بعدما تأجل أكثر من مرة، تم التوافق اخيراً على انعقاد الاجتماع الاول ل"لجنة المتابعة والتنسيق"، للمعارضة العراقية اوائل شهر شباط فبراير الجاري، مع ترجيح احتمال تقريب الموعد ليسبق موسم الحج إذ أن عدداً من اعضاء اللجنة ال65 توجه الى الديار المقدسة لأداء الفريضة. هذا التأجيل المتكرر لموعد الاجتماع من منتصف كانون الأول ديسمبر 2002 الى شباط، كما التأجيل المتكرر لموعد انعقاد مؤتمر لندن للمعارضة، لم يكن فقط لاسباب فنية وامنية، بل انه يشي ايضاً بالارتباك والتردد الناجمين عن التعقيدات التي تحيط بالقضية العراقية وعمل المعارضة بسبب تعدد الرؤى والتباينات والخلافات بين تياراتها وتنظيماتها، وكذلك بسبب تأثير العوامل الخارجية خصوصاً العامل الاميركي، اذ تنعكس عليها تباينات في رؤى مراكز القرار في الادارة الاميركية ومواقفها. واذا كان مؤتمر لندن تجاوز بعض المشاكل التي انتصبت امامه، منذ الاعداد له حتى انعقاده، بترحيل العديد من تلك المشاكل والمسائل الشائكة التي واجهته لمعالجتها وبتها في الاجتماع الاول للجنة التنسيق والمتابعة، فقد حُمّل ذلك الاجتماع المنتظر عبئاً اضافياً يزيد من أهميته واستحقاقاته. ان انعقاد هذا الاجتماع في ظروف تصاعد احتمالات تغيير النظام الحاكم في بغداد واطاحته، سواء سلمياً بإرغام رئيسه على التنحي ومغادرة العراق، او بحملة عسكرية اميركية دولية، محتملة او محتمة في آن، انما يرتب على المجتمعين وعلى عموم المعارضة استحقاقات تاريخية تتجلى في معرفة دورها السياسي والميداني وتحديده في عملية التغيير والمرحلة الانتقالية. اما أبرز وأهم القضايا التي سيواجهها اجتماع لجنة المتابعة والتنسيق متى انعقد في كردستان العراق، من دون تأجيل جديد، فهي: اولاً: القيام بدرس واصلاح الخلل والاخطاء التي رافقت الاعداد لمؤتمر لندن وادارته وتركيبته ونتائجه. ثانياً: البحث في القضايا والمشاكل التي تم ترحيلها في مؤتمر لندن ومنها: بت مسألة تشكيل حكومة، او ادارة انتقالية، بتحديد مواصفاتها، وموعد تشكيلها، والجهة المخوّلة تحقيق ذلك، هذا فضلاً عن اهمية البحث في علاقة اللجنة والتنظيمات والشخصيات التي شاركت في مؤتمر لندن مع القوى والتنظيمات والشخصيات التي تحفظت عن المشاركة، او قاطعت المؤتمر، او التي وجهت ملاحظات وانتقادات لتركيبته واداء المشرفين عليه ونتائجه، ومن ثم ابتكار السبل والوسائل التي تجسّر تلك العلاقة وتردم الهوة بين اطرافها، والاتفاق او التوافق على التعاون والتنسيق، بما هو مشترك، على قاعدة: وحدة خلاف وحدة. ثالثاً: البحث في مسألة الدور السياسي والميداني الذي على المعارضة ان تقوم به بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة والدول المعنية بما يؤهل المعارضة ومرجعيتها لأن تقوم بدور الشريك والمساهم في القرارات التي تقرر مصير العراق وشعبه، وليس بدور المتلقي او المتفرج. ثمة رؤيتان رئيسيتان يتوقع أن تطرحا للنقاش والسجالات داخل اجتماعات اللجنة، وهي: الاولى: التي تدعو الى التمسك بما نجم عن مؤتمر لندن من قرارات ونتائج من دون تغييرات جدية، وتقوم هذه الرؤية، او الموقف، على