خلال فترة الإعداد لانعقاده التي استغرقت أربعة أشهر، وكذلك خلال انعقاده، وبعد انتهاء أعماله منتصف الشهر الجاري، تعرض مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد أخيراً في لندن، الى حملة انتقادات شديدة عبّر عنها طيف واسع شمل جهات وتنظيمات وشخصيات معارضة شارك بعضها في أعمال المؤتمر، أو دُعي بعضها ولم يحضر، أو لم تدع أصلاً. كما تعرض في الوقت نفسه الى حرب نفسية ودعائية ضارية تمثلت في حملة من الاتهامات والتشويهات شنتها جبهة واسعة ممن يناصبون المعارضة، أصلاً، العداء. بدءاً من السلطة في بغداد واعلامها، مروراً بامتداداتها في الخارج من الجماعات السياسية وبعض وسائل الاعلام الموالية لها، وانتهاء ببعض جماعات معارضة ذات النهج العدمي المتشدد والصوت المرتفع! وبتجاوز اتهامات وتشويهات الحرب النفسية الدعائية المعروفة الدوافع والأهداف، والجهات التي تقف وراءها، فإن الانتقادات التي وجهتها تنظيمات وشخصيات من داخل صفوف المعارضة، سواء من الذين شاركوا في هذا المؤتمر، أو من لم يشاركوا كانت، في معظمها، انتقادات محقة ومشروعة، بل وضرورية، لأنها طالت قضايا تنظيمية وسياسية مهمة تضمنتها وثيقتا المؤتمر الرئيسيتان، وانتقادات أخرى حول أداء لجنة "مجموعة الست" التحضيرية، والتي شكلت بمجملها، رؤى وتصورات هدفت الى ترشيد سبل الإعداد للمؤتمر وأعماله ومساره. كان أكثر الانتقادات حدة تلك التي وجهت الى "مجموعة الست" بسبب انفرادها، من دون التشاور مع تنظيمات وشخصيات بارزة ذات رؤى وتجربة في الاعلان عن الدعوة لعقد المؤتمر، وهي بعد في واشنطن اثر اجتماعها بعدد من كبار المسؤولين الاميركيين، وفي احتكارها عضوية اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر وتحديد جدول أعماله وعدد المشاركين فيه، واعتماد "نسب" اجتماع "المؤتمر الوطني العراقي" في اربيل عام 1992 كقاعدة للتمثيل، وهي النسب التي كانت، وما تزال، موضع خلال ونقد الكثيرين. وذلك فضلاً عن الانتقادات التي وجهت لطريقة الإعداد لوثائق المؤتمر وبعض مضامينها حول "الفيديرالية" والاستفتاء على النظام الجديد وهوية العراق ومتطلبات المرحلة الانتقالية، وذلك اضافة الى اشكالية تحقيق التوازن في التمثيل وفي دور وتمثيل المستقلين، فضلاً عن النقد الذي وجه لهيمنة "مجموعة الست" على أعمال ومسار المؤتمر، وكذلك النقد الذي وجه الى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية من بعض أطراف وشخصيات التيار الاسلامي لهيمنته على هذا التيار والتحكم بتمثيله في عضوية المؤتمر، أو في اللجنة المنبثقة عنه ثم، أخيراً، النقد الذي وجه للحديث الغامض، منذ البدء، عن "لجنة التنسيق والمتابعة" والذي لم يحدد، حتى بعد الاعلان، في نهاية المؤتمر، عن عدد أعضائها ال65 وربما يرتفع الى 75 واسمائهم، عن مهمات وصلاحيات هذه اللجنة، وفيما اذا كانت ستمثل هيئة قيادية للمعارضة، وهو أمر غير واقعي، أم سيكتفى بالاعلان عنها من دون مهمات محددة، حتى اجتماعها في اقليم كردستان العراق منتصف الشهر القادم. لكن، في مقابل ذلك، وعلى رغم ذلك، حظي المؤتمر في الوقت نفسه بتأييد وترحيب كبيرين في صفوف وتجمعات العراقيين في مدن وعواصم بلدان المنفى قبل، وخلال وبعد انعقاده، وكان التعبير عنهما بالاجتماعات وتوجيه الرسائل والمذكرات التي تضمنت، فضلاً عن الترحيب والتأييد، عدداً كبيراً من الملاحظات النقدية والاقتراحات الموجهة لاعضاء المؤتمر. وإذ عبّر هذا الاهتمام بالمؤتمر وتأييده، عن أحد الأوجه المهمة لنجاحه على الصعيد