أكد وزير المال المصري رئيس اللجنة المالية والنقدية في صندوق النقد الدولي يوسف بطرس غالي ان بلاده ستسرع برنامجها للإصلاح الاقتصادي فور انتهاء الأزمة المالية الحالية، محذراً من أنها ليست قادرة على تحمل أزمة جديدة. وشدد في مقابلة أجرتها معه «الحياة» في لندن شرح فيها انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري، على ضرورة اصلاح المؤسسات الدولية، و «إلا فاننا نمهد لأزمة عالمية بعد خمس أو ست سنوات». وأشار الى إلحاح القاهرة على الإسراع في هذه الإصلاحات فيما تخشى دول أخرى على مواقعها في المؤسسات الدولية. معدلات النمو وأوضح ان «الأزمة الاقتصادية انعكست على الاقتصاد المصري بانخفاض معدلات النمو التي كانت تتراوح بين 7.2 و7.5 في المئة، الى أربعة في المئة. وجعلت قدرة الاقتصاد على استيعاب الوافدين الجدد أقل، وبالتالي ازدادت معدلات البطالة مجدداً، والنشاط الاقتصادي بات أقل. ولكن لو نظرنا الى أثر الأزمة في بقية دول العالم، فإنه كان علينا أخف». وقال ان «عدداً كبيراً من دول العالم في أوروبا في أميركا الشمالية وفي آسيا، انقلبت معدلات النمو فيها الى السالب. ولم ينقلب معدل النمو عندنا إلى السالب على رغم انخفاض حصيلة السياحة وقناة السويس والصادرات والاستثمارات الأجنبية والمحلية، إلا ان معدل النمو المصري لا يزال في الموجب ومعدل النمو في حدود أربعة أو أربعة ونصف في المئة». لكنه أقر بأن «هناك أثراً مالياً. تركنا عجز الموازنة العامة يتضخم بعض الشيء نتيجة التزاماتنا الاجتماعية تجاه محدودي الدخل والضعفاء، والتي يجب ان نفي بها. وبالتالي، اضطررنا الى ان لا نؤثر كثيراً في الإنفاق، على رغم انخفاض الإيرادات. وهذا الأمر سيتطلب منا مجهوداً أكبر كي نعيد التوازنات المالية الى المكان الآمن لجهة عجز الموازنة وحجم المديونية نسبة الى الدخل القومي». السياحة والدعم وقال بطرس غالي ان «حصيلة قطاع السياحة ستتأثر بما بين سبعة و10 في المئة للسنة المالية الممتدة من تموز (يوليو) عام 2008 حتى هذا الشهر». وأضاف ان «البطالة ارتفعت الى 8.4 ثم الى 8.6 في المئة، وستستقر عند تسعة في المئة». وبالنسبة الى الدعم الحكومي للسلع، شدد على «أننا عندنا التزام تجاه محدودي الدخل، وجزء من التزامنا يتمثل في الحفاظ على مستوى معين من الدعم في السلع الأساسية، والتخلص من الدعم في سلع أخرى من أجل تكثيف الدعم الذي يصل الى محدودي الدخل. وأوقفنا هذا البرنامج. يعني دعم الطاقة خففناه لأن بعض منتجات الطاقة لا يستحق الدعم. لكن ليس الآن، فتوقف تصويب برنامج الدعم حتى خروج الاقتصاد من هذه الأزمة. أما بقية بنود الدعم الأساسية على المواد الغذائية وفي التعليم والصحة وغيرها فموجودة وليست هناك مشكلة». وفيما أقر بأن هناك «تجميداً لعمليات خفض الدعم»، أشار الى ان «هذه البنود ستتوسع في المستقبل لكن حالياً في هذه المرحلة الانتقالية التي فيها الاقتصاد ضعيف ومعرض لهزات، لن نلعب بموضوع الدعم». وقال ان « هناك برامج جديدة تستهدف الفقراء. بدأنا بها. معاش الضمان يستهدف الفقراء الذين لا يملكون مصدر دخل، سنتوسع بهذا المعاش والدعم المالي وبرنامج