الخلافات السياسية والديبلوماسية سيئة والإعلامية القائمة بين الولاياتالمتحدة الأميركية، وعدد من الدول الصديقة أو الشريكة في رسم معالم السياسة الدولية داخل الأممالمتحدة - خصوصاً في مجلس الأمن - وخارج اطار المنظمة العالمية التي تشكّل ضمانة الحق والعدل والسلام للبلدان الأعضاء فيها، تمر يومياً بتحولات سريعة تتركز حول أزمة تسلّح العراق مبدئياً، وان تكن الحملة على النظام العراقي والرامية الى اسقاطه تنطوي على نتائج مجهولة من حيث مخاطر فقدان السيادة الوطنية وتقسيم البلاد وهدر ثرواتها الطبيعية في مهب الأطماع الخارجية التي لا يمكن العاصمة الأميركية ان تحصل عليها لنفسها، عندما يقال ان البترول هو سبب الحرب الكبرى المدبرة ضد العراق بحجة مقاومة الإرهاب الدولي، لا سيّما ان تطور التشريعات البترولية الحديثة في العالم لا يمكن أن تسمح بعد الآن بتملك دولة أجنبية لامتيازات البترول والغاز فكيف والأصدقاء والحلفاء الذين يؤيدون السياسة الأميركية تجاه الحكم العراقي يسعون مع المعارضين الى اقناع الإدارة الثائرة إثر أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 باعتماد شرعة الأممالمتحدة إطاراً لخطّة نزع أسلحة الدمار الشامل، - إذا بقي منها شيء! - بدلاً من المغامرة في شنّ حرب أحادية خارج مجلس الأمن، يعرف الجميع المخاطر التي سترافق حصولها والتي ستعقبها وقد تكون أخطر وأطول مدى من المخاطر المباشرة الأولية. ومع الأخذ في الاعتبار دائماً، موقف روسيا وموقف الصين وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن ويتمتعان بحق النقض الى جانب الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانياوفرنسا، فإن وقوف فرنسا جاك شيراك في طليعة المعارضين للسياسة الأميركية حيال العراق يجعل من المبارزة الشخصية بين الرئيسين جورج بوش الابن وجاك شيراك، رمزاً للتصدّع الغربي في السياسة الخارجية، يسعى بلداهما، كما تسعى البلدان الغربية الأخرى، عبر الاتحاد الأوروبي، وعبر منظمة حلف الأطلسي للتخفيف من التمادي في الاختلافات والعمل في سبيل إيجاد حد أدنى مشترك من التفاهم على مهمّة المفتشين الدوليين لنزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، أو على دور تركيا داخل جبهات الحرب، اضافة الى كلّ ما يقوم يومياً من تباين في وجهات النظر بين الولاياتالمتحدة الأميركية ومعها الحلفاء المعلنون والصامتون، وفرنسا ومعها المانيا العائدة الى قوتها الأوروبية والدولية وبلجيكا وغالبية الرأي العام الدولي المطالب بالحفاظ على السلام والخائف من نتائج الحرب، وغير المدافع عن نظام الحكم العراقي. والمناظرات السياسية المتبادلة بين واشنطنوباريس، والتي جعلت وزير الدفاع الأميركي رونالد رمسفيلد يتهم فرنساوالمانيا وبلجيكا بتمثيل أوروبا القديمة، لا - الجديدة - في النظر الى الوضع العراقي، فتحت الذكريات على العلاقات التاريخية بين فرنساوالولاياتالمتحدة منذ القرن السابع عشر، عندما كانت أميركا الشمالية واقعة تحت الاستعمار الفرنسي والإسباني، والانكليزي بصورة خاصة ضمن ثلاث عشرة مستعمرة أخذت من الهنود الأميركيين وأصبحت تابعة للمملكة المتحدة التي فرضت الرسوم والضرائب الباهظة على الهنود الذين لم يحصلوا على حق تمثيلهم في البرلمان البريطاني فرفضوا دفع الضرائب الجديدة وقاطعوا الصادرات البريطانية من طرق احتلال ميناء بوسطن واقفاله، فكانت بداية حرب الاستقلال الأميركي ضد بريطانيا الملك جورج الثالث. وفي الرابع من شهر تموز يوليو 1776 وهو اليوم الوطني السنوي تمردت المستعمرات الأميركية على بريطانيا وأعلنت الاستقلال فكانت الوثيقة التي كتبها توماس جيفرسون مبنية على أفكار "عصر الأنوار" والمبادئ التي أطلقها المفكرون الفرنسيون حيث طالب مونتسكيو بالفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحيث قال جان - جاك روسو ان الناس أحرار ومتساوون في ما بينهم، وان السلطة هي للشعب الذي ينبغي عليه وضع القوانين، وحيث نادى فولتير بالتسامح وعارض تدخل الكنيسة في السياسة، أو حيث كانت موسوعة ديدرو - دالمبير المؤلفة من ثمانية وعشرين جزءاً هي المرجع الأكبر للمعارف والأفكار والعلوم والآداب في ابراز فلسفة "الأنوار"... على ان اعلان الاستقلال الأميركي عن بريطانيا عام 1776 قد مرّ بمراحل كفاح مختلفة وصعبة، قبل أن يتمكن الثوار بقيادة الجنرال جورج واشنطن، عام 1781 من ارغام الانكليز الرافضين للمفاوضات على الاستسلام في يوركتون بمساعدة الحملة الفرنسية التي قادها لافايت باسم فرنسا المعادية لبريطانيا في ذلك الوقت، وأسفرت في ما بعد أي عام 1783 عن عقد معاهدة باريس المعروفة والتي أتاحت للمستعمرات الأميركية الاستقلال والانتظام في الدولة الفيديرالية الحالية... وأما اليوم، وفرنسا في موقف المعارض للسياسة الأميركية بينما بريطانيا هي الحليف الأوروبي الأول لها، فقد يكون من الضروري، ومن أجل السلام في الشرق الأوسط، وبل في العالم بأسره، أن تعود واشنطنوباريس الى أوروبا "الأنوار"، والتحرير والأفكار الحيّة، كي تتفاهما - ويتفاهم العالم من خلالهما - حتى في أفريقيا حيث يشتد التنافس بينهما - على وجوب اعتماد سياسة خارجية واعية، تدعم الأممالمتحدة، وتسعى الى تطبيق قراراتها، جميع قراراتها، قبل وقوع البشرية تحت تأثير الانقسامات الدولية التي ستزيد الهوّة اتساعاً إرهابياً حقيقياً بين الدول الكبرى والدول النامية. * كاتب لبناني مقيم في باريس.