اساس ابقاء هيمنة الاطراف التي وجهت اليها تهمة الهيمنة على المؤتمر، اي بإبقاء عدد اعضاء اللجنة كما هو 65 عضواً، او زيادته الى 75 كحد اقصى ولكن وفقاً للنسب التي تشكلت بها اللجنة وسمي بها اعضاء المؤتمر. كما تقوم هذه الرؤية، على استبعاد انبثاق او تشكيل قيادة فاعلة، كمرجعية للمعارضة، والاكتفاء بدور "فني" ل"المتابعة والتنسيق" فضلاً عن الرغبة في ابقاء هيمنة مجموعة الستة، او بعضها في الواقع، او بإضافة شخصيتين او ثلاث شخصيات اليها. ويمثل "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" هذه الرؤية، ويمانع في اصلاح الخلل الذي حصل في مؤتمر لندن بتعديلها، لاعتقاده بأن اي تعديل او اصلاح سينتقص او يقلل مما يطلق عليه "الحصاد" الذي حققه في ذلك المؤتمر. اما الحزبان الكرديان "الاتحاد الوطني" و"الديموقراطي الكردستاني" المتهمان من الاطراف الاخرى بمشاركة المجلس الاعلى في هذه الرؤية، وفي الهيمنة، إبان التحضير للمؤتمر وإبان انعقاده، فانهما يتوافقان مع رؤية المجلس، لكنهما، وفقاً لتصريحاتهما ومواقفهما اللاحقة، اقل تشدداً في التمسك بهذا الموقف وربما يبديان مرونة أكبر إزاء اصلاح الخلل والاخطاء اذا ما طرح ذلك على جدول اعمال اللجنة. - اما الرؤية الثانية فترى ضرورة إحداث تغييرات جذرية في تركيبة لجنة المتابعة والتنسيق، وفي مهمتها وصلاحياتها. والافكار التي يجري تداولها الآن، ويتوقع ان تطرح للنقاش، تتضمن رفع عدد اعضاء اللجنة كخطوة اولى، الى مئة عضو او اكثر، تكون غالبتيهم من الشخصيات الديموقراطية والليبرالية المستقلة، اضافة الى ممثلين عن تنظيمات اسلامية تنكر على "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" تمثيله واستفراده بتمثيل التيار الاسلامي. ويعتقد اصحاب هذه الرؤية، ان على هذه اللجنة الموسعة ان تنتخب وتختار قيادة للمعارضة وليس لجنة متابعة وتنسيق يتحدد عددها بين 15 - 20 عضواً وتكون مهمتها: قيادة عمل المعارضة، كمرجعية سياسية كاملة الصلاحية، سواء في الاتصال بحكومات دول العالم المعنية بالشأن العراقي والتنسيق معها، خصوصاً الولاياتالمتحدة، او الاتصال والتنسيق مع قوى المعارضة في الداخل، ضمن الجيش والحرس الجمهوري والعشائر وقوى المجمتع الاخرى، اضافة الى مسؤوليتها في قيادة عملية التعاون والتنسيق مع قوى المعارضة في الخارج، والاشراف على سائر النشاطات الاعلامية والاجتماعية… وغيرها في الخارج. وتتبوأ مسألة تحديد دور للمعارضة العراقية في عملية التغيير، وليس فقط في المرحلة الانتقالية، مكانة مهمة في تفكير اصحاب هذه الرؤية، باعتبار ذلك الاستحقاق الكبير الذي ينبغي على المعارضة الاستجابة له والسعي الى انجازه، انطلاقاً من واجبها ومسؤوليتها في الحضور كرقم مهم في المعادلات الاقليمية والدولية، للمشاركة في تقرير مصير العراق والعراقيين. ويمثل الرؤية الثانية، عدد كبير من الشخصيات الديموقراطية والليبرالية المستقلة، التي عبّرت عن آرائها ومواقعها داخل مؤتمر لندن، وخارجه بعد انتهاء أعماله، وذلك اضافة للمؤتمر الوطني العراقي والحركة الملكية الدستورية، وشخصيات من الحزبين الكرديين والمستقلين. اذاً، ما هو امكان تقدم احدى الرؤيتين وانتصارها على الاخرى في النقاشات الواسعة المتوقعة، وربما الحادة، التي ستدور في الاجتماع المنتظر للجنة المتابعة؟ وما هي الظروف والعوامل التي ستمكن هذه الرؤية من تجاوز الرؤية الاخرى؟ لا شك في ان ظروف انعقاد مؤتمر لندن ومقدماته، هي غيرها في اجتماع اللجنة المتوقع عقده في اربيل. فإضافة الى الاداء غير الموفق للاطراف المهيمنة في مجموعة الستة، اثناء التحضير لمؤتمر لندن ثم ادارته بعد ذلك، فإن الممارسات والمواقف، وحتى "الاستعراضات" المشهدية لتلك الاطراف ولدت شعوراً واسعاً بالنفور لدى قطاعات واسعة من العراقيين، وذلك اضافة الى التشكيل غير المتوازن والمثير للاشكاليات والانتقادات الحادة. وفي حين ان سلبيات أصحاب الرؤية الاولى ستوفر الاسلحة والحجج القوية لاصحاب الرؤية الثانية، وتمكنهم من تأكيد سلامة موقفهم الداعي لاصلاح الخلل والاخطاء التي اتسم بها مؤتمر لندن، وبالتالي، ضرورة اصلاحها بشكل جذري واضح، فان التقاء الموقف الاميركي المعني بشؤون المعارضة مع هذه الرؤية سيزيد من رصيد وعوامل تقدمها على الرؤية الاخرى. ان عدم ارتياح الادارة الاميركية بمسار مؤتمر لندن ونتائجه، وبما يلتقي مع اصحاب الرؤية الثانية وكذلك اصحاب الانتقادات الواسعة التي وجهت له، قد جرى التعبير عنه بشكل واضح بلقاء الرئيس الاميركي بوش ونائبه ومستشارته للامن القومي اضافة الى ممثله لدى المعارضة العراقية زلماي خليل زاد، في البيت الابيض يوم 11 كانون الثاني يناير الجاري، بثلاث شخصيات معارضة وليبرالية بارزة هم كنعان مكيه ورند الرحيم وحاتم مخلص، وقد وصف هذا اللقاء بأنه تقويم اميركي للصيغة التي توصل اليها مؤتمر لندن وتتسم ب"هيمنة الاكراد ممثلين بالحزبين الرئيسيين والاسلاميين ممثلين بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية القريب من ايران"، وذلك اضافة الى اطلاق اشارة بأن ادارة بوش تزكي "الاتحاد الليبرالي" العلماني، الاقرب الى تصورها للنظام في العراق ما بعد صدام. وعدا ذلك، فإن معاودة ممثل الرئيس بوش زلماي خليل زاد تكثيف اتصالاته وتنسيقه مع خمسة اطراف من مجموعة الست حيث تخلف ممثل المجلس الاعلى من الذهاب الى واشنطن بعد تأجيل الاجتماع منتصف الشهر الجاري وقبيل انعقاده في الموعد الجديد، اضافة الى لقائه الناطق الرسمي باسم حزب الدعوة الاسلامية، وعدد آخر من التنظيمات والشخصيات المعارضة التي كان لها موقف انتقادي من مؤتمر لندن، كي يشجعها على المشاركة والحضور في الاجتماع المقبل... انما يشير الى عزم ادارة بوش على تصحيح موقفها السلبي ازاء هيمنة بعض الاطراف على مؤتمر لندن ونتائجه، وبالتالي، اظهار تعاطفها ودعمها للاتجاه الديموقراطي الليبرالي، الامر الذي سيشجعه على الاندفاع بقوة في تأكيد حضوره في هذا الاجتماع، وفي كل نشاطات المعارضة واجتماعاتها. فهل سيتمكن اجتماع لجنة المتابعة والتنسيق، من تجاوز الخلل والاخطاء في مؤتمر لندن ويمكّن المعارضة، بالتالي، من الاستجابة للاستحقاقات التاريخية للمرحلة الراهنة؟ هذا ما ستجيب عليه الاسابيع المقبلة. * كاتب عراقي، لندن.