الوطني العراقي، فقد مثّل ترحيب وحضور ممثلين عن حكومات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وعن الاتحاد الأوروبي، وممثلين عن عدد من الأحزاب الأوروبية، فضلاً عن ممثلين عن الحكومة الكويتية والبرلمان، ثم الحشد الضخم واللافت لوسائل الاعلام العالمية. مثل تعبيراً مهماً لنجاح المؤتمر على الصعيد الدولي في مستويين: الأول، تمثيله تظاهرة اعلامية للتعريف والتذكير بقضية الشعب العراقي ودور المعارضة العراقية المنتظر في عملية التغيير والمساهمة بإدارة المرحلة الانتقالية، والمستوى الثاني، تهميش ونزع هذا المؤتمر لما تبقى من "شرعية" متآكلة لنظام الحكم في العراق، وتقديم المعارضة كبديل قادر ومؤهل ومرشح لتشكيل شرعية بديلة وحقيقية لهذا النظام، تؤسس نواتها منذ الآن وتستكمل في المرحلة المقبلة، بالانتخابات وقيام المؤسسات الشرعية الدستورية. ويتجلى التعبير الآخر لنجاح المؤتمر في تصعيده وتيرة القلق المفزع لدى النظام في بغداد ورئيسه بتوجيه المؤتمر له رسالة بالغة الدلالة تشير الى اقتراب الاطاحة به وتغييره، وهو الأمر الذي أثار عصبية النظام وغضبه، حيث جرى التعبير عن ذلك بردود الفعل المرتبكة والهيسيترية بإزاء المؤتمر التي عبرت عنها تصريحات المسؤولين ووسائل الاعلام. في رأي القائمين على المؤتمر وغالبية المشاركين فيه والمتعاطفين معه، ان المأثرة الأهم لهذا المؤتمر هي في انعقاده أولاً، حيث ساد احساس عميق لدى كثيرين، قبل ذلك، بعدم امكان عقده مستندين بذلك الى تأجيل موعد انعقاده مرات عدة، فضلاً عن الخلافات والتباينات في الرأي التي كانت تعصف بعمل لجنة "مجموعة الست" التحضيرية. والى مأثرة انعقاده التي بدت كمعجزة، كانت مأثرة اختتام أعماله ونتائجه: ان اجتماع نحو تسعين في المئة من ممثلي التيارات السياسية والتكوينات القومية والمذهبية والدينية التي يتكون منها المجتمع العراقي، واقرار وثيقتي الخطاب السياسي ومشروع المرحلة الانتقالية، قد عبّر بشكل جلي عن امكان تحقيق الحد الأدنى المطلوب من وحدة صفوف المعارضة، التي طالما وجهت لها "تهمة" الانقسام والتشرذم، كما انه عبّر بشكل جلي عن وضوح الخطاب السياسي للمعارضة وتصوراتها لمستقبل العراق، والمرحلة الانتقالية، التي ستلي الاطاحة بنظام صدام، وحتى بقدر واف من التفاصيل، وهو الأمر الذي سيبدد، كما يفترض، الآراء التي تقول بافتقاد المعارضة لمثل هذه التصورات والبرنامج وآليات العمل في المرحلة الانتقالية. لقد أنهى المؤتمر أعماله باختيار لجنة من 65 عضواً، ربما يرتفع عددها الى 75 عضواً أو أكثر، سميت بلجنة "المتابعة والتنسيق" حيث جدد منتصف الشهر القادم موعداً لاجتماعها الأولي في اقليم كردستان العراق. وكان السؤال الذي طرح، وما يزال، هو: وماذا بعد؟ لماذا لم تجتمع اللجنة فور انتهاء المؤتمر من أعماله لتحدد مهامها وصلاحياتها "الغامضة" أساساً، بينما تتسارع التطورات السياسية والعسكرية المتعلقة بالعراق بوتيرة عالية؟ وهل ستكلف هذه اللجنة، من بينها، هيئة قيادية عليا يتراوح عددها ما بين 11 و25 عضواً، وبالتالي تحديد دور ومهمات هذه الهيئة في مرحلة التحضير لاطاحة النظام، ومع بدء المرحلة الانتقالية؟ ثم، من يحدد دور وحجم التعاون والتنسيق مع الولاياتالمتحدة، أو قوات التحالف الدولي في حال تقرر القيام بعمل عسكري يهدف للاطاحة بنظام صدام؟ وأخيراً من سيقرر تشكيل الحكومة الانتقالية، ومتى... تلك هي الاسئلة المشتقة من سؤال، وماذا بعد عقد مؤتمر المعارضة وانتهاء أعماله؟ * كاتب عراقي، لندن.