدى الى تزايد التحول من العملات الأجنبية إلى العملة المحلية. ونتيجة لذلك ازدادت الودائع بالعملة المحلية من 1.26 بليون جنيه عام 1989 إلى 1.63 بليون جنيه بنهاية حزيران يونيو 1992 ثم إلى 6.217 بليون جنيه بنهاية حزيران يونيو 2001. وعلى الجانب الآخر، اتخذت الحكومة عدة إجراءات فاعلة، منها ايقاف العمل بالسقوف الائتمانية للقطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي أدى إلى طفرة في الائتمان الموجه لقطاع الأعمال، إذ ارتفع الائتمان الممنوح لقطاع الأعمال الخاص إلى 5.178 بليون جنيه، في نهاية حزيران يونيو 2001، وبما يمثل 6.6 في المئة من إجمالي الائتمان المحلي، بينما اقتصر نصيب قطاع الأعمال العام على نحو 3.11 في المئة من الائتمان والقطاع العائلي1.10 في المئة من الاجمالي، خلال الفترة نفسها، مع ملاحظة أن جزءا من هذه الزيادة يعود إلى تحول شركات قطاع الأعمال العام إلى قطاع خاص، وأيضا اعتماد شركات قطاع الأعمال على الموارد المتاحة في إطار تنفيذ برنامج إصلاحي للهياكل التمويلية لهذه الشركات. كذلك أدخل البنك المركزي عدة تعديلات مهمة، منها تخفيض نسبة ما تودعه البنوك لديه من ودائع بالعملات الأجنبية من 15 إلى10 في المئة في أيلول سبتمبر 1993، وبالنسبة الى العملة المحلية من 25 إلى 15 في المئة، وكذلك تخفيض نسبة السيولة من 30 في المئة إلى 20 في المئة للجنيه المصري، و25 في المئة للعملات الأجنبية. السياسة المالية عانى الاقتصاد المصري من أزمة مالية حادة خلال الفترة السابقة على سياسة الإصلاح الاقتصادي، حيث ظل العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة مستقرا عند مستوى بلغ 23 في المئة من الناتج المحلي كمتوسط خلال الثمانينات، واقترن ذلك بارتفاع نسبتي التمويل الخارجي والمصرفي للعجز الكلي، بينما تراجعت نسبة التمويل المحلي للعجز، الأمر الذي أسهم في ارتفاع معدل التضخم. وفي هذا السياق رأت الحكومة ضرورة القيام بعمليات إصلاح مالية جذرية من خلال ضبط الانفاق العام وترشيده من ناحية، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد العامة وتنميتها من ناحية أخرى. وهنا يُشار إلى أن الانفاق العام يعد إحدى الأدوات الأساسية للسياسة الاقتصادية من حيث تأثيره في الطلب الفعلي، وبالتالي في مستويات التشغيل والدخل القومي والمستوى العام للأسعار. من هنا تناقش فكرة خفض الانفاق العام لتقليل العجز في الموازنة أو لتحسين تخصيص الانفاق العام، وتحديد الحجم الأمثل للانفاق العام الذي يحقق الأهداف المنوطة به، وهو ما يتوقف على طبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، الأمر الذي يتيح للمجتمع تحديد كيفية انفاق الموارد المحدودة بأكبر قدر من الكفاءة والفاعلىة في المجالات التي تحتاج إلى التدخل العام. وبالتالي فإن مناقشة دور الانفاق العام يجب ألا تقتصر على العلاقة بينه وبين العجز في الموازنة، بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار مدى مساهمته في إيجاد فرص عمل جديدة، ورفع معدلات الاستثمار وتغيير هيكل الانتاج القومي. بمعنى آخر فإن نجاح السياسة المالية يجب أن يقاس بالقدر الذي تسهم فيه النفقات العامة في زيادة التشغيل وامتصاص فائض العمالة في المجتمع، ولهذا كانت سياسة الإصلاح المالي، المطبقة منذ بداية الثمانينات، والتي عمدت الحكومة بمقتضاها إلى تنفيذ برنامج شامل للعلاج وانتشال الاقتصاد من عثرته. وقد وضعت السياسة المالية الجديدة لنفسها عدة أهداف رئيسية، بعضها اقتصادي ويقصد به توفير التمويل اللازم للاستثمارات وتأكيد الاعتماد على الذات، عن طريق تمويل الاستثمارات من موارد حقيقية من دون اللجوء إلى الجهاز المصرفي، وتضييق الفجوة بين الايرادات والنفقات العامة، وبالتالي ارتكزت هذه السياسة على محورين رئيسيين: أحدهما يتعلق بالحد من الانفاق العام وحصره في أضيق الحدود، وثانيهما تنمية الايرادات العامة. وتشير الاحصاءات إلى أن الحكومة استطاعت تحقيق نجاحات لا بأس بها في خفض العجز الكلي للموازنة، والوصول إلى مستويات معقولة، وذلك باتباع سياسة انكماشية ركزت في الأساس على خفض الانفاق الحكومي بنسبة كبيرة للغاية، الأمر الذي أثر على مستويات التشغيل والمستوى العام للأسعار. سعر الصرف وإدارة المعاملات الخارجية يرى الخبراء أن أسعار الصرف المالي تؤدي إلى ضياع القدرة التنافسية للبلد المعني في الأسواق العالمية، كما أنها تشجع على الاستيراد وتحد من التصدير، الأمر الذي يتطلب تعديل سعر الصرف بما يسمح بإبراز التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات، وذلك عن طريق تخفيض القيمة الخارجية للعملة المحلية بما يسمح بزيادة هوامش الربح في قطاع التصدير بالنسبة الى تلك الخاصة بالقطاع الذي يعمل للسوق الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى إعادة تخصيص الموارد، بحيث تتحول من انتاج السلع غير القابلة للتصدير إلى تلك التي يمكن تصديرها ما يؤدي إلى استقرار الحساب الجاري وزيادة نصيب الصادرات من الانتاج المحلي. تحديات المستقبل اذا كانت الفترة السابقة شهدت كل هذه الانجازات على الصعيدين القومي والفردي، فإن المهام الملقاة على عاتقها في المستقبل كثيرة ومتنوعة في ظل عالم يموج بالتغيرات العاصفة. بل ويمكننا القول إن استمرار العملية التنموية في مصر، وهي في سبيلها للانطلاق، يواجهه تحد رئيسي هو تحول مصر إلى مجتمع منتج للمعرفة بأدواتها المختلفة ومحتواها، وذلك من خلال الجهد المتصل الذي تشارك فيه جميع القواعد البحثية والانتاجية في مختلف المؤسسات والوحدات، بما يعمق الدور المتنامي لأهمية التكنولوجيا والبحث العلمي في إيجاد تكنولوجيا مصرية قادرة على المنافسة، والتركيز على الصناعات غير التقليدية ذات القيمة المضافة العالية والميزة التنافسية في الأسواق الدولية. وتمثل سياسة التعامل مع العالم الخارجي محوراً مهماً وأساسياً من محاور التنمية الاقتصادية في المجتمع، خصوصاً خلال المرحلة المقبلة التي تستهدف بناء النهضة الاقتصادية الشاملة، والتي ترتكز على زيادة الانتاج بمعدلات عالية نسبياً ورفع كفاءته لتدعيم القدرة التنافسية وإلى زيادة معدلات الاستثمار وتعظيم الطاقات الانتاجية في المجتمع، باعتبارها القناة التي يتم من خلالها الانطلاق في آفاق التنمية والرفاهية للشعب المصري.