قانون التأمين الصحي الشامل الذي هدفه محدودي الدخل. وسيمس جزء كبير محدودي الدخل، وسيكون مدعوماً في طريقة منظمة ومعروفة. هذا الدعم سيعاد تشكيله. أما الآن، ولأن الاقتصاد يمر في مرحلة انتقالية وعرضة لهزات، لن نغير سياسة الدولة، إلا إذا زدناه». لا مشاريع تخصيص جديدة وعما إذا كانت لدى الحكومة المصرية مشاريع تخصيص جديدة، قال ان «المسألة ليست مطروحة الآن لأن الأسواق ليس فيها عمليات بيع وشراء» على هذا المستوى. إلا أنه أضاف ان «هناك في المقابل برامج تتيح للقطاع الخاص الدخول في شراكة مع الحكومة في إنشاء بنية أساسية في فترات ايجار طويلة الأجل. مثلاً أنا وقعت قبل أسبوع عقداً لإنشاء محطة صرف صحي ستكلف تقريباً بليوني جنيه. القطاع الخاص ينشئ هذه المحطة، وهناك تعاقد بينه وبين وزارة الإسكان على شراء المياه المعالجة بسعر طُرح في مناقصة عامة وفاز بها لأنه قدم أقل سعر، لفترة 25 سنة. بعد 25 سنة، تعود المحطة الى الحكومة. يكون القطاع الخاص أخذ أرباحه، ونحن صرفنا بليوني جنيه اليوم خارج الموازنة العامة للدولة، وبما يسمح بالتوسع بالبنية الأساسية من دون ان أتقيد بالموارد الموجودة في الموازنة. وذلك في مقابل ان أشتري من هذه الشركة المياه المعالجة لقاء سعر محدد». ونفى وزير المال المصري ان تكون المساعدات الخارجية تلعب دوراً أساسياً في الموازنة العامة المصرية. وقال ان «لدينا موازنة اجمالي نفقاتها 340 بليون جنيه، أي 65 بليون دولار. كم ستكون المعونات؟ بليون دولار؟ بليون دولار من أصل 65 بليوناً لن يكون لها أثر كبير. الإيرادات في حدود 150 بليون جنيه، أي 30 بليون دولار. كم ستكون المساعدات، بليون أو اثنين أو ثلاثة؟ المعونات، وإن كانت مرحباً بها، لا تلعب دوراً مؤثراً في الموازنة العامة». وقال ان «ايرادات قناة السويس انخفضت نتيجة تقلص نشاط التجارة العالمية بنسبة تتراوح ما بين 25 و27 في المئة. الصادرات انخفضت نتيجة انخفاض الطلب في الخارج. تحويلات العاملين في الخارج انخفضت بما بين 10 و15 في المئة عن العام الماضي. هذه هي التأثيرات التي أدت الى انخفاض معدل النمو في الاقتصاد القومي من 7.5 الى 4.5 في المئة. والاستثمارات انخفضت في كل القطاعات، بما فيها الصناعة التي تقلص النشاط فيها من 8 - 10 في المئة الى 5 - 7 في المئة». تداعيات الأزمة وأكد بطرس غالي ان «التوقعات تشير الى انتهاء الأزمة في آجال مختلفة بحسب القارات. آسيا تخطت الى حد كبير المشكلة. قد توجد بعض البقايا هنا أو هناك، إلا أنها تخطت المشكلة. الولاياتالمتحدة ستكون أول دولة صناعية تخرج من الأزمة ومعها أميركا الشمالية، وتحديداً كندا. أميركا الجنوبية اقتصاداتها متقلبة ومرنة تدخل في الأزمة بعمق وتخرج منها سريعاً. لكنها ما زالت تعاني حتى الآن من أزمة طاحنة. ولا يعرف أحد متى ستخرج. وأفريقيا ستعاني، فيما هناك قلق على أوروبا لأن الجمود الذي يصيب سوق العمل يجعل اقتصادات القارة ثقيلة». ولفت الى ان «السياسات التي اتخذتها القارة الأوروبية تجاه الجهاز المصرفي غير كافية برأيي، ولم يتخذوا الإجراءات الكافية لإعادة هيكلة الجهاز المصرفي وإعادة ضخ الأموال ورفع رؤوس أموال المصارف ومعالجة الأصول السامة في موازنات المصارف. حتى الاختبارات في الولاياتالمتحدة على صلابة موازنات هذه المصارف، إما أُجريت جزئياً أو في طريقة غير متجانسة، أو لم تجر أصلاً. وبالتالي، فإن هناك قلقاً حيال أوروبا ان تأخذ وقتاً أطول». ورداً على سؤال عما استخلصت مصر من هذه الأزمة، قال ان أي أزمة تمس العالم ومصر، العبرة الأولى التي نستمدها منها ان علينا الإسراع في الإصلاح الاقتصادي». تحمل الأزمات وقال: «كلما كان الاقتصاد المصري أقوى، بات أكثر قدرة على تحمل الأزمات. الحمد الله ان جاءت هذه الأزمة الآن، لأنها لو وقعت قبل خمس سنوات لقضت على عدد من اقتصادات الشرق الأوسط ومنها الاقتصاد المصري. كنا نجحنا في رفع معدلات النمو منذ عام 2004 عندما كانت اثنين وثلاثة في المئة الى 7.5 في المئة، ما أعطانا هامش أمان استوعبنا به الصدمة من دون ان يؤثر في الهيكل الأساسي للاقتصاد المصري. ثبت لنا الآن ان أسس الاقتصاد المصري صلبة وجيدة وتحملت هذه الأزمة. وتحملت قبلها أزمة ارتفاع أسعار الغذاء وقدرتنا على توفير أموال لنعالج أثارها على محدودي الدخل». وأضاف: «في السنة المالية الماضية التي انتهت في 30 حزيران (يونيو) الماضي، فإن عجز الموازنة، وعلى رغم أزمة الغذاء العالمية، هو نفسه المخطط لهذا العام. في آذار (مارس) عام 2007، وضعنا هدفاً للعجز يبلغ 6.8 في المئة من الناتج المحلي. أما هذه السنة، وبعد أزمة الغذاء والأزمة العالمية وغيرها، ما زال العجز 6.8 في المئة. هذا جاء نتيجة استثمارنا جهوداً في الإصلاح خلال الفترة السابقة. قدمت لنا رصيداً من رأس المال سمحت لنا باستيعاب صدمة أولى ثم ثانية من دون ان نقع. طبعاً هذا لا يعني استيعاب الصدمات من دون ان نقوم بشيء. المشوار ما زال طويلاً أمامنا. لكن ما حصل خلال الشهور ال24 الماضية يدل على ان برنامج الإصلاح أولاً نجح، وثانياً أساسي حتى نقدر على الاستمرار لأن هذه الأزمات ستتكرر ولسنا قادرين على تحمل أزمة ثالثة». الاصلاح وشدد بطرس غالي على ان الحكومة المصرية تريد «تسريع الإصلاح عندما نتجاوز هذه الأزمة في كل الاتجاهات، أي الأسواق وتحرير الاقتصاد وتصويب الأعباء المختلفة على المنشأة أو الفرد أو الأسرة. مثلما بدأنا به سنكمل». وعن دور مصر على الساحة الدولية منذ بدء الأزمة، قال ان بلاده لعبت «دوراً اقتصادياً على الساحة الدولية من خلال رئاستها اللجنة المالية والنقدية لصندوق النقد الدولي. كان هدفي ان نبقي الأنظار مسلطة بصفة مستمرة على الإصلاحات المطلوبة لأن جزءاً منها مؤلم وسيتضمن اصلاح المؤسسات المالية». وسيعني ذلك في رأيه «بأن علينا ان نعيد هيكلتها وفقاً لظروف اليوم المختلفة عن الظروف التي كانت قائمة عند تأسيسها. وبالتالي فإن هناك دولاً ستفقد جزءاً من مكانتها في هذه المنظمات وهي غير سعيدة بذلك. كان هدفي الاستمرار في التركيز على المضي بالإصلاح. هناك عادة في العالم تتمثل بالإسراع في الإصلاح طوال الأزمة. وعندما تزول الأزمة، ننام. دور مصر كان الإلحاح على استمرار الإصلاح، وأننا إذا لم نصلح الأمور اليوم، فإننا نمهد العالم لأزمة شبيهة بعد خمس أو ست سنوات».